Skip to main content
خالد كاكي... التطويع الفني للحروف الابجدية

الفن التشكيلي المعاصر يعكس الكثير من هموم الإنسان وقد كان للبيئة الثقافية تاثيرا مباشر على مجمل الحركة الفنية في معظم ثقافات شعوب المعمورة. ليس غريبا ان يتجه الفنان الى بيئته ليجد رموزا ثقافية ليطوعها في العمل الفني. الفن العراقي المعاصر شاهد العديد من النماذج الفنية التي استخدمت فيها الحرف الابجدي بجمالية عالية اذا نرى ذلك جليا في اعمال مجموعة( البعد الواحد) وخاصة اعمال شاكرحسن آل سعيد التصوفية.

يقول الدكتور ماضي حسن نعمة في تعريفة للبعد الواحد انه البعد الذي يبدا بمرحلة ما بعد النقطة، حين تتراصف بجنبها نقاط متتالية،لتشكل خطا مستقيما افقيا.لذا نرى ان الفينيقيين حين اخترعوا الاحرف الاتينية المعمول به في الكتابة اليوم في اللغات الغربية نراهم قد استخدمو شكل الانسان للدلالة على الحرف الاول اي الف A.

تطويع الحرف وتكوينها كي تصبح قطعة فنية استخدمت في معظم الحضارات القديمة فابدع الخطاطون والنحاتون في ايصال الكلمة الى الاجيال القادمة وكان الفنان في حضارات العراق القديم ومصر نحاتا ماهرو بارعا في ايصال الكلمة فنيا في رليف الملوك والفراعنة وفي المعابد وانتقل ربما لاحقا الى الحضارات الاخرى كالاغريقية و الرومانية.

خالد كاكي يحمل معه ثقافة تعددية وذو موهبة تعددية خاض مجالات كثيرة وابدع في الادب والفن والرسم والموسيقى. رغم دراسته للادب الاسباني في بغداد واقامتة في اسبانيا لم يترك يوما هوى عشقه الابدي لمكان مولده واعني مدينته كركوك مدينة النار و النور.

في لقائي معه سالته عن استخدم الحروف الأبجدية في الفن التشكيلي في معظم الدول الاسلامية واستخدمت الزخرفة بديلا عن رسم الأحياء واستبدلت بالنباتات وأحيانا بالحيوانات كيف طوعت هذا الارث في اعمالك الفنية؟

اجابني مبتسما مشواري مع فن الرسم بدأ منذ عمر مبكرة جداً، حتى قبل دخول المدرسة الإبتدائية، ولعل التأثير الأكبر والداعم الأهم في تلك المرحلة وحتى عمر أثنتي عشرة سنة، يعود إلى شقيقي التشكيلي والخطاط خليل كاكه ئي الذي كان يعلّمني ويشرف على تربيتي الفنية، ويطلب مني أن أجلس وأشاهده كيف يرسم، لأتعلم وأصبح رساماً بدوري. وأذكر تماماً أنني في أول أيام الدراسة وبعمر ست سنوات، عندما طلب منّا المعلم أن نكرر كتابة الحروف كتمرين يومي، كنت أقلّد كتابات أخي في خط الثلث تحديداً وأحاول كتابة الدار والدور بطريقة جلبت أنتباه المعلم. وهكذا، فقد كان الحرف، جنباً إلى جنب مع الألوان في الرسوم، عالماً مدهشاً بالنسبة لي، ومحاولة دائمة لأقول لزملائي التلاميذ: أنا مختلف عنكم، أنا فنان. تلك كانت البدايات بالطبع، لكن في الحقيقة، كل شيء كامن هناك، ولعل كل شيء تقريباً مكتمل منذ تلك المرحلة المبكرة، وما سنفعله أو نحاول تحقيقه خلال العقود القادمة، ما هو إلا ترجمة لأحلام تلك المرحلة.

