حياة المهاجرين بعيدا عن الرومانسية
صدرت حديثاً عن دار «الفارابي» في بيروت رواية «تغريبة وطن» للكاتب محمد العزير. وتتناول الرواية في شخصياتها ووقائعها مراحل مهمة من التكوين العربي الأميركي في ميشيغان.
وخصوصاً مرحلة العمل المؤسسي والحياة في منطقة دكس والانتقال إلى شرق ديربورن بطريقة قصصية تحضر فيها شخصيات ومؤسسات وحالات معروفة وكان لها دور في صناعة الشخصية العربية الأميركية، خصوصاً في ثمانينيات القرن الماضي.
تتنقل الرواية بفصولها السبعة والعشرين برشاقة بين لبنان وبين مدينة ديربورن في ميشيغان، حيث نمت أول نواة عربية أميركية في ظل معامل شركة فورد لصناعة السيارات في حي شبه معزول، لتربط بين دوافع الهجرة ومراسيها، وكيف تحولت مئات العائلات المهاجرة من أقطار عربية شتى إلى مجتمع واحد يتفاعل داخلياً على وقع متطلبات الحياة في العالم الجديد.
وقائع
تخرج الرواية من فصولها الأولى عن الرواية الرسمية والروايات المعتمدة لتاريخ لبنان، وتالياً للنظرة المثالية إلى المهاجرين اللبنانيين، وتتناول تفاصيل ووقائع حقيقة حياة المهاجرين كبشر بمنأى عن الرومانسية الشائعة عن المغتربين الذين يعيشون في الواقع وليس في كلمات الأغاني والزجليات المعتادة، ويكون عليهم أن يتكيفوا مع حياة جديدة لا تنفصل تماماً عن امتدادات الحياة في الوطن.
يتعرف قارئ «تغريبة وطن» إلى السلوكيات والعادات والمتطلبات الجديدة في المهجر، ابتداءً من تعلم لغة جديدة، وصولاً إلى محاولة التخلص من موروثات العلاقات الاجتماعية القديمة التي تقاوم عبر أشخاص في الرواية أي تغيير، مقابل سياق آخر يحاول القطع نهائياً مع الهوية الأولى.
حِياد
يطغى على الرواية أسلوب سردي سريع يتأثر بحقيقة أن المؤلف عمل في الصحافة الإخبارية لأكثر من ثلاثة عقود قبل البدء في الكتابة الأدبية التي تجنح في كثير من المشاهد والمواقف إلى لغة يغلب عليها طابع السرد الخبري المحايد.
إلا أن القصص الشخصية لأبطال الرواية تأخذ حيزاً مهماً يوازن هذا الجنوح التقريري ويعطي للنص بعداً روائياً تتناغم فيه العواطف مع الشغف والمرارات مع الصدمات إلى أن تنتهي بمأساة تؤشر إلى الزلزال الذي أصاب الجالية مع هجمات 11 سبتمبر.
عنصر «التراجيديا» حاضر بقوة في الرواية، ومعه النقد العميق للمجتمع في الوطن الأم وللجالية في المهجر.
نموذج
ربما تكون «تغريبة وطن» نموذجاً للأدب الذي يرصد الاغتراب اللبناني في كافة بلدان المهجر، رغم ما يرافق كل مكان من خصوصية.
تتناول الرواية بجرأة لافتة الاغتراب اللبناني في الولايات المتحدة الأميركية، فتطرح الكثير من الجوانب المسكوت عنها، وتعالج المسألة بعمق المثقّف الذي عاش التجربة، ونقل للقارئ بقلمه الرصين والرشيق الصورة بشكلٍ واقعي وثاقب.
تُقدم الرواية قراءة تاريخية - سياسية لأحداث لبنان برؤية جديدة لم تكن لتبصر النور حتماً في سنوات خلت، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على تغير البوصلة السياسية على الساحة اللبنانية وتغير معها ما يعرف بالخطوط الحمر السياسية لدور النشر المحلية.
الرواية أقرب ما تكون في قسمها الأول إلى التوثيق الصحفي المكثف لأحداث لبنان والحرب الأهلية وأحوال المغتربين اللبنانيين في أميركا. وقد تميزت باختصارها سنوات مديدة سبقت الحرب وتلتها.
الكتاب:تغريبة وطنالمؤلف:محمد العزيرالناشر:دار الفارابي، بيروت، 2018الصفحات:320 صفحةالقطع:المتوسط