Skip to main content
صديقي غوغل: كم جنيت اليوم بفضلي؟

يقول صديق لي إنه عندما يدخل إلى منزل شخص ما، يميل إلى الصراخ مناديًا: "أليكسا" أو "غوغل"، وطلب 50 طبقًا من البيتزا، ليعرف إذا كان هناك جهاز يستمع إلى أي نميمة كان يخطط للتفوّه بها لاحقًا.

لا شك في أن شوشانا زوبوف ستفهم النكتة، لكنها على الأرجح لن تضحك. في كتابها "عصر رأسمالية المراقبة" The Age of Surveillance Capitalism، تحذّر من إساءة فهم الصوت اللطيف للمساعدة الرقمية الشخصية والانخداع بأنّها قد تكون مستعدّة لتفعل شيئًا "غير استغلال حاجاتك". أمّا الفكرة المبتذلة القائلة "إن لم تكن تدفع سعر المنتج، فأنت هو المنتج"، فليست مفزعة بما فيه الكفاية بالنسبة إليها. فهي تشبّه منصات التكنولوجيا الكبيرة بصيد الأفيال، وبياناتنا الشخصية بأنياب العاج. تقول: "أنت لست المنتج. بل أنت الجثة المرمية".

تحول جريء

إنه دليل على مدى ذكاء كتابها، فمقارنتنا بجثة الفيل تولّد رغبة في رمي الكتاب بقوة على الأرض. زوبوف، وهي أستاذة فخرية في كلية هارفارد للأعمال ومؤلفة كتاب "في عصر الآلة الذكية" (1988)، لديها سلسلة دراماتيكية يمكن أن تتّسم بالمبالغة إذا لم تثبت وجهة نظرها بكل جدية. تقول إننا نعيش في "تحول جريء وغير مسبوق في الأساليب الرأسمالية"، لدرجة أن الجمهور الأميركي لا يستوعب بعد النظام الجديد بمجمله، حتى عندما يسمع قصة من حين لآخر حول سماح شركة فيسبوك لعملائها بقراءة رسائل المستخدمين الخاصة، أو عن برنامج غوغل في Street View  الذي يعمل على نقل المعلومات غير المشفرة من منازل الناس.

يهتم الكثير من الأشخاص بمعاينة إعدادات الخصوصية، فيشاركون أشياء معينة مع الأصدقاء ويخفون أخرى، بينما يتم جمع بياناتهم ومشاركتها بين التطبيقات لتحقيق ربح محتمل الآن أو لاحقًا. قد لا تدفعنا غوغل وفيسبوك إلى التفكير بأعمدة الدخان المتصاعدة وعمالة الأطفال في الثورة الصناعية، لكنّ زوبوف تجادل بأنّ الأشخاص الذين يديرون الشركتين هم بلا رحمة وساعين إلى الربح بقدر أي رجل أعمال في العصر المذهّب. وبدلًا من تعدين الأرض واستخراج كنوزها، يقوم رأسماليو المراقبة باستخلاص المواد الخام من التجربة البشرية.

رأسمالية المراقبة

ظهر أنموذج العمل هذا من طريق الصدفة. تصف زوبوف كيف أن تطبيق غوغل، في أيامه الأولى، احتفظ بالصدفة بذاكرة مخبّأة عن النواتج الثانوية للبيانات - التهجئة، وأنماط النقر بالفأرة، والموقع الجغرافي - التي تم إنتاجها مع كل بحث.

لم تضطر الشركة إلى اكتشاف طريقة لتقديم أكثر من مجرد خدمة مجانية لمستخدميها، إلا بعد انفجار فقاعة "دوت كوم" في العام 2000. فقرّرت بيع الإعلانات، بشرط أن يكون الإعلان "ملائمًا" و"مستهدفًا"، باستخدام جميع المعلومات السلوكية التفصيلية التي جمعتها غوغل من المستخدمين.

كتبت زوبوف: "إن هذا الشكل الجديد من الأسواق يعلن أن تلبية الاحتياجات الحقيقية للناس هو أقل ربحًا، وبالتالي أقل أهمية من بيع توقعات سلوكهم". ومهما كانت المشاعر الرقيقة التي يتبنّاها الرأسماليون الجدد (أو حتى يصدّقونها) حول بناء المجتمع ودمقرطة المعرفة، تصبح خاضعة للمطالب الغاشمة للبقاء الاقتصادي - ومن هنا تراكم مصادر البيانات الإضافية بلا هوادة، والضغط القوي ضد التنظيم الحكومي.

