ألمان أشاوس وقفوا في وجه هتلر... لكن الحظ كان حليفه
في وزارة الدفاع الألمانية القديمة في بندلستراسي، برلين، أعيد طابق كامل إلى ما كان عليه في وقت مؤامرة 20 يوليو 1944 ضد هتلر. في ذاك المكان، أدار كلاوس فون شتاوفنبرج وزملاؤه المتآمرون مشروعهم المنكوب: تم إطلاق النار عليه وعلى ثلاثة آخرين في الفناء في نهاية ذاك اليوم المأساوي. هناك طابق آخر مخصص لنقابات العمال والأحزاب السياسية والكنائس التي فعلت ما بوسعها لإيقاف الرجل الذي كان يجلب العار والكارثة إلى البلد. إنه مكان مثير للمشاعر.
لم يكن المقاومون مجرّد رجال عسكريين، وأرستقراطيين بروسيين، وسياسيين مدنّيين مخضرمين مثل رئيس بلدية لايبزيغ السابق، كارل غورديلر. خططت مجموعة أصغر سنًا، قريبة من معارف هيلموت فون مولتكه، معروفة بـKreisau Circle، لتصميم ألمانيا ديمقراطية وأممية ومضادة للتعصّب: يصفهم بادي أشداون في كتابه الجديد "لا!" Nein! (منشورات وليم كولنز، 25 جنيهًا استرلينيًا) عن المقاومة الألمانية بأنهم "زهرة ألمانيا في يومهم".
شجاعة نادرة
أظهر أشخاص "عاديون" شجاعة نادرة: نجح جورج إلسير، وهو نجار، في تفجير هتلر إلى أشلاء. احتجّ آخرون بطريقة سلميّة، مثل الطالبَين المسيحيين المتديّنَين صوفي شول وشقيقها هانز من ميونيخ؛ أو أوتو وإليز همبل، الثنائي في رواية "وحيد في برلين" الأكثر مبيعًا التي كتبها هانز فالادا (والفيلم اللاحق مع إيما تومبسون). وقُتلوا إلى جانب آخرين ييد جزّاري هتلر.
مع ذلك، تستمرّ فكرة أن أولئك الذين عارضوه كانوا قليلي العدد، وأنّ معظمهم كان من الوطنيين المتطرّفين الذين كان التعامل معهم غير مقبول. لكنّ هذا غير دقيق وغير عادل. كتاب أشداون غنيّ بالحسّ الأخلاقي، وحسّ الأخوّة بين الرجال والنساء الشجعان الذين اتخذوا خيارات أخلاقية قاسية في أسوأ الظروف. كُتبت القصة من قبل، لكنّ أشداون يساهم في لفت الانتباه إلى تفاصيل جديدة، خصوصًا شبكة العملاء على نطاق أوروبا التي من خلالها حرص الأدميرال كاناريس، الرئيس المخادع لمنظمة المخابرات الأجنبية الألمانية، على نقل المعلومات إلى أعداء هتلر. الكتاب سريع وسلس ورائع. جدير بالذكر أن أشداون يهدف في المقام الأول إلى منح هؤلاء الناس الشرف الذي يستحقونه.
حالفه الحظ
يجادل البعض بأن المقاومة لم تبدأ إلّا عندما بدأ الألمان يدركون أن بلادهم تخسر الحرب. في الواقع، كانت المعارضة المدنية لهتلر ناشطة، على الرغم من عدم فاعليتها، قبل ذلك بكثير. حُبكت أول مؤامرة عسكرية في عام 1938 تحت قيادة رئيس هيئة الأركان العامة الألمانية لودفيغ بيك، لكن تمّ إجهاضها لأنّ بريطانيا وفرنسا لم ترغبا في دعمها ما دام الأمل في التوصّل إلى تسوية مع الفوهرر ممكنًا.
حدثت المحاولة الأولى لاغتيال هتلر في عام 1934. وتبع ذلك أكثر من 20 محاولة أخرى. وهي لم تفشل بسبب افتقار الكفاءة في إنجازها، بل لأنّ الحظّ كان يحالف هتلر.
