روما والطغيان: دروس ماضية لسياسة حاضرة
يمثل سقوط روما في براثن الطغيان أمثولة سياسية لا تنتهي مفاعيلها مع الأيام، إذ فيها دروس مستفادة في السياسة اليوم، على الرغم من اختلاف الأزمان.
قبل تشييع جثمان يوليوس قيصر، أُعد قالب من الشمع لجسده مع تأشير مكان كل طعنة من طعنات القتلة الذين اغتالوه بعلامة واضحة. رُفع التمثال فوق نعش قيصر. عندما احتشد أهل روما لتوديعه، كانت آلة تديره ببطء، بحيث كان كل منهم يستطيع أن يرى 23 جرحًا فاغرًا في جسده. وهاج الحشد عندما رأى الجروح، كما يُقال.
لاحقًا، أصبح عهد قيصر ونهايته الدموية وتداعيات نهايته الأكثر دموية، نقطة انعطاف في تاريخ الإمبراطورية الرومانية. لكن إدوارد واتس يشير في كتابه "جمهورية فانية: كيف سقطت روما في الطغيان" Mortal Republic: How Rome Fell into Tyranny (المؤلف من 352 صفحة، منشورات بايسيك بووكس، 32 دولارًا) إلى أن الجمهورية الرومانية كانت تحتضر منذ عقود، وأن سبب انحطاطها لم يكن جروحًا فاغرة، بقدر ما كانت اللامساواة الصارخة في الإمبراطورية وعجز القادة أو عدم استعدادهم لمعالجتها.
الماضي ليس الحاضر
إذا كان هذا المرض الذي يصيب الأنظمة الاجتماعية معروفًا، فالمؤلف أراد التذكير به من جديد. يقول واتس إن دراسة العصور القديمة يمكن أن تلقي ضوء على "الحقائق السياسية المقلقة أحيانًا في عالمنا اليوم".
تلاحظ مجلة "إكونوميست" في مراجعة كتاب واتس أن العالم القديم كثيرًا ما يُستخدم عدسة لمعاينة العالم الحديث من خلالها. فمن يريد أن يفهم الصين عليه أن يقرأ أعمال المؤرخ اليوناني ثيوسيديس، ومن يريد أن يعرف أفغانستان عليه أن يدرس نتاجات الفيلسوف والمؤرخ بلوتارخ.
لكن هذا المنهج يمكن أن يكون محفوفًا بالمطبات. فالماضي ليس الحاضر بأزياء قديمة. وبحسب "إكونوميست"، أفلح واتس في تجنب هذه المطبات.
يبدأ المؤلف بأخذ القارئ في جولة عبر تاريخ روما. فمواطنو الجمهورية الأوائل كانوا أقوياء بشكل أسطوري. وفي أواخر القرن الثالث قبل الميلاد دخلت روما، التي كانت تواجه تهديدات خارجية متعددة، حالة يسمّيها المؤلف "نسخة قديمة من الحرب الشاملة"؛ إذ استُدعي ثلثا السكان ممن أعمارهم بين 17 و30 سنة للخدمة في الجيش، حيث كانوا مستعدين للموت من أجل روما. وماتوا بالفعل بعدما حصدتهم المعارك، وكأنهم سنابل يانعة في حقول القمح. خلال معركة واحدة مع هانيبال، قُتل عشرة آلاف منهم، وكان رد فعل أهل روما إعادة تجميع قواهم... والانتصار.
الثروة المشرذِمة
لكن مثل هذه الصلابة لم تدم. فبحلول القرن الثاني قبل الميلاد، انقسمت الجمهورية الموحدة إلى شطرين، لا بسبب الحروب، وإنما بسبب الثروة.
فمن جهة، كانت طبقة ذوي الثراء الفائق من الرومان الذين أثروا من الفتوحات العسكرية وتطور النشاط المالي يأكلون في صحون فضية أطعمة مستوردة، ويحتسون النبيذ المعتق، ويقضون إجازاتهم في فيلات منيفة على البحر المتوسط. وكان من أقوى هؤلاء الرومان كراسوس، الذي حقق ثروته من صفقات عقارية مشبوهة، ثم استخدم المال لشراء النفوذ السياسي.
من جهة أخرى، فيما كان بعض الرومان ينهلون من كؤوس مرصعة بالأحجار الكريمة، كانت الغالبية تتجرع المر بسبب ظروف معيشتها المزرية، إذ كانت تعيش حياة كدح يقصم الظهر، عارفين أن المآل سينتهي بالرومان الفقراء أفقر من آبائهم. ومثل هذا الوضع ما كان ليمكن أن يستمر، وبالفعل لم يستمر.
سقطت واحدة من أطول الجمهوريات عمرًا في تاريخ العالم بحلول نهاية القرن الأول قبل الميلاد، ليقوم على أنقاضها نظام استبدادي. فروما هزمت أعداءها في الخارج. لكنها، كما يقول واتس في كتابه، انهارت من الداخل تحت وطأة الجشع واللامساواة، وعلى أيدي سياسيين خرقوا المعايير السياسية الجمهورية ومواطنين اختاروا ألا يعاقبوهم على خروقاتهم.
هذا التقرير عن "إكونوميست".