"اليوم السابع" ينفرد بنشر مخطوطة نادرة بخط يد الأديب العالمى نجيب محفوظ
نجيب محفوظ عبقرية أدبية، استطاع أن يصل للعالمية من خلال أعماله الإبداعية التى عبرت عن حياة المصريين بكل تفاصيلها داخل الحارة المصرية، فلم تجف الأقلام يومًا عن الحديث عن كتاباته منذ أن بدأ وحتى حصل على جائزة نوبل فى الآداب، عام 1988م، ليصبح أحد الأقلام الأدبية العربية المرموقة محليًا وعالميًا فى عالم الأدب خالد الذكر والسيرة، ومحفز للقراءة والدراسات.
وحصل "اليوم السابع" على عدد من مخطوطات كتبت بخط يد الكاتب العالمى نجيب محفوظ، الذى ولد فى حى الجمالية بالقاهرة فى 11 ديسمبر عام 1911م، لأبٍ موظف وأمٍّ ربة منزل، تخرج فى كلية الآداب بجامعة القاهرة قسم الفلسفة، وتنشر تلك المخطوطات لأول مرة، وبعد الحديث عن تلك الأوراق النادرة سوف نتناول الكتابة عند صاحب نوبل.
بدأ الأديب العالمى نجيب محفوظ بكتابة القصة القصيرة فى فترة الثلاثينيات والتى نشرت فى عدد من المجلات، ثم بعد ذلك بدخول عالم الروايات التاريخية بعد محطة كتابة القصة القصيرة، فكتب روايته الأولى «عبث الأقدار» التى نشرت عام 1939، التى تدور أحداثها فى عصر بناة الأهرام أو عصر الأسرة الرابعة وهو عهد الملك «خوفو» ثم خليفته «دجيدف رع»، وتحكى القصة نبوءة زوال حكم خوفو من بعده لملوك الأسرة الخامسة، ثم بعد ذلك يصدر روايته «رادوبيس» فى عام 1943م، والتى تدور أحداثها فى عصر الأسرة السادسة حول الحسناء الفاتنة «رادوبيس» وعلاقاتها بصفوة رجال المملكة المصرية وعلى رأسهم الفرعون الشاب مون رع الثانى، ويكتب نجيب محفوظ بعد ذلك رواية «كفاح طيبة» عام 1944م، والتى تتحدث عن نضال المصرى القديم بقيادة «أحمس الأول» مؤسس الأسرة الثامن عشرة ضد الغزاة الأجانب الهكسوس، وقد اتخذت الرواية الإطار التاريخى لإثارة قضية حرية الوطن واستقلال أراضيه.
ثم ينتقل صاحب نوبل بعد ذلك من التاريخية إلى عالمة الواقع وهى بالفعل المرحلة الأدبية التى أطلق عليها الواقعية عند نجيب محفوظ، والتى اهتم خلالها بتصوير المجتمع المصرى فى أنماط حياته المختلفة وتأثير العامل الاقتصادى فى شكل العلاقات، خاصة بين الحربين العالميتين إلى جانب صراع مصر من أجل الاستقلال، فكتب مجموعة من الروايات منها: «بداية ونهاية» التى صدرت عام 1949م، وهى أول رواية لمحفوظ تحولت إلى فيلم سينمائى عام 1960 من إخراج صلاح أبو سيف، ولتعقب ذلك روايات أخرى تمثل تلك المرحلة الواقعية مثل «القاهرة الجديدة، والسراب، وزقاق المدق، وثلاثيته بين القصرين وقصر الشوق السكرية».
وعقب صدور رواية «زقاق المدق» ينتقل نجيب محفوظ للتعبير عن مفارقات الحياة وعبثها وغموضها المبهم بطريقة أقرب للتساؤلات الفلسفية والتأملية فى قالب قصصى، فأصدر أول مجموعته القصصية «همس الجنون»، والتى كانت تضم عددا من القصص التى نشرها على صفحات المجلات خلال فترة الثلاثينيات، وكانت تلك ليست المجموعة القصصية الوحيدة لصاحب نوبل بل كتب غيرها وهى: «دنيا الله، بيت سيئ السمعة، خمارة القط الأسود، تحت المظلة، حكاية بلا بداية ولا نهاية، شهر العسل، الجريمة، الحب فوق هضبة الهرم، الشيطان يعظ، رأيت فيما يرى النائم، التنظيم السرى، صباح الورد، الفجر الكاذب، القرار الأخير، صدى النسيان، فتوة العطوف».
ولنعد إلى موضوع مراحل الكتابة لدى صاحب نوبل مع روايته «أولاد حارتنا» التى نشرت عام 1959، حيث انتهت بهذه الرواية مرحلة الواقعية فى أدب نجيب محفوظ وبدأ مرحلة الرمزية التى تتأثر تأثرًا شديدًا بالفلسفة المعاصرة، ويكتب فى مرحلة الرمزية أيضًا روايته «اللص والكلاب»، و«السمان والخريف»، و«الطريق»، و«الشحاذ»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«ميرامار»، وبهذه الروايات تطرق إلى أحوال وشؤون المجتمع المصرى كما اعتاد أن يفعل خلال رواياته الواقعية.
