كل شيء حولنا قابل للانهيار والانقراض... بلا مقاومة
بدأت المجتمعات مرحلة الانهيار عندما ارتفع عدد سكان الكرة الأرضيّة بمعدل غير مسبوق من مليار ونصف مليار في عام 1915 إلى 7.2 مليار في عام 2015، ولا يزال مستمرًا، ويشهد العالم انقراضًا للكائنات الحيوانية والنباتية على حد سواء.
في نهاية ستينات القرن الماضي شرحت الطبيبة النفسية إليزابيث كوبلر ردود فعل الإنسان عندما يتلقى نبأ وفاة شخص عزيز عليه، فيبدأ الأمر بعدم التصديق، حيث يقول سامع الخبر إنه تحدث مع ذلك الشخص صباح اليوم نفسه أو إنه التقاه قبل أسبوع، وكان في حال جيدة.
ثم تأتي المرحلة الثانية المتمثلة في شعور بالغضب، يصحبه تساؤل عن سبب حدوث ما يحدث، وبعدها تبدأ عملية المساومة مع الواقع، ومحاولة المراوغة، ثم تبدأ مرحلة تعاسة وحزن شديدين، فتأتي المرحلة الأخيرة، وهي التقبل الكامل والرضوخ للأمر الواقع.
من جهة أخرى يتوقف الشخص المصاب بكآبة شديدة عن تقبل الحياة وتغييراتها، ولا يجد في نفسه طاقة كافية للتكيّف والاستمرار أو للتطور. وعادة ما ينجم ذلك من اصطدام الأحلام بالواقع المر الحقيقي.
جموع لا أفراد
هذان المثالان يشرحان بشكل مختصر الفكرة التي يحاول الكاتب جوليان ووزينيتزا إيصالها في كتاب يحمل عنوان "لهذه الأسباب سينهار كل شيء"، لكنه يستخدمها لشرح حال شعوب ومجتمعات كاملة أو بالأحرى لشرح حال سكان الكرة الأرضيّة الذين يتابعون احتضار مجتمعاتهم وأنماط حياتهم، ولكنهم يجدون أنفسهم في حالة جمود وعدم قدرة على التغيير، بل وربما يكونون أيضًا في حالة تغييب وقلة إدراك، قد تستمر عقودًا، وربما حتى قرونًا، حسب رأيه. ثم يصل الكاتب إلى حد التساؤل عمّا إذا كانت الحضارات السابقة لزمننا قد قامت وسقطت من دون إدراك لما يجري حولها.
عجز ونهاية
يرى الكاتب أن حالة العجز التي تعيش فيها جموع الكرة الأرضيّة ناجمة من دفق المعلومات المستمر الحامل لمعلومات متناقضة في كثير من الأحيان تسيطر عليها الإعلانات الداعية إلى استهلاك هذا المنتج أو ذاك أو أخبار تركز على قضايا صغيرة وجانبية جدًا هدفها صرف أنظار الجموع عن الواقع الحقيقي.
يعتقد ووزنيتزا أن أسلوب حياتنا الحالي لا بد أن يصل إلى نهايته الحتمية، ليس في غضون مائة عام، كما يظن بعض المتخصصين، بل في غضون عقد واحد، وربما في عام 2030، كما تشير إلى ذلك دراسات علمية استند إليها الكاتب، ومنها كتاب "حدود النمو" المعروف باسم تقرير ميدوس الصادر في عام 1972، والذي يرى أن الاتجاهات الحالية العالية للنمو السكاني وتناقص إنتاج الغذاء اللازم لمليارات الأفواه الجائعة وتلوث البيئة ونضوب الموارد الطبيعية، كلها ستصل بمعدلات النمو إلى نهايتها في غضون مائة عام. وسمّي هذا التقرير بـ"تقرير نادي روما".
انقراض
يرى الكاتب أن مرحلة الانهيار بدأت قبل زمن، إذ ارتفع عدد سكان الكرة الأرضيّة بمعدل غير مسبوق من مليار ونصف مليار في عام 1915 إلى 7.2 مليار في عام 2015، ولا يزال الارتفاع مستمرًا.
