تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
القارئ العاطفي والقارئ المتحرِّك

رياض قاسم العلي - 
يطلب بعض الادباء من القارئ أن يقرأ نصه بتجرد من العاطفة وان يعمل على النظر الى النص بفهم «لازمكانية القناعة المحدودة» بحسب تعبير احد الاصدقاء الشعراء.. وبصراحة لم استطيع الوصول الى مفهوم واضح لهذا المصطلح، كأن العاطفة تهمة وجريمة ينبغي ان يتجنبها الانسان كي يقال عنه موضوعي، فالعاطفة ليست نقيضاً للموضوعية، بل في اغلب الاحيان تكون العاطفة رديفاً للموضوعية وفي احيان اخرى تكون افضل من الموضوعية الجامدة وهنا اتحدث عن تقبل العمل وليس الحكم عليه.

واستغرب من بعض الادباء وهو يقلل من شأن وقيمة القارئ العاطفي او الاعتيادي الذي يتلقى النص في لحظة شعورية معينة ويكتفي بأن يقول لنفسه حين يعجبه «الله» او يكتبها حينما يقرأ نصاً نشر في الفيسبوك.

واعتقد ان الاديب عليه أن يكون محظوظاً وسعيداً بهذا القارئ العاطفي لأن هذا القارئ لا يملك في القراءة الاولى والوحيدة في اغلب الاحيان ان يكتشف العيوب التي لا يخلو اي عمل ادبي منها الا تلك الاعمال التي تكتب بحرفية عالية وبتأن وتحضى بمراجعات كثيرة سواء من الكاتب نفسه او آخرين، سواء كانوا اصدقاء للكاتب او مختصين او لجنة تابعة لدار النشر.

إعادة القراءة

واعتقد ان زمن تكرار قراءة النص الادبي الواحد لم يعد لها وجوداً حالياً بسبب المشاغل الكثيرة وكثرة الاعمال التي تخرجها دور النشر ولانعدام النصوص الكبيرة التي تجبر القارئ على اعادة القراءة كما فعلنا مع اعمال تولستوي ونجيب محفوظ وشتاينبك وكافكا وغيرهم.

القارئ العاطفي هو القارئ الذي يشتري الكتاب الادبي مدفوعاً بأسباب كثيرة، منها اسم الكاتب او شكل الغلاف او تلك المختصرات او المقتطفات التي يعمد الناشر وضعها في الغلاف الاخير او لرغبة منه في قتل وقت الفراغ بقراءة رواية او مجموعة قصصية او ديوان شعر. وطبيعي ان هذا النص يكون خاضعاً لذائقة هذا القارئ، فمنهم من لا يعجبه ومنهم من يعيش اجواء النص بشغف وقد اتاحت لنا وسائل التواصل الاجتماعي لعدد كبير من القراء كي ينشرون آراءهم الانطباعية، وعلى ذكر الانطباعية اتذكر ان محرر احد الصحف الثقافية، رفض ان ينشر مقال لي لأني صدرت العنوان بـ«قراءة انطباعية» فكان رده بأن صحيفته الرفيعة لا تنشر قراءات انطباعية دون ان يكلف نفسه بقراءة ما كتبت.

القراءة الانطباعية

وتلك الآراء الانطباعية ليست بالضرورة أن تكون منهجية، بل يكفي ان يقول القارئ ان النص لم يعجبه او العكس، ولا يملك الكاتب اي حق في منع القارئ من التعبير عن رأيه «العاطفي» في النص، لأن هذا النص اصدره الكاتب كي يكون في متناول القارئ، والا لما اتفق مع دار نشر لطبعه ولما وزعت دار النشر هذا الكتاب على المكتبات، والكاتب الذي يتعالى على ذائقة القارئ، عليه ان يكتفي بكتابة النص والاحتفاظ به في اقرب خزنة او درج او يأخذ كل النسخ ويوزعها على مريديه واصدقائه وجوقة النقاد الذين سيكتبون عنه مقالات نقدية لا يقرأها احد.

بينما القارئ المتحرك الذي يقرأ النص ليس بعاطفة فقط، بل بوعي يكون مبالغاً به احياناً، وهذه المبالغة تفقد متعة القراءة وبهجة الاستقبال والتلقي، لأن قراءته تكون مسلحة بخلفيات معرفية تتعلق بتقنيات كتابة النص او نظريات السرد، والمناهج النقدية تجعل من القراءة تتعدى العاطفة الى البحث في مغالق النص وتفكيكه واكتشاف تناقضاته وتعارضاته وايضاً مواطن القوة والضعف والخلل والجمال والاخطاء في الخط الزمني او ازدواجية حوار الشخصيات، ولديه فوق ذلك تراكم في القراءات التي تتيح له عقد مقارنات بين مختلف النصوص لمعرفة التناصات والمرجعيات الفكرية التي كتب النص تحت تأثيرها، طبعا حديثي لا يتوجه الى الناقد، بل الى القارئ.

هذه المعمعة الكبيرة لا علاقة للقارئ العاطفي بها، وعلى الكاتب ان يبحث عن هذا القارئ وأن يكون الكاتب عارفاً بالطريقة التي يستميله بها اليه، لكن ليس على حساب النوعية.

واذا كانت عبارة «الزبون دائماً على حق»، هي سبب نجاح المشاريع الاقتصادية والخدمية، حتى انه يوجد تخصص علمي يخص علم نفس المستهلك، لذا فإنه ليس من الخطأ ان نقول ان القارئ دائما على حق ولا يحق لأي كاتب ان يسلب هذا الحق من القارئ، ولأي سبب كان، ولا يمكن لهذا الكاتب ان يتعالى على القارئ لأن هذا الاخير هو الذي يذهب بكل كرم لشراء منتج الكاتب الابداعي، فعلى الكاتب ان يكون مستمعاً جيداً لقارئه مثلما كان القارئ كريماً جداً بقراءته لنص الكاتب.

 

 

 

 

المصدر: القبس الثقافي

25 يناير, 2022 02:22:02 مساء
0