في الواقع، ازدهرت رأسمالية المراقبة على وجه التحديد لأنها تحقق ما تعترف به زوبوف على أنّه احتياجات ورغبات حقيقية. توفر لنا الأنظمة الأساسية عبر الإنترنت وسائل "لتسهيل تعقيدات حياتنا المرهِقة". في مقابل الحصول على المراقبة، نحصل على الراحة والفعالية والتواصل الاجتماعي.

نقد كثير

تتعرّض غوغل لانتقادات كثيرة من زوبوف، لكنها أيضًا تنتقد فيسبوك بالقدر نفسه (هي تسمّي شيريل ساندبرغ، التي عملت في غوغل قبل أن تصبح مسؤولة الرئيسة التنفيذية للعمليات في فيسبوك، " ماري تيفوئيد" في عصر رأسمالية المراقبة").

تعلّمت فيسبوك "كيفية التلاعب بالتعاطف والتعلق من أجل زيادة المشاركة وربح المليارات. في وثيقة تم إرسالها إلى المعلنين في أستراليا ونيوزيلندا، تفاخرت شركة فيسبوك بقدرتها على التمييز بالضبط متى قد يحتاج الشاب إلى "تعزيز للثقة". ثم هناك فضائح فيسبوك التي تشمل كامبريدج أناليتيكا والكرملين أثناء انتخابات عام 2016، مع نشر اختبارات الشخصية والميمز. كان كل ذلك متعة ولعبًا حتى صار مضيف The Apprentice هو الرئيس.

ويحبّ رأسماليو المراقبة تصوير أنفسهم على أنهم أكثر استنارة اجتماعيًا من أسلافهم الصناعيين، لكن في حساب زوبوف هم يطلبون الكثير بينما يعطون القليل من الدعم. تعمل شركاتهم "على نطاق واسع جدًا": على الرغم من الرسملة السوقية الهائلة، تستخدم غوغل وفيسبوك عددًا أقل كثيرًا من العمال مقارنةً مع شركة جنرال موتورز، حتى في أثناء فترة اشتداد الكساد الكبير. نقلًا عن المؤرخ الاقتصادي كارل بولاني، توضح زوبوف كيف كان من المتوقع أن تقدم شركات ما بعد الحرب نوعًا من المعاملة بالمثل (التبادلية الاشتراكية الاجتماعية) – التعاقد مع العمال ورفع الأجور، ومشاركة الرخاء بدلًا من إزالته. تشير إلى أن نهضة الليبرالية الجديدة في السبعينيات، وضعت الأساس لوادي السيليكون لتعزيز شكل متطرف من أشكال رأسمالية ريادة الأعمال، غير مرتبط بأي مسؤولية موضوعية تجاه المجتمعات الذي يدّعي خدمتها.

ليس مقبولًا

في بعض الأماكن، قد تبالغ زوبوف باستعاراتها، فقد شبّهت مثلًا المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا بالغزاة الأسبان وباقي الناس بالشعوب الأصلية.

النظام الذي تصفه بدقة هو مخيف بما فيه الكفاية (هي مثلًا تعطي القارئ صورة أوضح عن سبب عرض تطبيق Pokémon Go مجانًا).

إن استيعاب طريقة زوبوف المنهجية، والطريقة التي تقسم بها الأمثلة المتنوعة في هذا العمل الشامل من المعرفة والتوليف، يتطلب صبرًا، ولكن المكافآت كبيرة – وتشمل زيادة الوعي، وتقدير أعمق لما هو على المحك. أن أنموذج الأعمال الذي يسعى إلى تحقيق النمو من خلال فهرسة "كل تحركاتنا، وعواطفنا، وكلامنا، ورغباتنا"، هو أمر لا يمكن التسليم به. وكما تقول زوبوف مرارًا وتكرارًا في نهاية الكتاب تقريبًا، "هذا ليس مقبولًا".

هذا التقرير عن "نيويورك تايمز".

03 Feb, 2019 09:14:40 AM
0

لمشاركة الخبر