ذاكرة
انتصار عباس
أمي التي باعت قرطها ثمنا لكتبي تسألني : ما نفع كل السنين التي أمضيتها في الدراسة؟ وأنا حتى تلك اللحظة لم أستطع أن أسترد قرطها، يا الله لهذه الذاكرة الخرفة، ولتلك السنين التي لم تستطع أن تنزع من أذني أمي قرطها، ولذاك القرط الذي لم يزل يثقبهما متدلّيا في مرآتها يشي بي..!
***
وتهاتفني أمي تسأل أيني؟ وتنسى أنني حين غادرتها تركت لها بعضا من روحي وذكريات تؤنس وحشتها.. معذرة أمي لم يكن اختياري، لكنها خيانات الجسد.. كانوا على عجلة من أمرهم وهم يهيلون التراب علي لم ينتظروا ريثما أستفيق، تركوني وصوتك وحيدين، أنت تنادي.. وأنا أنقش وجهي في نبضك ذكريات وصوراً.
***
أمي التي كنت أغضب منها وهي تنهرني بصوتها العالي لما تزل تلاحقني لأتناول الطعام، تطل علي تراني وأنا نائمة، البارحة أغرقت المنزل بدمعها وقد أخذني الحلم إلى ما وراء البعيد.
***
كان في كل صباح يجمع الياسمين المتساقط في وعاء يسكب عليه الماء يشعل الروائح يوقظ الياسمين وأمي.. واعتادت أمي أن تجهز القهوة ويجلسان تحت ظلال الياسمين، يحتسيان قهوة الصباح رحل أبي وظلت ظلاله تحاكي الياسمين.. والأطياف المارة، والجيران، ووجه أمي التي لم تزل كلما تضوع الياسمين عطره جهزت القهوة وجلست تحت ظلال الياسمين تنتظر أبي..
المصدر:الدستور