لا أعتبر نفسي خطاطاً، مع أنني قدمت خلال معرضي الشخصي الأول في مدريد عام 1998 وعلى قاعة المركز الثقافي الإسلامي أكثر من ستين عملاً في انواع الخط، لكن لدي إلمام كبير بالحرف وتشكيلاته وبروح الخط العربي، وخاصة الثلث المركّب. في المحصلة، وبعد تجارب عديدة في الفن الحروفي، ونعني بذلك أستخدام الحرف في فن الرسم، توصلت إلى نتائج ممتازة من خلال توظيف الحرف في الطباعة (الغرافيك) وقد أنجزت سلسلة من الأعمال عام 2007، وصولاً إلى النحت الحروفي، وبصراحة هو أكثر ما يهمني في الوقت الحاضر. أنجزت بين الأعوام 2010 و 2015 أكثر من نموذج نحتي حروفي، أستطيع أن أقول بكل تواضع، لم يسبقني أحد إليه لا من النحاتين ولا من الخطاطين بتلك الصيغة، مع أن البعض حاول تقليدها دون جدوى. وهي ليست مفاخرة، قدر ماهي معرفة بطبيعة الأعمال المقدمة في كل البلدان العربية والإسلامية. فكرتي الأساسية هي تقديم تلك النماذج المصغرة، بحجم أكبر بكثير وتنفذ بالبرونز أو الألومنيوم مثلاً لتنصب في الساحات والحدائق. المشكلة الأساسية كما تعلم هي البحث عن مموّل لمشاريع بهذا الحجم.

تسائلت قائلا:

ـ خالد، انت من الفنانين القلائل الموهوبين في العديد من المجالات الفنية كيف تمكنت من تقسيم وقتك بينها؟

التعدد في الإهتمامات مشكلة حقيقة، ومتعة كبيرة في نفس الوقت. عصرنا الحالي عصر التخصص، أعرف ذلك تماماً، لكن لم يكن لدي خيار آخر أبداً، فكله عشق وتعبير عما نحمل في دواخلنا. التحدي كان كبيراً دائماً لتقسيم الوقت بين كتابة الشعر والقصة والرسم والخط والموسيقى، وقبل كل شي، الحياة ومسألة البحث عن مصدر رزق. حاولت خلال أكثر من عشرين عاماً من إقامتي في أوربا أن أعيش من الرسم والموسيقى والكتابة أو من واحد منها، وأجعلها مصدراً للمال أيضاً، لكنني لم أجد أبداً حلاً مناسباً. أن تكون ماتريد، مسألة حياة أو موت أحياناً، لكنني لازلت على قيد الحلم وسأبقى أتابع مشروعي الأساسي في الحياة: الكتابة والرسم والموسيقى، مع أنني بصراحة، وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ولسبب شخصي، لم أرسم إطلاقاً. ركزت كثيراً على الكتابة بدرجة أساسية، ثم الموسيقى بدرجة أقل. لكني أفترض أنها مرحلة مؤقتة.

خالد كاكي اسم معروف هنا ولكن لا نجد انعكاساته على الساحة الكوردستانية هل هو عزوف ام ان هناك أسباب اخرى؟

بصراحة لا أعرف، أنا لا أجيد الترويج عن نفسي، وبسبب تواجدنا في أوربا، أعتقد أن مؤسسات الداخل سواء في مدن

كردستان أو بقية مدن العراق عموماً، يعتبروننا مغتربين، مع أننا متعلقون بشدة ببلدنا وثقافتنا ونريد تقديم الكثير في مجالات تخصصنا. لربما التقصير مني شخصياً، مع أنني في كل مرة يراسلني أي شخص من الداخل، أزوده بكل المعلومات وأعلن عن رغبتي في تقديم شيء هناك. أتفهم تماماً ظروف البلد، لذلك لا أعتب على أحد. قدمت مشروعاً نحتياً ضخماً ومهماً جداً لمحافظ كركوك السابق والأسبق من قبله عام 2010، ولم يرد أي منهما على مشروعي حتى برسالة بريد ألكتروني واحدة ولو على سبيل المجاملة. مسألة مخيبة للآمال تماماً. مع أن المشروع كان يرمز ويدعم فكرة التعايش والسلام في كركوك.

مع هذا، سأنشر قريباً بعض أعمالي القصصية والشعرية مترجمة إلى اللغة الكردية كخطوة تعريفية أولى بكتاباتي، وإنا جاهز لتنفيذ عمل نحتي حروفي ضخم في أية مدينة من مدننا إذا تم توفير التمويل اللازم.

ترى ماذا يحمل المستقبل، وماهي مشاريعك المستقبلية؟

المستقبل بالنسبة لي هو الآن، لذلك أحاول كل يوم، أن أحقق جزءً من مشروعي الإبداعي في أكثر من مجال، مع أن تركيزي الحالي ينصبّ على الكتابة فحسب. لكن المهم هو المواصلة والإصرار، وكذلك وقبل كل شي تحقيق جزء من أحلام ذلك الطفل الذي كُنتُه.

ونحن نودع فناننا نتمنى له دوام الابداع وتحقيق الاماني.

29 May, 2018 10:55:26 AM
0

لمشاركة الخبر