آلام إنسان عاش حياته على ذكريات الأحبة
سرديات العزلة التي يعيش فيها أحد الأبطال وحيداً، دون اختلاط بمحيطه واضعاً ما يشبه الحاجز بينه وبين الناس تعطينا آراء متعددة حول الطبيعة البشرية ونقاشه الوجودي حول الوجود، والتقابل القلق الدائم بين الفطرة والعقل، والإنسانية والتوحش، والفوضى والقانون، وربما الصبر والأمل، يبحث الروائي السوري مناف زيتون في سرديته «ظلال الآخرين» الصادرة عن «دار نوفل»، والمليئة بالتصاوير المعبرة والتجسيد المتميز الذي يدخل قارئه في فيلم على الورق ينظر من خلاله إلى بطل الرواية من علٍ.. ليرى إنساناً تاه في الزمن فلم يعد يعني له تقلب الليل والنهار شيئاً سوى اجترار ذكريات جميلة لمحبوبة كان هو من أغمض عينيها للمرة الأخيرة بيده: «قطرات الماء تتساقط مجدداً لا بد أنها تمطر في الخارج، ربما سأرحل غداً حين يكون الطقس أفضل، أقترب من سليمى وأفكر بأنني حين أغمض عينيها لن يعود الزمن للمسير من جديد».
قطرات
من حيث انتهى بطل الحكاية يبدأ، من تساقط قطرات الماء عبر الشقوق الذي هو المشهد المعتاد.. يحاول مناف أن يشرح حالة الوحدة التي خلقتها مأساته: «لا أعرف من أكلم، لا أعرف لمن أشرح أو كيف يمكنني أن أشرح حالتي حتى لنفسي، ليس هناك من يؤكد لي أنني أشرح ولا أتشعب في وصف الأمور، وأجعلها أشد تعقيداً من دون أن أدري».
يبحث بطل الرواية عن الزمن تحت كثبان الدمار وأطنان الوحدة التي دفن نفسه تحتها خشية انجراره وراء هذه الفوضى التي يصارع دوافع خوضها: «والحرب حين تلقي بظلها على الآخرين، تجعلهم على استعداد لخوضها لأنها تجبرهم إما على الموت، وإما على البقاء، وفي كلتا الحالتين هي الحرب القاتلة عزلة وتشريداً ودماراً. لم أرد أن أضطر لقتل أحد، ساعات الملل والوحدة تبدو لي أفضل من القتل».
صدى
الشعور الطاغي في الرواية مثقل بخليط من مشاعر يطغى عليها الشعور بالأسى والحزن، والبكاء على الأطلال والأحبة، مع شيء من الرضا أحياناً، في حال الإنصات إلى صدى الذات العميق في استرخاء يشبه الخدر في ذكريات مرت ولن تعود: «أصحاب الحيوات القصيرة يغرون الآخرين بالحصة الكبيرة التي سيشكلونها من ذاكرتهم بمجرد قضاء ساعات معهم».
حلم
بين جميع الأماكن في الرواية بقي الحلم هو المكان الغامض أو الغريب عند الغوص في الذكريات، دون أن يستسلم الإنسان لليأس بعد كل هذه الفوضى التي تدل عليها الأماكن الخالية من الناس، في محاولة للبحث عن معنى الحياة الحقيقي، أو لتبرير التحقق من الأحداث المؤدية لذلك، وهي يد الإنسان نفسه الذي يفنى بفعل الصراعات الداخلية والخارجية، وهذه هي لعبة الرواية الكبرى «البحث عن حياة الآخرين»، أو ظلالهم التي فقدتها الأمكنة، وباتت خالية.
التاريخ ظل الأحداث الذي ينعكس على صفحات الكتب، ويتبدى ذلك عندما نقرأ: «علينا أن نترك أثراً خلفنا، قد تكون الدنيا مليئة بأمثالنا ونحن نبحث عنهم حيثما مروا، عاجزين عن لقاء بعضنا بعضاً في حلقة مفرغة من الوحدة والسكون.
وجود سوانا ليس أمراً مؤكداً، إنما المؤكد هو أن الوصول إليهم، إن وجدوا، يعتمد على حجم الأثر الذي نتركه خلفنا». وهذا ما يرمي إليه مناف زيتون.