تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
جمال مطر المسرح له فضل عليّ في تكثيف شخصيات «ربيع الغابة»

تلعب الحيوانات دور البطولة في رواية الكاتب والمسرحي الإماراتي جمال مطر «ربيع الغابة»، حيث يطرح المؤلف على ألسنتها أسئلة إنسانية شائكة حول الحب والتملك والانتهازية، وسط فضاء سردي رحب تمثله الغابة. الرواية صدرت حديثاً عن دار العين للنشر بالقاهرة، واختيرت ضمن روايات القائمة الطويلة لجائزة «الشيخ زايد» للكتاب لهذا العام. وتتسم تجربة جمال مطر بالتنوع؛ فكانت البداية مع المجموعة الشعرية «نحب الملح أكثر» عام 2002. و«جميلة» التي تضم عدداً من النصوص المسرحية، ورواية «الكلب» عام 2017. علاوة على ممارسته التمثيل والإخراج المسرحي في عدد من الأعمال... هنا حوار معه حول روايته الجديدة، وتجربته الكتابية المتنوعة

> أوّد في البداية التعرف على تجربتك مع «ربيع الغابة»... كيف ولدت فكرة الرواية التي تلعب فيها الحيوانات الأدوار الرئيسية؟


- الرواية عبارة عن «نكتة» سمعتها قبل 15 سنة تقريباً، بين فأر مُتمرد وأسد حكيم، لكن سياق النكتة تغير عندي، وتطور حتى أصبحت أفكر فيها كمشروع فيلم للرسوم المتحركة، وبالفعل اتصلت بأكثر من مخرج لبحث كيف يمكن أن تتحول إلى فيلم لكننا توقفنا أمام التكاليف. وبدأت الحكاية تنمو عندي وتتطور، وباتت على مدار سنوات مادة للعصف الذهني بيني وبين صديقي الفنان ناجي الحاي، الذي أهديت له الرواية، وهو من شجعني وأشار لي بأنني الأجدر بحكاياتها. وبالفعل بدأت في كتابتها مطلع هذا العام في ذروة «كورونا»، وانتهيت منها في شهر يوليو (تموز) تقريباً بما يعادل عمل خمسة أشهر، بعد أن فكرت فيها على مدار 15 سنة، وقمت بمراجعتها في شهرين بعد الانتهاء من الكتابة.


> تستدعي الرواية تراثاً أدبياً يستلهم عالم الحيوان، إلى أي مدى كان هذا تحدياً بالنسبة لك، خاصة رسم معالم شخصية للحيوانات؟


- أي كتابة صافية هي تحدٍ في حد ذاتها. النص كُتب بأسلوب رمزي على لسان الحيوان، لكنه يُقرأ على لسان الإنسان أيضاً، والربط بين الإنسان والحيوان ليس غريباً، والتراث العربي والشرقي ملئ بتلك الحكايات، لكن لعبة الرواية نفسها هنا تجاوزت حكايات الصغار والبراءة التي تعودنا عليها في قصص الأطفال، فالرواية كُتبت على لسان الحيوان لكنها تُعبر عن كثير من الأحداث الآن، وربما في المستقبل، والحكايات التراثية كونها مُتفوقة كقيمة إلا أننا لا نتوقف عندها، بل نسعى لصنع حكايتنا نحن، أبناء الحاضر والمستقبل.


 هل تأثرت الرواية بـ«كليلة ودمنة» أو غيرها من تلك الأعمال؟


- قد أكون كتبت الرواية بروح «كليلة ودمنة»، إلا أن الرواية تختلف عنها في البناء والمعمار الروائي، بكل ما تحمله من تأويلات وتداعيات، فـ«كليلة ودمنة» هي قصص قصيرة مليئة بالحكايا المثيرة الجميلة، والحكمة والبيان، لكنها لا تخلُص لحكاية طويلة.


 في الرواية حكائيات سردية لا تخلو من شعرية، أغلبها على لسان البطل الفأر، حتى باتت الشعرية والبلاغة وكأنها سلاح هذا البطل الذي يشعر بالضآلة منذ اللحظة الأولى... حدثنا عن هذا الارتباط.


- كل السرد والشعر والحكمة تخدم شخصية «الفأر»، فهو يظهر كخطيب مُفوّه يسبق لسانه فكره، وسلاحه اللغة والبيان، يتحدث عن عذاباته مع حبيبته ومع الآخرين، فحُجته قوية ولسانه فصيح، ففي أول سطر من الرواية كان يقول عندما أردتَ أن تقفز، وأنت صغير اكتشفت أن القفز ليس طيراناً بل هو شهقة روحك للحياة، وحين تقفز من الفرح فأنت لا تُسابق أحداً، تتجاوز ثم تسبق. ربما يحمل هذا السطر الأول في الرواية ما يقول الكثير عن شخصية الفأر.


