Skip to main content
صدر حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ضمن مشروع ارتياد الآفاق كتاب «تمثلات الشرق/ في السرد الرحلي الألماني»، حاز على جائزة ابن بطوطة للدراسات

غريب أمر تلك الحياة؟ أو ربما غريب هو حالنا معها.. أسئلة كثيرة تراودنا عن الحياة وفائدتها ؟ هل أن للحياة قيمة حقيقية وكيف تقاس هذه القيمة؟.. متى يكون الوعي عند البعض بأنه لا جدوى من الاستمرار في هذا الدرب أو ذاك؟... فبعضنا يذهب إلى اتخاذ قرارات جذرية، قرارات جاءت بعد صفعة لا مجال لتحديد قوتها وقسوة تأثيرها.
نتعب من التفكير أحيانا ونحن نبحث عن طريقة لخسارة الوزن، هذا الوزن الذي صار يشكل ثقلا جسديا وحركيا، وحتى نفسيا في حياتنا.
نسعى جاهدين للتخلص من وزن زائد في الوعي كما في الجسم عبر قرار صارم وحازم، لكي نبدو أكثر صحة وعافية ورشاقة حركة وروح، وأسمى شغفا وحبا للحياة..
هكذا أيضا نفكر تجاه بعض البشر في حياتنا، ممن أصبحت أوزانهم ثقيلة على أرواحنا... بعد أن أُجبرنا على تحملهم بكل ما أوتينا من صبر، حتى نفد الصبر، حتى كاد ثقلهم يودي بحياتنا.
المعاناة أن تخسر عمرا، وأن تحمل هذا الوزن الثقيل في كل لحظة، وتنوء بعبء من مشاعر مصطنعة تجعلك تبدو مع مرور الأيام غريبا عن ذاتك، تائها عن روحك، بعيدا عن حقيقتك الغائرة في عمق لا تطاله! يتغير منك الشغف، وتنطفئ لهفة روحك... عبر سنين طويلة تكابر، تحاول أن تبكي تارة، تصرخ تارة أخرى، تداوي جرحا تعرف أنه لا دواء له سوى البتر، لتكمل المسير نحوك أنت... أنت الذي غادرت نفسك مجبرا كلاجئ حرب !
تنظر يوما بعد سنين طويلة إلى المرآة لتكتشف أن السنين التي عبرتها قد سلبت منها بريق العمر، وأن رحلة الحياة التي كانت تجاهد من أجلها جعلتها تقف اليوم باردة هشة حد الذبول، هذا الحمل الثقيل الذي أرهق فكرها وروحها والأيام، جعلها تصل مرحلة من ترقرق الدمع في عينيها لمجرد أغنية عابرة لامست كلماتها أنين الروح، أنين الوجع.
أحيانا تحتاج أن تصرخ ولا قدرة لها على ذلك... تجمدت المشاعر من الوحدة والخوف، خسرت مع الأيام قوتها وعنفوانها لتبدو كشبح باهت، هذا الشبح الذي يخبرها بأن الأذكياء غباؤهم قاتل، باهظ الثمن.
تحاول أن تصرخ من الخوف لا أحد يجيب ولن يجيب أحد... تتأمل وجهها في مرآة الزمان، عينيها المنتفختين وقد فقدتا بريق الفرح وسكنهما القلق...
تعيد ذاكرتها وهي تغتسل من أوضار ذكريات تأبى إلا أن تحتل مساحة الشغف، تعيد يوما كانت الأصدق بجرأتها وتحديها وبتلك الإرادة الخارقة... تعاود النظر إلى المرآة من جديد لتضيء الروح والقلب والعقل بمشهد نوراني آت... ذاك النور الآتي حتما» هي بكل الحقيقة... ترمي بكل تلك الأحمال الثقيلة... الواهنة الفارغة من الداخل، السطحية في معناها... ترميها بكل ما أوتيت من عزم وأمل لتكتشف ذاتها من جديد بفخر، لتحدق بكل شيء جميل في عالمها.، لتعيد اكتشاف صورتها بكل تفاصيل الصدق التي غابت عنها، التي غطاها تراب جارف... تتلمس خصلات شعرها الكستنائي المنسدل الممزوج بالأبيض، قامتها ذات الأنوثة الشرسة... لن تخضع لثقل المعاناة، فلا وقت للبكاء والنواح، ستتبع النور الآتي، ستستعيد أنفاس الحياة، ستتشكل مشاعرها من أجل الحياة... ستتبع النار نار لا تحرقها، نار تطهرها من العذاب، توقظ في سماء دنياها شمس غفت طويلا، غفوة ظنتها أبدية، نار سحرية لا رماد لها، نار تدفئها وتحميها من ذئاب الخوف التي تنهش أصابع الحياة.

 

المصدر :الدستور

 

 

15 Aug, 2020 12:23:39 PM
0

لمشاركة الخبر