لتأتى بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل الإبداع لدى الأديب العالمى نجيب محفوظ وهى المرحلة الواقعية الملحمية، وفى هذا ذكر الناقد الراحل بهاء عبدالمجيد، تأتى تلك المرحلة من أدب نجيب محفوظ بروايات «الثلاثية والحرافيش وأولاد حارتنا»، والأخيرة كانت سببًا فى جِدال طويل أدى إلى محاولة اغتياله بسبب تأويلات دينية للرواية لم تعجب المحافظين، حتى إنه قد تَمَّ منعها من النشر لفترة طويلة، وغيرها من الروايات التى استطاعت نقل الواقع المصرى بتفاصيله إلى العالم، ليختتم الأديب العالمى حياته بكتابه «أصداء السيرة الذاتية والقرار الأخير وصدى النسيان، وفتوة العطف، وأحلام فترة النقاهة».
طقوس الكتابة عند نجيب محفوظ
كان الأديب العالمى نجيب محفوظ يحرص على القراءة والكتابة يوميًا، فبعد أن يعود من عمله حيث كان يعمل موظفًا بعدد من المؤسسات الحكومية المصرية، يدخل مكتبه ليقرأ لمدة ثلاث ساعات ثم يكتب يقوم بعد ذلك بالكتابة لمدة تعادل مدة القراءة وهى ثلاث ساعات أخرى، ولكن بعد وصوله لسن التقاعد تغيرت مواعيد كتاباته حيث كان يكتب من الساعة العاشرة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا.
ولكن قبل بداية الكتابة كان يجب أن يسمع مقطوعة موسيقية وإحدى إبداعات سيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم، كما كان من ضمن حرص عليه الكاتب العالمى الكبير خلال كتابته احتساء ثلاثة أكواب من القهوة الأول مع بداية دخوله غرفة مكتبه والثانى تحضره له زوجته وتدخل فى هدوء لعدم إزعاجه بعد فترة من جلوسه بالمكتب والثالث قبل انتهائه من الكتابة.
مخطوطات نادرة
حصلنا على مجموعة من المخطوطات النادرة بخط يد الأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ، وهى عبارة عن أجندة مكتوبة بخط يد صاحب نوبل. وكشف الناقد الكبير الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى جامعة القاهرة، عن تفاصيل تلك المخطوطات، قائلا: أتصور أن هذه الصفحات «باستثناء عبارة أو اثنتين تفصح عن انشغاله بكتابة نص أدبى ما»، بخط الأستاذ نجيب أيام كان خطه جميلا وواضحا ومنمقا، تنتمى فى أغلبها إلى ما كان يحرص عليه دائمًا من تدريبات على اللغة، وحرص على التعمق فى أسرارها، وقد كان هذا كله جزء من «ورشة كتابة داخلية» يقيمها لنفسه بنفسه.. وهناك معلومات عن أنه قبل نومه، كان يردد «فى سره» بيتا أعجبه من أبيات الشعر العربى الذى كان قد قرأه فى وقت ما قبل أن يذهب إلى النوم، وهناك معلومات أخرى عن أن القواميس كانت تمثل جزءا أساسيا من الكتب التى يرجع إليها، وكان يضعها قريبا منه، ويضع بعضها فوق مكتبه. وتابع، إلام يشير هذا كله؟ لعله يشير فيما أتصور إلى رغبة الأستاذ نجيب فى أن يعرف أسرار اللغة التى يكتب بها، كما يعرفها المتخصصون فيها.. وعلى أساس من معرفته بهذه الأسرار كان يبدع صياغاته الخاصة، وتعبيراته المميزة المرتبطة بأجواء النص الذى يكتبه.. كما كان مدركا لأن معرفته باللغة القاموسية، الموروثة، لا تعنى إغفاله لطبيعة اللغة الحية المستخدمة بين الناس، لقد كان الأستاذ نجيب محفوظ عارفا كبيرا باللغة باعتبارها ظاهرة تاريخية، تنمو وتتجدد باستمرار، خلال تعدد استخداماتها وخلال تطور هذا الاستخدام. وأيًا كانت تلك الصفحات سواء كانت من «ورشة كتابة الأستاذ» أو غيرها، فهى اكتشاف جميل، يرينا بعدا خفيا من عمل الأستاذ نجيب، وجهده المتصل، ورغبته فى التعلم، وحرصه على الدقة.. وكلها معالم تؤكد ما نتصوره حول أنه قد ظل، طوال رحلته، مبدعا عظيما وتلميذا أبديا. ومن واقع الأجندة التى حصلت عليها «اليوم السابع» تؤكد ما ذكرته الأكاديمية السويدية عند منح محفوظ جائزة نوبل فى الآداب كأول مواطن مصرى، حيث أكدت على أن حصوله على الجائزة لأنه واظب على الكتابة طيلة خمسين سنة، وهو فى سن السابعة والسبعين لحظة حصوله على الجائزة ما زال ناشطًا لا يعرف التعب، وأن إنجاز محفوظ العظيم والحاسم يكمن فى إبداعه فى مضمار الروايات والقصص القصيرة، ما أنتجه يعنى ازدهارًا قويًا للرواية كاختصاص أدبى، كما أسهم فى تطور اللغة الأدبية فى الأوساط الثقافية على امتداد العالم الناطق بالعربية بيد أن مدى إنجازه أوسع بكثير، ذلك أن أعماله تخاطبنا جميعًا». استطاع نجيب محفوظ أن يصنع لنفسه عالما خاصا لا يزاحمه فيه أحد، قد نجح فى التعبير عن الشخصية المصرية بشكل متميز، من خلال لغته القوية وفلسفته ومعرفته بالواقع الذى يعيش فيه، ليصبح أيقونة تظل فى الوجدان وتراثًا عالميًا فريدًا كتبت بحروف من الذهب.
المصدر: اليوم السابع