 الجمال والقبح، التقبل، من ثيمات الرواية الرئيسية، إلى أي مدى يمكن أن تُحرر الرمزية الكاتب؟


- الرمزية تُحرر الكثير من المعاني، والرواية في حد ذاتها تدعو للتحرر ولكن ليس على طريقة الفأر، فالأسئلة الأزلية في الحياة تُعاد وتتكرر إلى ما لا نهاية، ويظل السؤال ذاته تخرج من إجابته أسئلة أخرى.


 هل شعرت خلال الكتابة بتسلل خلفيتك المسرحية إليها، حيث بدت الرواية في بعض مشاهدها كأنها تدور على خشبة مسرح على امتداد غابة؟


- صحيح هي تدور على خشبة المسرح، ولكن المخرج ينظر للأبطال من فوق، ويبدأ رسم الحركة والشخصيات، لا أنسى فضل المسرح علي وأنه ساهم في تكثيف الشخصيات، وتكثيف الوقت وأعطاني القدرة على المشاهدة والرؤية العميقة.


 كيف ترى الذهاب لتأويل الرواية بتفسيرات وانطباعات سياسية، بداية من استخدام كلمة «ربيع»، وصولاً لدراما الحُكم والسلطة؟


- كل التأويلات بالنسبة لي هي تأويلات محمودة، سواء بإخلاصها للحكاية، وعدم تحميلها حكايات أخرى، أو بالتفسيرات السياسية والاجتماعية، وأي عمل جوهره هو أن يُثير الأسئلة، وهي ظاهرة صحية ومطلوبة، ولذلك فنهاية الرواية كانت مفتوحة لكل التأويلات، لذلك فالتأويلات مفتوحة على الباب الواسع.


> كتبت الشعر والعمل المسرحي... لماذا اللجوء للرواية؟


- الرواية بنت الحاضر، وتتقدم خطوات للأمام بعكس المسرح والشعر، فبغياب الرموز تراجع الشعر والمسرح، فالشعر هو ذروة اللغة، والمسرح أبو الفنون، الفرصة ربما سانحة أكبر للرواية أن تتقدم أكثر لأنها أصبحت تعبر أكثر عنا، ربما تشبعنا من الشعر إلا ما تبقى من الثمين فيه، ولن نشبع أبداً منه، لجأنا للحكاية والسرد لبحث القارئ الدائم عن حكاية تعبر عن نفسه.


 لك تجربة سردية خاصة مع أبي الطيب المتنبي في «رب واحد يكفي»، حدثنا عن تلك الرحلة، ولماذا اخترته هو تحديداً؟


- أبو الطيب المتنبي سيد الشعراء، وأيقونته العالمية، وتحفة العرب، أعاد هيبة اللغة وأمّدنا بحكم وأشعار، سبق عصره دون شك بمراحل، وعلاقتي به من سنوات الدراسة الإعدادية، أقرأ وأحفظ شعره، وكان من الأولى أن أكتب عنه، فكتبت عن علاقتي به، وكان يثير إعجابي بلفظه ومعناه. كتبت «رب واحد يكفي» كاحتفال بشاعر العربية الأكبر، ربما أعطي هنا مثالاً، فشكسبير المقدس عند الإنجليز قال «يموت الجبان مائة مرة، أما الشجاع فيموت مرة واحدة»، أما المتنبي عندما عبّر عن ذات المعنى فقال «وإذا ما خلا الجبان بأرض... طلب الطعن وحده والنزالا» يمكن هنا التوقف عند مدى بلاغته، مات المتنبي لكن شعره لم يمت.


 ذكرت في حوار سابق أن المسرحي يجب أن يكون مغامراً، كيف ترى المسرح في العالم العربي اليوم، بعين المخرج والممثل والكاتب؟


- نعم بالطبع، الفنان بشكل عام يجب أن يكون مغامراً والمسرحي بشكل خاص، فلا يجب أن يأبه بفُتات الخبرات والمشاهدات التي اكتسبها، وأن يظل دءوباً في عمله لا يكل منه ولا يمل، يبحث عن فكرة جديدة مدهشة، لافتة، واثقاً أنه يبحث عن الثمين، فحال المسرح صعب فعلاً، وعلاج ذلك صعب، خاصة وقد تداخلت الأورام والأوهام والغيبوبة فيه، وما عاد يبحث عن المدهش والجديد، ولم يعد هناك رجال مسرح حقيقيون، يبحثون عن مسرح جاد، ولا أعني بالجدية هنا الكآبة، فعلى العكس أتحدث عن مسرح حقيقي يكون للناس وليس للمهرجانات والنخبة، مسرح للمتفرجين وليس للجان التحكيم، مسرح يعبر عن هموم المجتمعات وليس عن هموم أفراد، مسرح همه ليس الحصول على جائزة أو التصفيق المُستعار، فهؤلاء لا يُعوّل عليهم، ولن ينهض مسرح في أي بلد إذا كان القائمون عليه يبحثون عن أمجاد شخصية، وينسون أن المسرح هو حكاية وجمهور، ممثل ومُتفرج، فللأسف نحن بحاجة فقط لرجال مسرح لا أكثر.

 

 

 

 

 

المصدر: الشرق الأوسط

09 يناير, 2022 02:43:25 مساء
0