"تاريخ الكذب" جاك دريدا يشرح مفهوم الأكاذيب وجذورها التاريخية
تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخه فى حذ ذاته، يحيل إلى عوامل تاريخية وثقافية تساهم فى بلورة الممارسات والأساليب والدوافع التى تتعلق بالكذب، والتى تختلف من حضارة إلى أخرى، بل وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها، ومن الكتب التى تناولت الكذب كتاريخ كتاب "تاريخ الكذب" للفيلسوف الفرنسى جاك دريدا.
الكتاب عبارة عن دراسة كرسها الكاتب جاك دريدا لمفهوم الكذب، وهى صياغة مختصرة للدروس التى ألقاها فى مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس، حيث تلقى الضوء على ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخه فى حد ذاته، والذى يحيل على عوامل تاريخية وثقافية تساهم فى بلورة الممارسات والأساليب والدوافع التى تتعلق بالكذب، والتى تختلف من حضارة إلى أخرى، بل وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها.
وفى قراءة للكاتبة لينا هويان الحسن عن الكتاب نشرتها فى صحيفة الحياة اللندنية قالت، يتكئ دريدا فى كثير من الأحيان على ما سبق أن قيل حول تيمة الكذب، فيستند إلى قول مونتانى: "لو كان للكذب - كما هو شأن الحقيقة - وجه واحد لكانت العلاقات بيننا أحسن ممّا عليه، فيكفى أن نحمل على محمل صدق نقيض ما ينطق به الكاذب منّا. إلا أنّ نقيض الحقيقة له مئة ألف وجه ولا يمكن الإلمام كلياً بالحقل الذى يشغله".
على نحو سردى - أدبى يقترح دريدا كل ما قيل فى شأن الكذب. يبدأ بما قاله أرسطو: "الكذّاب ليس فقط من يملك القدرة على الكذب، بل هو الذى يميل إلى الكذب"، مروراً بما ذكره جان جاك روسو: "أن تكذب لمصلحة نفسك، فهذا مستحيل، وأن تكذب لمصلحة الغير، فهذا تدليس، وأن تكذب قصد إلحاق الأذى بالغير، فهذا افتراء، وهذا هو أسوأ أصناف الكذب. وأن تكذب من دون أن تقصد مصلحة أو إلحاق الأذى بك أو بغيرك فأنت لا تعتبر كاذباً، وما تقول ليس بكذب، بل مجرد تخيّل".
يُناقش دريدا تلك الأقوال على نحو تأملي، معتمداً على مبدأ القياس، متبعاً فى ذلك ما يسميه كانط "الحكم التأملي" يبدأ من الخاص ليصل إلى العام، ويؤكد أن هدفه هو التأمل لا التحديد، والتأمل على أساس الوصول إلى مبدأ ليس فى وسع التجربة أن تمكننا من الحصول عليه.
يمكن القارئ تتبّع الخيط الرابط لتحليلات دريدا - والتى يقدمها على أنها أطروحات تمهيدية ستمكّن من بلورة جينيالوجية تفكيكية لمفهوم الكذب - هو التساؤل حول إمكان تشكيل تاريخ خاص بالكذب من حيث هو كذلك. ثمة صعوبة لا يمكن تجاهلها، وهى تكمن فى ضرورة التمييز بين تاريخ الكذب كمفهوم وتاريخه فى حدّ ذاته، والذى يحيل على عوامل تاريخية وثقافية تساهم فى بلورة الممارسات والأساليب والدوافع التى تتعلق بالكذب، والتى تختلف من حضارة إلى أخرى، بل وحتى داخل الحضارة الواحدة نفسها. خلال ذلك يصرّ ويذكر أن مايصل إليه هو أحكام تأملية، وليست أحكاماً تحديدية نهائية.
تُشكّل النتائج التى يستخلصها دريدا من هذه الفرضية المحاور الرئيسة لتحليلاته. من جهة، هو يفترض وجود علاقة جوهرية بين "الكذب" و"القصدية"، ويذهب إلى أنّ من المستحيل البرهنة (بالمفهوم الضيق لهذه الكلمة)، بأن أحداً ما قد كذب، علماً أنّ بإمكاننا البرهنة على أنه لم يقُل الحقيقة.
المصدر: اليوم السابع