نظرا لأن أعمالهم غير ممثلة بشكل جيد في الأدب الروائي، يعيد المؤلفون من السكان الأصليين لأميركا وغيرها تشكيل عوالمهم الخاصة المفقودة، عبر الروايات وأدب الخيال العلمي، لمواجهة المركزية الأوروبية التي تهمش ثقافتهم وتراثهم الأدبي. ورغم ازدياد الوعي بقضايا السكان الأصليين حول العالم، لا يزال قليلون فقط ينظرون باحترام وتقدير للثروة المعرفية لدى السكان الأصليين الذين تعرض كثير من ثقافتهم للمحو أو دمرت بأكملها، بما في ذلك لغاتهم وعلومهم منذ عصر الاستكشافات الجغرافية واستعمار "العالم الجديد" في الأميركيتين وأستراليا. وبينما يتناول المؤرخون بمزيج من الإعجاب والتقدير رحلات الإيطالي كريستوفر كولومبوس الأربع عبر المحيط الأطلنطي كعمل استكشافي فتح العالم الجديد وأدى لاستعمار الأوروبيين للأميركيتين منذ نهاية القرن 15، لا يسلط الضوء على البشاعات التي رافقت هذا الاستكشاف مثل استعباد السكان الأصليين في سعيه للحصول على الذهب، وإخضاعه الوحشي لشعب التاينو مما أدى إلى انقراضهم، وبما في ذلك فقدان تراث ثقافي هائل من معارف السكان الأصليين. أسطورة روغارو وفي تقريرها بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، أوردت الصحفية ألكسندرا ألتر قصة شيري ديمالين التي نشأت بالقرب من بينيتانغويشين، وهي بلدة صغيرة على الخليج الجورجي في محافظة أونتاريو الكندية، حيث كانت جدتها وخالاتها وعماتها يقصصن لها عن وحش شبيه بالذئب يسمى روغارو. لم يكن الحديث عنه باعتباره مخلوقا أسطوريا بل تهديدا حقيقيا، وتجسيدا لخطر في مكان تواجه فيه النساء من السكان الأصليين عنفا متزايدا. وبعد عقود، كانت ديمالين عضوة في منظمة "شعب الميتيس" (شعب من السكان الأصليين في غرب كندا)، تعمل على رواية عن امرأة ظهر زوجها المفقود دون أن يتذكرها، ويبدو أنه تحت تأثير السحر. وكانت بحاجة إلى شرير يتمتع بشخصية قوية، وعندما تذكرت روغارو -الشخصية المخادعة في تقاليد الميتيس الشفوية- أدركت أن المخلوق لم يُمنح حقه في الثقافة الشعبية. تحوّل هذا الوميض من الإلهام إلى رواية بعنوان "إمبراطورية البرية" (Empire of Wild)، وهي رواية محيرة يصعب تصنيفها ضمن الأنواع الأدبية المعتادة؛ إذ تواجه شخصياتها الأصلية الحديثة التدهور البيئي والتمييز وخطر المحو الثقافي، وكل ذلك أثناء قتال وحش مخادع. وتعد ديمالين إلى جانب وابغشيغ رايس، وريبيكا رونهورس، ودارسي ليتل بادجر، وستيفن غراهام جونز، أبرز الروائيين الأصليين الذين يعيدون تشكيل أدب أميركا الشمالية من فئة الخيال العلمي والرعب، وهي أجناس أو أنواع أدبية لطالما جرى تجاهل إسهام الكتاب الأصليين فيها. خيال السكان الأصليين غالبا ما يعتمد الأدب الخيالي للكتاب الأصليين على أساطير الأميركيين الأصليين والأمم الأولى والتقاليد السردية بطرق تغيّر الصور النمطية حول أدب وثقافات السكان الأصليين. ويكتسب المؤلفون اعترافا في ركن من العالم الأدبي كان تقليديا أبيض وذكوريا وأوروبيا، متجذرا في الأساطير الغربية. وتقول ديمالين إن هناك دفعة كبيرة الآن لرواية قصص السكان الأصليين، مشيرة إلى أن "الطريقة الوحيدة التي أعرف بها من أنا وما هو مجتمعي، والطرق التي نعيش ونتكيف بها، هي القصص". المصدر: الجزيرة