عالية ممدوح تمشى فوق جسر الذاكرة فى "التانكى"
تتبنى أغلب الروايات العراقية الصادرة في العشر سنوات الماضية ثنائية المنفى والخراب الذى حل بالأرض بعدما كانت عامرة، وقد استطاعت هذه التيمة أن تجذب لجنة تحكيم جائزة البوكر أكثر من مرة في أيام التراب لزهير الهيتى وفرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوى، وروايات محسن الرملى التي وصلت للقوائم الطويلة والقصيرة.
وفى رواية "التانكي" التى وصلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية عام 2020 تنشغل مؤلفتها عالية ممدوح بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود من الزمن فى المنافى، أن تتخيل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مر بها البلد والتغييرات التي حدثت في المجتمع.
«إنها رواية الخسرانين المتلعثمين فى لسانهم الأصلى وعبر ألسنتهم الهروبية أيضاً»، هكذا قدمت الروائية العراقية عالية ممدوح روايتها الجديدة «التانكي» التى صدرت عن منشورات المتوسط عام 2019.
«التانكى» أو شارع الأنتليجنسيا العراقية فى النصف الثانى من القرن الماضى، هو شارع تلك النخبة التى فرّقتها المنافى وشرّدتها الحروب وقضت دبابات المارينز وعمائم الطائفية على أحلامها الوردية بعراق حديث ومتنوّر ومتعدد، وحوّلته إلى مكان للمحو والعمى، فالبطلة التى اختارتها عالية ممدوح المتوّجة بجائزة «نجيب محفوظ للأدب» (2004) عن روايتها "المحبوبات" الصادرة عن دار الساقى تختار طوعاً المنفى الباريسى معلنةً بوضوح: «أريد تنظيف حواسى جميعها، فلو بقيت هنا لعميت واختفيت».
تضعنا صاحبة «حبات النفتلين» أمام الإشكاليات الكبيرة: الجمال والتفاهة، المنفى والوطن، الحرية والاستبداد، الجنون والعقل، إنها رواية أوطاننا المهدمة، أوطاننا المتخصصة في الأذية والقساوة، والمنافى.
وإذا كانت هذه المنافي ضامنة للكثير من حقائق الحرية والعدل وحقوق الإنسان، فإنها حين يتعلق الأمر بالدفء والحب تتفرج على أمراضنا ومآسينا من دون أن يرف لها جفن أو يرق لها قلب.
وتنطلق عالية ممدوح في الرواية من فكرة هندسية بديعة: «المكعب» الذي يصممه المهندس معاذ الألوسي ليسمح في تشكيله الهندسي للرواية بأن تُبنى على شكل طبقات.
المصدر: اليوم السابع