"أنا و حاييم" رواية الحبيب السائح، التاريخ حين يتجلى
"أنا وحاييم"، رواية الحبيب السائح الصادرة عن دار ميم للنشر، والتي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربي، سيرة أدب يحفر في الماضي التاريخي للثورة وإيديولوجيتها، للتراكمات ، للكثير من المسكوت عنه، لمحطات وفواصل مهمة، التفصيل في سرد علاقة بين صديقين واحد عربي اسمه أرسلان بن قايد وآخر يهودي من عائلة فقيرة اسمه حاييم، من فئة لها حضورها التاريخي، هذا الصديق الذي سيدّعم الثوار فيما بعد بالأدوية ويتمسك بالوطن الأم مدافعا عنه، رافضا الانتقال إلى فلسطين متنازلا عن حب حياته التي خيرته بينها و بين الرحيل إلى فلسطين، إنها رواية استرجاع المشترك للصداقات وروح التسامح للديانات اليهودية والإسلامية، الوشم على القلب الوفي للصديقين، وعرض لانحرافات تاريخية ومظالم كثيرة ولو كانت إشارات عابرة، تحمل الكثير من البوح المستتر. سرد للتناقضات بين ابن قايد يعمل في سبيل فرنسا وابنه الذي يكون ابن الثورة يخدمها سرا، تناقضات صارخة. آرسلان الذي سيرفض منصب تسيير البلدية بعد الاستقلال ليعود إلى دار المعلمين بوهران مكملا دور المعلم للأجيال وكأنها رمزية إلى تعليم الجيل أكثر من تسييره لأنه في هذه المرحلة بحاجة إلى من يزرع فيه قيم التسامح و المواطنة والعفو والمصالحة. رواية تحتاج إلى القراءات المختلفة والفهم المختلف لصنع الأثر، فكل يفهم على قدر تعمقه في التاريخ المسكوت عنه. حاييم ابن ميمون الذي يموت بمرضه العضال وقبل ذلك تعلن تأثره إلى ما آلت إليه الأوضاع بعد الاستقلال، وكيف تحولت صيدليته التي أمدت الثوار بما يعينهم على لملمة جراحاتهم، هل هي رمزية أخرى للحبيب السائح في تصوير الدواء الشافي يتحول إلى جرح من خلال سوء المعاملة، و الحكم على الأشخاص من خلال ديانتهم لا من خلال سلوكاتهم. رواية تعالج مرحلة مفصلية تاريخية تحتاج إلى قوة تنشرها عارية للعلن للأخذ بما هو واقع. سيرة ضاربة في عمق الإحساس البشري، حين تتعرى من كل شائبة، مع ذلك يبقى للرواية ما لها و عليها ما عليها، ومهما أعتبرها بعض الكتاب دعوة للتطبيع وهذا رأي يلزم أصحابه، تبقى قدرة الحبيب السائح على التحكم المتقن في اللغة السردية، وطريقة العرض. وفي تزاحم روائيين لهم الباع الطويل في الكتابة يبدو أن رواية الحبيب السائح ستحظى بالاهتمام أكثر.