مجمع "شاه- ي زندا": التزيين، بصفته "مفهوما" معماريا
تعد الآثار الاسلامية، المعروفة باسم "شاه-ي زندا"، المشيدة ضمن رقعة جغرافية محددة، عند سفح جنوب خرائب "افراسياب" الواقعة شمال شرق مدينة سمرقند الحالية؛ من المعالم الهامة في منتج عمارة بلاد ما وراء النهر؛ هي التى عبرت بمقاربة عمارتها المميزة، وبطرز تزييناتها الساطعة، وبزهاء الوانها المختلفة عن نجاحات ملموسة في حقلي العمارة والفنون الزخرفية في بلاد ما وراء النهر. ويعتبر هذا المجمع، من المواقع المعمارية المهمة والمعروفة، على نطاق واسع، ليس فقط في سمرقند وحدها، وانما في عموم بلاد ما وراء النهر. ويعود تاريخ البناء في "شاه- ي زندا"، ابان الحقبة الاسلامية، الى القرنين الحادي عشر والثاني عشر، حيث بدأت تظهر اضرحة ومزارات حول ضريح "قثم بن العباس بن عبد المطلب" (القرن الحادي عشر) الذي دفن في تلك الارض. و"قثم" (ومعنى الاسم، وفقاً الى المعجم الوسيط، <المعطاء>، وفي "لسان العرب"، يقال للرجل كثير العطاء مانح ، قثم)، هو ابن عم الرسول محمد (ص)؛ وقد الف المخيال الشعبي المحلي حكايا وروايات عديدة عنه. وتعد الحكاية المروية، (التى ساذكرها)، من اكثر الروايات شهرة واتساعا في الاوساط المحلية هناك. وتزعم تلك الرواية ان "قثم بن العباس"، جاء الى سمرقند في سنة 676 م، مع مجموعة من المؤمنين لنشر الاسلام. وخاض معارك عديدة ضد الكفار. وفي احداها، تمكن احد الكفار من قطع رأس "قثم" بسيفه. لكن "قثماً"، و<يا للمفاجأة!>، ـ لم يمت! (بحسب الرواية المتداولة)، وانما رفع رأسه المقطوع بيديه وسار ناحية جب (بثر)، ونزل فيه، واختفي به، ويقال بانه استدّل على ممر خاص بالبئر (وليس من دون عون من "الخضر" المدفون بالقرب من هذا المكان)، اوصله الى "فردوس" تحت الارض، وهو لايزال، هناك، "حياً يرزق!". (ومن هنا، جاءت تسمية المجمع بـ "شاه- ي زندا"، وتعني "الملك الحيّ"! واياً يكن، فقد ترسخت تلك الرواية في الذاكرة الجمعية المحلية، وترسخت معها شهرة "قثم بن العباس" ورفعت منزلته لدي الناس الى مقام "الاولياء الصالحين". واعتبر الدفن بجواره من الامور المستحبة، بحيث ظهر مجمع مهم من المزارات والاضرحه تعود الى افراد الاسر الحاكمة ورجال الدين المهمين، حول ضريحه، ابتداءاً من القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر،. لكن الغزو المغولي لبلاد ما وراء النهر، في القرن .الثالث عشر(1220)، كان وبالا على مجمع "شاه- ي زندا"، (مثلما كان وبالا على غالبية الاثار المعمارية والتاريخية في جميع مدن وقصبات بلاد ما وراء النهر).اذ خرب المغول تلك المزارات وهدموها جميعا، وسويت معالمها بالارض. (ويقال في مصدر آخر، بانهم وهم الموسوسون بالخرافة، لم يجرؤوا على هدم ضريح "قثم بن العباس"ـ وتركوه قائما. بيد ان الامر الاكيد هو انه لم يشيد شيئا يذكر في تلك الضاحية ، منذ ذلك الوقت ولحين بدء عصر تيمور بالظهور ومن بعده خلفائه التيموريين (منتصف القرن الرابع عشرالى نهاية القرن الخامس عشر). كما لم يشهد مجمع "شاه- ي زندا"، اي نشاط معماري او بنائي يذكر عندما تقلد الشيبانيون الحكم بعد التيموريين.
