تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
صلاح عيسى في ذكرى وفاته.. محطات صحفية وأدبية لامعة

"تحولت ريا وسكينة منذ القبض عليهما عام 1921 إلى أسطورة في الخيال الشعبي والجمعي للمصريين، وكنموذج مُخيف ومُرعب للشر المجرد، ولم يحاول أي من المؤرخين أو علماء الاجتماع طوال كل هذه الأعوام تقصي حقيقة هذه الجرائم، أو دراسة الداوفع وراء ارتكابها"، حتى قدّم لنا الكاتب الكبير صلاح عيسى هذه السيرة الاجتماعية السياسية غير المسبوقة، وأن يسرد وقائع القضية بشكل صحفى دقيق، من خلال التطلع والبحث في الدفاتر القديمة، وتناول الحدث بواقعية ودون إضافة الطابع الكوميدي أو التراجيدي أو الدرامي، والذي تمر اليوم ذكرى وفاته، حيث توفى في 25 ديسمبر عام 2017.

 

كان صلاح عيسى كاتباً وصحافياً وأديباً مؤرّخاً منفتحاً على كل التيارات الفكرية الليبرالية والإسلامية، وأثرى الثقافة العربية بعدد من المؤلفات والإسهامات الثرية، ليقدم مسيرة من العطاء الصحفي والأدبي المتميز والفريد من نوعه، فهو يعد من أهم مثقفي مصر، وكان قد بدأ مسيرته بكتابة القصة القصيرة وانتقل بعدها للكتابة في مجال التاريخ والسياسة والمجتمع، وتفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية.

 

♦ البدايات والنشأة
ولد الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى في قرية بشلا التابعة لمحافظة الدقهلية في مصر، وهو من مواليد 4- أكتوبر – 1939، عاش صلاح في مصر ودرس في مدارسها وحصل على بكالوريوس في الخدمات الاجتماعية، وعلى مدار خمسة أعوام كان رئيساً لعدد من الوحدات الاجتماعية في الريف المصري.

شارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها "الكتاب"، و"الثقافة الوطنية"، و"الأهالي"، و"اليسار"، و"الصحفيون"، وترأس في وقت لاحق تحرير جريدة "القاهرة" الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية، كما كان صلاح عيسى وكيلا لنقابة الصحفيين وعضوا بمجلس إدارتها في التسعينيات من القرن العشرين. وشغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة.

وقد كتب عبد الله السناوي عن صلاح عيسى ودوره في جريدة الأهالي: «كانت جريدة الأهالى، التي تحمّل مسؤوليتها التحريرية لسبع سنوات بعد اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1981، أكثر الصحف المصرية نفوذا وتأثيرا واحتراما، وكان نجمها الأول بلا منازع. وفى عهد مبارك وجدت (الأهالى) في نفسها الشجاعة الكافية لتحمل مسؤولية توسيع هامش المعارضة إلى حدود غير معتادة. وحظيت بثقة الرأى العام ووصل توزيعها إلى ما يتجاوز الـ(١٥٠) ألف نسخة».

♦ مسيرته الأدبية
أصدر صلاح عيسى أول كتبه بعنوان "الثورة العرابية" عام 1979 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويعد الكتاب -وفقا لأحمد منصور- «محاولة لفهم وإنصاف هذه الظاهرة التاريخية "الثورة العرابية" من خلال المنهج الاشتراكى العلمى بعيدًا عما تعرضت له من أحكام قاسية واتهامات شديدة صدرت عن المنهجين الأخريين المدرسة الاستعمارية والمدرسة القومية».

كما يستعرض صلاح عيسى في كتابه "شخصيات لها العجب" (الصادر عن دار نهضة مصر سنة 2010) 50 شخصية من النخب السياسية والثقافية والفنية المصرية التي لعبت دورًا ملحوظا في الحياة العامة المصرية خلال النصف الثانى من القرن العشرين.

وفي كتابه "رجال ريا وسكينة"، استطاع صلاح عيسى أن يسرد وقائع قضية "ريا وسكينة" «بشكل صحفى دقيق من خلال التطلع والبحث في الدفاتر القديمة»، وتناول الحدث بواقعية ودون إضافة الطابع الكوميدي أو التراجيدي أو الدرامي كما تم في أعمال أخرى غطت القضية.

وفي كتابه التاريخي المكتوب بأسلوب صحفي "رجال مرج دابق"، والذي تم تشبيهه بكتاب المؤرّخ المصري المملوكي "ابن إياس" "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، اعتبر عيسى أن رجال مرج دابق هم «الخونة من رجال مماليك السلطان "قنصوة الغوري" الذين باعوه للسلطان العثماني "سليم الأول"، فكانت هزيمة المصريين والشوام، ثم رجال السلطان المملوكي الأخير "طومان باي"، الذي شنقه "سليم الأول"، تحت "باب زويلة" في القاهرة، ثم انتهى الأمر باحتلال عثماني مظلم دامٍ للمنطقة العربية حوالى أربعة قرون».

♦ مؤلفاته
صدر له أكثر من 20 كتاباً ومقالات عديدة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي والأدب منها: هوامش المقريزي، تباريج جريج، شاعر تكدير الأمن العام، المسألة التيوقراطية في المنظورين الطبقي والقومي، المستقبل العربي، مثقفون وعسكر: مراجعات وتجارب وشهادات عن حالة المثقفين في ظل حكم عبد الناصر والسادات، البرجوازية المصرية ولعبة الطرد خارج الحلبة، نزار قباني في مشجبة شعراء النكبة والألسطة، رجال مرج دابق (قصة الفتح العثماني لمصر والشام)، دار الفتي العربي، بيروت، 1983، بوابة الحلواني وكشف المبادين في الدراما، سلامي عليك يا زمان، البرنسيسة والأفندي.

♦ محطة الرحيل
توفي يوم الاثنين الموافق 25 ديسمبر 2017، وقد نعت مؤسسات الدولة ومعارضتها على حد سواء صلاح عيسى، إذ أشار كل من «المجلس الأعلى للإعلام» و«هيئة الاستعلامات» و«الهيئة الوطنية للصحافة» و«نقابة الصحافيين» إلى إسهاماته الوطنية التي أثرت في الحياة السياسية، حيث كان نقابياً مدافعاً عن حرية الصحافة.

 

 

 

 

المصدر: الشروق 

26 ديسمبر, 2021 05:02:45 مساء
0