تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
بيت الثقافة والفنون إبراهيم خليل العربية اللغة السامية الوحيدة الحية التي بقي ماضيها موصولاً بحاضرها

قال الدكتور إبراهيم خليل أستاذ اللغة والأدب في الأردنية في محاضرة ألقاها ببيت الثقافة والفنون بالتعاون مع مركز» تعلم واعلم» التي قدمه فيها د. أحمد ماضي مساء الأربعاء الماضي: إن العربية هي اللغة السامية الوحيدة الحية التي بقي ماضيها موصولا بحاضرها، فعلى الرغم مما شهدته من تغيير إلا أن المتكلمين بها اليوم يستطيعون قراءة الملفوظات والمدونات القديمة جدا دون أن يحتاجوا لترجمتها لعربية معاصرة شأن بعض اللغات الأخرى. وضرب مثلا من الإنجليزية فالمؤلفات القديمة فيها يعاد نشرها بلغتين متقابلتين إحداهما لغة تشوسر أو شكسبير مثلا والأخرى الإنجليزية المعاصرة. وعزا لنظامها الصرفي والاشتقاقي الفضل في تواصل حاضرها بماضيها؛ فالكلمات الجديدة والأدوات الجديدة تصاغ من الجذور دون أن تؤدي هذه الصياغة لانسلاخ الجديد عن القديم وانفصامه. وضرب أمثلة من الكلمات العامة المستخدمة في الحياة اليومية مثل قطار وسيارة وحاسوب وهاتف فهذه الكلمات مع أنها لم تكن في عربية العصور الخوالي إلا أن لها جميعا علاقة وثيقة بالجذر تحافظ على شعرة معاوية بين ماضي اللغة وحاضر المتكلمين بها في أيامنا هذه.

وعرض أمثلة من الشعر القديم والقرآن الكريم والأمثال والأقوال وهي ملفوظات يستطيع مستعمل العربية ذو المستوى التعليمي البسيط وحتى الأمي أن يفهمها دونما حاجة لشرح أو تفسير. ونبه على غنى العربية بالمترادفات والمشترك اللفظي ولهذا أثره الجم في سعة الهوامش التي تمكن المتكلم من اختيار الأنسب والأدق والأحسن، لا سيما لدى الناثر والشاعر الذي يسعى لجودة النغم ورشاقة الأسلوب مع قوة البيان. علاوة على أن العربية تتمتع بنظام شفاف على مستوى العدد ففيما تفتقر لغات لهذا، ففي العربية نجد فيها التثنية، التي تضطر لغة أخرى كالإنجليزية للتركيب الإضافي two books والفرنسية doux livres بدلا من كتابين. وفي العربية طرق كثيرة للجمع خلافا للغات أخرى فعلاوة على جمع المذكر السالم ثمة جمع بالألف والتاء وآخر يعرف بجمع التكسير وفيه نيف وعشرون صيغة سماعية وقياسية وهذه الوفرة تتيح للمتكلم اختيار الصيغة المناسبة والعدول عن أخرى أو أُخَرَ، حرصا على الملاءمة، وحسن الأسلوب، فلولا هذا التنوع لما تمكن الشاعر من نظم البيت الآتي:

قسما بمن رفع السماءَ بغير ما عمَدٍ تراه

وقد لفتنا بكلمة (عمَدٍ) جمع عمود التي تجمع أعمدة، وعمدان، وعواميد، لقوله تعالى (بغير عمَدٍ ترونها)وتوجد في العربية صيغ أخرى كاسم الجنس، واسم الجمع، وصيغ يستوي فيها المفرد والجمع، وأخرى يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع، فضلا عن التذكير والتأنيث.

اما قِصَر الجملة في العربية فشيءٌ معروف جدا، ولا يشكك في ذلك إلا جاحد معاند. ففي كلمة (ثقفتموهم) جملة تامة تتضمن فعلا وفاعلا ومفعولا به. وتطرق لنظام الحركات في العربية، وعدَّه نظاما أكثر شفافية من لغات أخرى. ففي الإنجليزية يلفظ الصائت الطولo في كلمة God فتحة طويلة كالألف العربية وفي كلمة no حركة طويلة خلفية ضيقة كالواو، وفي كلمة not حركة قصيرة متوسطة كالفتحة، وفي كلمة good تلفظ كالضمة القصيرة في العربية وإذا ضعفت في مثل moon تلفظ كالواو في (هود) بمعنى أن لها خمسة أشكال نطقية وهذا كثيرٌ يضفي على نظام الحركات صعوبات كبيرة. تضاف لذلك أن العربية لا تستخدم الأفعال المساعدة شرطا لسلامة الأداء النحوي.

وقال د. خليل إن مستعمل العربية يستطيع استخدام البنية الفعلية للجملة متى شاء بلا قيد ولا شرط، مثلما يستطيع تركيب الجملة الاسمية بلا قيد وبلا شروط، في حين أن لغات أخرى لا تبيح لمستعمليها مثل هذا الهامش المتسع للاختيار، فلا يمكن مثلا البدء بالفعل إلا في شروط معينة كالنفي، أو الاستفهام، او الطلب. ونحن إذ نذكر هذه المزايا للعربية لا ننكر أنها واجهت، وتواجه، مشكلات مستعصية كالنظام الكتابي الذي لا يخلو من ثغراتٍ إجرائية، ونحوها التعليمي، الذي يُضْجر الدارس والمدرس، والتباين اللهجي، مؤكدا إخفاق الكثير من المؤتمرات التي عُقدت بهدف البحث عن الحلول لهذه الإشكالات؛ فاعتياد الأشياء ليس من اليسير التخلي عنه.

 

 

 

 

المصدر: الدستور 

06 يناير, 2022 01:43:43 مساء
0