Skip to main content
«عرب أمريكا».. تحديات سنين الحرب

يحفل عالم الروايات بالكثير من النتاجات الأدبية، التي تلقي الضوء على حياة العرب في المهجر والتحديات التي تواجههم، غير أن رواية «عرب أمريكا» الصادرة حديثاً للكاتبة السورية كلاديس مطر تنحو منحى آخر في السرد، لعل من أهم مميزاته تلك الظروف التي ألمت بسوريا وما أنتجته سنين الحرب من انعكاسات طالت الأقلام والأفكار كما طالت البلاد.

رحيل

في روايتها يمر أبطالها، وعلى رأسهم الدكتورة أميرة زين الدين، وهم عرب حطت بهم رحالهم في لوس أنجليس الأميركية، على صفحاتها حاملين أحزاناً وهواجس، مجترين ضياعاً يومياً وندماً من نوع خاص، ملقين باللائمة على الأوطان التي تركتهم يرحلون فلا هم نسوها، ولا عادوا إليها، ثم ما استطاعوا إلى أن يكونوا أميركيين سبيلاً، كما يبدو من تقديم على غلاف الرواية.

تطالعنا الرواية في فصلها الأول مع حوار حميم بين الأب وابنته، وهو يدفعها إلى السفر لأميركا ومواصلة درب النجاح، حوار يجمع بين طياته المآسي والحنين والشوق لأيام السلام التي افتقدتها بعد أن كشر شبح الحرب عن أنيابه. تقول أميرة لوالدها عقب تشجيعه لها على السفر: «ولكن.. البلد يا والدي.. وأنت! عضَّ (إنعام) على شفتيه حالما سمع كلمة «البلد».. أية حسرة! أي حب هذا الذي لم يتوقف يوماً في قلبه، كأغنية لم يملَّ من سماعها: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! سافري.. أنا هنا.. سأنتظرك.. وأنتظر البلد».

أخلاق

تبرز أميرة، بطلة مميزة، ترينا وتشعرنا بسردها ونقدها إسقاطات رائعة من كل ما جرى مع عرب أميركا على أحداث الحرب الطاحنة في سوريا. خاصة من منطلق كونها أكاديمية خبرت العلوم، وأكدت دور الأخلاق في تنمية المجتمعات، إذ كانت عبارتها الختامية لكل محاضرة تلقيها على تلاميذها في الجامعة تقول: «الأخلاق هي الحل، الأخلاق هي التي تجعل الصوان يزهر».

تجول بنا الرواية باحتراف سردي في دهاليز متعددة المشارب، وتخوض في تحديات الإرهاب ومآسيه، التي لحقت بالذين ضلوا الطريق ليختاروا تلك السبل الملتوية والأفكار الهدامة.. وتظهر الصورة الناصعة لشمس الحق التي لا يمكن أن تُغطّى بغربال الكراهية والتدمير الهدّام.. وهنا يظهر مدى ما اختزنته الرواية من محطات تجذب القارئ وتجعله يتشبث بصفحاتها الواحدة تلو الأخرى ليصل إلى النهاية بحقيقتها الناصعة التي تختتم بها الرواية: «.. لكن الحروب مع ذلك لم تنتهِ، وإلى أن تضع أوزارها أو تتوقف مرة واحدة وإلى الأبد، سوف يتذابح الكثير من الشعوب بسبب سوء الفهم، جارّين حضاراتهم إلى البلاليع».

تباين

من عتمة الزقاق في حي القيمرية الدمشقي ودُورِه التاريخية العريقة، إلى «مدينة الملائكة» لوس أنجليس الأميركية، ترحل أميرة وتجتمع بعرب حطوا رحالهم في ذلك المكان السحيق من كرتنا الأرضية، الذين تبرزهم كلاديس مطر في روايتها بأطيافهم وأفكارهم ومواقفهم المختلفة، وتوجهاتهم الفكرية والمعرفية، لتصل من خلال سردها الروائي الجذاب إلى مواقف وحوادث تتأرجح فيها العواطف والأحاسيس ما بين الدهشة والفرح والحزن.. وقد نجحت كما يصف غلاف الكتاب بدقة، في أن تمسح بقلمها على جميع جراحاتنا المندملة منها وغير المندملة؛ لتظهرها من دون تجميل، لكنها تترك لنا الأمل بالأفضل من خلال مسحات حب وإنسانية تروح وتجيء بين الأحداث والقصص المتداخلة.

26 Nov, 2018 09:41:13 AM
0

لمشاركة الخبر