وتشهد الكرة الأرضيّة انقراضًا للكائنات الحيوانية والنباتية على حد سواء، وللمرة السادسة في تاريخ الكوكب. وهناك توقعات باختفاء نصف الحيوانات في غضون أربعين عامًا، ثم انقراض 75% من الحشرات في أوروبا في غضون 30 عامًا، رغم أن هذه الكائنات الصغيرة تشارك في تلقيح 80% من الأشجار المثمرة والمزروعات والفواكه والخضر التي نستهلكها.
سنشهد أيضًا انقراض 90% من أنواع الحيتان وأسماك القرش والعوالق المائية وكل أنواع الأحياء البحرية التي تتعرّض لعمليات اصطياد جائرة، ويحدث كثيرًا أن بعضها يعاد إلى الماء، وهو نصف ميت، لكونه غير صالح للاستهلاك البشري. ثم سيحدث اختفاء كامل تقريبًا للحيوانات البحرية الوحشية في غضون 25 عامًا، إن كنّا متفائلين.
اختناق ونضوب
من المتوقع تعرّض المحيطات لاختناق تدريجي بسبب الصيد الجائر وارتفاع نسبة الحموضة ودرجات الحرارة ونسبة التلوث ومناسيب المياه. والملاحظ أن مياه المحيطات لم تعد قادرة على موازنة كميات ثاني أوكسيد الكربون وإنتاج الأوكسجين، علمًا أنه من المعتقد أنها مصدر 50% من كميات الأوكسجين في العالم.
ورغم كل ما يقال من كلام منمق عن مصادر بديلة للطاقة لا يزال العالم يعتمد على مصادر الوقود الأحفوري بنسبة 92%. ويرى خبراء أن أوج عظمة استغلال النفط كان في 2006 و2010، فيما لا تمثل ما تُدعى بالطاقة المتجددة أكثر من 1%، وهي مجرد عكاز يتكئ به السياسيون في الانتخابات، لأنها لا تغطي كلّف إنتاجها وكلف ما تستهلكه من معادن وطاقة في مرحلتي الإنشاء والصيانة. أما الطاقة النووية فخطرة، وتسبب التلوث، فيما لا يمكن تدوير المعادن النادرة إلا بنسبة 1%، ويوجد الاحتياطي الأكبر في دول لديها صراعات مع الغرب، مثل الصين وكوريا الشمالية.
الأراضي الزراعية
يخصص ما يقارب من 60% من الأراضي الزراعية لإنتاج علف الحيوان وتربية المواشي، وعادة ما تنتج هذه المساحات كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، وتستهلك كميات هائلة من الماء ومن مصادر الطاقة. وحاليًا يجري القضاء على 85% من غابات الأمازون، التي تعتبر رئة الكرة الأرضيّة لتوفير أراض لإنتاج علف حيواني.
أما عن ارتفاع درجات الحرارة، فحدث ولا حرج، فرغم الخطابات والوعود والاتفاقات الدولية، من المتوقع أن يكون الارتفاع بخمس درجات مئوية، وهو ما سيؤدي إلى ذوبان الثلوج وارتفاع مناسيب المياه وفقدان أراضي ستلتهمها البحار والمحيطات وتشريد الملايين وخلق توترات وصراعات وعدم استقرار جيوسياسي. تضاف إلى كل ذلك أزمات بيئية وديموغرافية وعدم استقرار مالي واقتصادي.
بالمختصر المفيد، بلغ السيل الزبى، وما عادت الأوضاع في مرحلة الوقاية، لأن هذه المرحلة انتهت تمامًا، ودخلنا مرحلة المرض الحقيقي، وهو ما سيتطلب إعطاء علاج، هذا إن كان هناك علاج حقًا، وإن كان النظام الذي خلق هذه المشاكل كلها قادرًا على إيجاد حل، وراغبًا في تطبيقه بالفعل.
هذا التقرير نقلًا عن "موبايل أغورافوكس".