يشغل مجمع "شاه- ي زندا"، مساحة من سفح منحدر تقدر ابعادها بـ 40× 200 مترا. ومفردات هذا المجمع المعماري، موقعة على جانبي محوره التخطيطي الاساسي (وهو بمثابة طريق/ ممر ضيق، لا يتجاوز عرضه عن 2 -3 امتار) انها عبارة عن مبانٍ للمزارات واضرحة ومساجد ومنشآءات خدمية عديدة اخرى. وقد أولى المعماريون والاسطوات الحرفيون أهمية إستثنائية لمباني الاضرحة في هذا المجمع، تجلت في اختيار قرارات تكوينية عاليةالاجتهاد، مع توظيف خلاق لأشكال تزيينية باذخة، واستخدام مواد واساليب زخرفية متنوعة، بالاضافة الى مراعاة توقيعها في المخطط العام للمجمع، بحيث يضمن رؤيتها والتمعن فيها عن كثب.. ويمكن القول، بموضوعية ، من ان المجترح الابداعي في "شاه- ي زندا"، يرتقي ليكون "متحفاً للعمارة والفنون في الهواء الطلق" وتبيان المستوى الرفيع لهما ابان تلك الفترة. من هنا تكمن اهمية الفعالية المجترحة، ومن هنا قيمتها التاريخية، والاهم تأثيرها اللاحق على المسار الابداعي لعمارة ما وراء النهر، وما يمكن ان يكون حافزاً وباعثاً لتأويلات اسلوبية عديدة ستضاف، لاحقاً، الى منتج العمارة الاسلامية عموماً.
ترنقي الفعالية التزيينية في مباني مجمع "شاه- ي زندا"، باهميتها الفنية وتأثيراتها الجمالية، الى مستوى قيمة الحلول التكوينية – الفضائية لعمارة تلك المباني. وقلما نشاهد في الممارسة المعمارية العالمية، مثل هذا التكافئ النوعي، والتماثل القيمي بين الفعل المعماري من جهة، وإجراءات الفعالية الزخرفية من جهة آخرى؛ كما تظهره نماذج عمارة مباني "شاه- ي زندا"؛ التى ارتقت بتزييناتها لتكون "مفهوماً" معمارياً خاصاً.
يشتمل مجمع "شاه- ي زندا" على مجموعتين من المباني ذات الوظائف والاغراض المتعددة. احدى هاتين المجموعتين تتضمن مبانِ مهمة، لجهة عمارتها المميزة ولاسلوب زخرفتها الغنية، ولقيمتها التارخية، اما المجموعة الآخرى، فهي تشمل اطلال لمبانٍ لاتزال في مرحلة التنقيب والبحث الاثاري، وهي غير مكتملة التشييد والتزين وتظهر في بعضها مخططات اسسهاـ التى ترتفع قليلاً عن منسوب الارض التى بُنيت فيها. وغالبية مباني مجمع "شاه- ي زندا"، موثقة ومعروفة بشكل وبآخر لدى المختصيين، سواء كانت ابنية في طور التنقيب والدراسة، ام تلك التى في كامل هيئتها وزخرفتها.
ينقسم شريط مجمع مباني "شاه- ي زندا" الى ثلاثة اجزاء، في كل جزء منها، هناك "سقيفة" (او <جرداغ>، كما تسمى في الاوزبكية)، تحدد "جغرافية" كل جزء من الاجزاء الثلاث. وتتجمع غالبية مباني المجمع في مجموعات عند هذه الاجزاء الثلاث: وهي المجموعة الاولى، والمجموعة الوسطى ومجموعة الجزء الاخير. (*)
* (من دراسة موسعة في عمارة بلاد ما وراء النهر. والصور المنشورة هنا،هي من مجموعة صور عديدة، التقطها كاتب المقال، خصيصاً لتلك الدراسة).