في برلين، كادت مؤامرة 20 يوليو أن تنجح. في الوقت نفسه بدأت انقلابات في باريس وفيينا وبراغ. وأصيب الجميع بالإحباط عندما نشر هتلر الأخبار بأنّه نجا بضربة حظّ من القنبلة التي زرعها ستاوفنبرغ في مقرّه العسكري. في أعقاب ذلك، ألقى الغيستابو القبض على 7000 شخص، وتمّ إعدام ما يقرب من 5000. اللافت أن الكثيرين منهم تمكّنوا من الفرار من تحرّيات الغيستابو إلى أن وقعت الحادثة.
كان عدد من المتآمرين بالفعل من الوطنيّين الألمان قديمي الطراز. لكنّهم لم يكونوا "متطرّفين" أكثر من الوطني الإمبريالي ونستون تشرشل. شتاوفنبرج نفسه جمع بين إحساس عميق بالشرف العسكري وبين راديكالية سياسية ميّالة إلى اليسار بشكل متزايد.
خائن خائن
كان أولئك الناس يدركون المخاطر التي لم تقتصر على إمكانية القبض عليهم وتعذيبهم وقتلهم من قبل الغيستابو، بل أيضًا إمكانية اعتبارهم خونةً من قبل زملائهم المواطنين، لمحاولة الإطاحة بنظام الحكم في وقت الحرب. وكما قال شتاوفنبرج: "على الرجل الذي يملك الشجاعة للقيام بشيء أن يفعل ذلك وهو يعلم أنّه سيُعتبر خائنًا في التاريخ الألماني. غير أنه إذا لم يفعل ذلك، فسيكون خائنًا لضميره".
في البداية، لم يوافقه الكثير من الألمان، ولم يتغير هذا الرأي قبل الذكرى العاشرة لهذه المؤامرة، عندما أشاد أول رئيس ألماني في مرحلة ما بعد الحرب، ثيودور هويس، بكلّ من شتاوفنبرج وزملائه لمحاولتهم الحفاظ على الشرف الألماني في وقت عصيب. معظم الألمان يشاركونه الآن وجهة نظره.
كان المتآمرون يأملون في الحصول على الدعم من الحلفاء الغربيين. قبل 20 يوليو، عرضوا صفقة: سيُسقط الألمان دفاعهم في الغرب وسيتجهون إلى قتال الروس في الشرق بدعم من الغرب. ولكن كان الوقت قد تأخّر على ذلك. ما كان ممكنًا في عام 1938 لم يعد ممكنًا سياسيًا. استسلم المتآمرون لفكرة المضي قدمًا بمفردهم.
لو نجحوا
ماذا كان سيحدث لو نجحوا؟ بحلول ذاك الوقت، كان الروس قد شنّوا الهجوم الساحق الذي دفعهم في أوائل أغسطس مئات الكيلومترات إلى حدود وارسو. كان سيكون لديهم حافز صغير للتوقف عند هذا الحد. ربما كان الفيرماخت سيشكّل دفاعًا حتى مع الحالة الفوضوية المسيطرة على ألمانيا. لكن من دون هتلر ربما كان الوضع سيكون أقل تعصبًا، وأقل فاعلية. كان الحلفاء، حتى الروس، سيكونون في حيرة لمعرفة ما يجب فعله بعد ذلك. ربما كان القتال سينتهي في عام 1944، وكان العديد من الناس سيبقون على قيد الحياة.
يقتبس أشداون التقرير النهائي الذي كتبه نيفيل هندرسون، السفير البريطاني في برلين، عن عودته إلى لندن عندما بدأت الحرب: "سيكون مضيعة للوقت إنكار الإنجازات العظيمة للرجل الذي أعاد للأمة الألمانية احترامها الذاتي ونظامها المنضبط... وعلى الرغم من أن بعض الإصلاحات الاجتماعية التي قام بها هتلر تتجاهل تمامًا حرية التفكير والكلمة أو الفعل، إذ كانت مبنيّة على أسس ديمقراطية متقدمة للغاية. اعتقد هندرسون أن "معسكرات العمل الإلزامي" أظهرت كيف تعمل "الديكتاتورية الخيريّة". وفي الأقل، الألمان الذين قاوموا هتلر لم ينشروا ذاك الحكم المجحف البشع.
هذا التقرير عن "غارديان".