Skip to main content
الإعلان بين الترويج والابتذال

يظهر الخواجة الأوروبي الملامح بعيونه الملونة وهو يتذوق الطعام الصيني ليبادر إلى التعبير عن امتعاضه من مذاقه وليشرع في أداء حركات قتالية هستيرية في غمز من قناة كون بلدان جنوب شرقي آسيا معروفة عموماً بشيوع رياضات الكاراتيه وأخواتها مثل التايكواندو والجودو. بعدها يذهب إلى الهند ليشرع هذه المرة أيضاً في السخرية من الطعام الهندي الحاد واللاذع وليبادر إلى التراقص المتشنج المبتذل من شدة حدة الطعام في غمز هذه المرة من قناة الرقصات الشعبية الهندية ثم ينتقل إلى مصر ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب كما يقول المثل المصري الشهير.


وينتهي المطاف بصاحبنا إلى العراق وتحديداً إلى إقليم كردستان وفور تذوق الطعام الكردي والعراقي يبدأ في التطبيل والتزمير والإشادة بلذة الطعم والمذاق الفريد وليسأل حينها من حوله عن السر في هذه الجودة فيجيبه الناس عبر ذكر اسم شركة غذائية كبيرة تنتشر منتجاتها في الأسواق الكردية والعراقية. والمفارقة المضحكة أن تلك الشركة هي في الواقع تركية.

والسؤال المطروح هنا والذي يطعن في هذه السردية الإعلانية غير المقنعة المنتشرة كالنار في هشيم الفضائيات الكردية والعربية العراقية هذه الأيام: ما الذي يدفع بطل الإعلان إلى الانبهار بالمطبخ العراقي على عكس نفوره من المطابخ الصينية والهندية والمصرية طالما أن الرجل غربي والمطابخ الأربعة المذكورة شرقية بحتة.

لا شك في أن الإعلان والدعاية عموماً جزء محوري وركن ركين في عوالم ومنظومات التجارة والربح والتسويق بهدف العرض وكسب المستهلكين ونيل رضاهم، ولكن ليس عبر الحط من شأن السلع والمنتجات الأخرى، ناهيك عن الاستهزاء بشعوب وبلدان وثقافات وتقاليد مطبخية بأكملها تعتبر من أعمدة الهوية الجمعية والذائقة الوطنية. وإلا فما معنى التأفف والتقزز غير اللائق من النكهات الطعامية لهذا البلد أو ذاك؟ ليس هذا وحسب بل والقيام بحركات وتوريات تطاول تقاليد رياضية وثقافية وروحية يتميز بها هذا المجتمع أو ذاك.

نحن هنا حيال إسفاف وإهانة بحق نحو بليونين ونصف البليون من البشر على الأقل.

فالصين والهند ومصر مجتمعة تشكل نحو ثلث عدد سكان كرتنا الأرضية، الأمر الذي ليس خافياً على من أعد هذا السيناريو الدعائي غير الموفق، والذي يتضمن إهانة لبلدان وحضارات كبرى ضاربة في عمق التاريخ وموغلة في القدم والعراقة.

18 Sep, 2018 01:26:17 PM
0

لمشاركة الخبر