Skip to main content
الشاعر المصري سمير درويش حدث في الذاكرة.. والشعر الذي ولد معه

الشاعر المصري سمير درويش حدث في الذاكرة..  والشعر الذي وُلد معهفي هذه الزاوية تفتح الجزيرة نت مساحة لكاتبات وكتّاب لكي يتحدثوا عن الحدث أو الحادث الذي غيّر حياتهم، وجعل منهم شعراء أو روائيين أو قصاصا، ومسرحيين ومترجمين، أو حتى ناشرين، بخلاف توقعات الأهل أو الأصدقاء.

في الوقت ذاته، تعد هذه الزاوية نافذة للقارئ والمتابع ليتعرّف على جزء حميمي -وربما كان سرّيا- لمبدعين مختلفين في طرق وأساليب التفكير والحياة والكتابة.

ضيفنا اليوم الشاعر والروائي المصري سمير درويش، وهو شاعر من جيل الثمانينيات، الذي وُلد في بنها محافظة القليوبية عام 1960، ودرس في مدارسها المختلفة حتى حصوله على بكالوريوس تجارة، شعبة المحاسبة (عام 1985).

إضافة إلى إصداره 18 مجموعة شعرية، بدأها بمجموعة "قطوفها وسيوفي" عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 1991، وآخرها كانت هذا العام عن دار ميريت بمجموعة "يُكيّف جرائمه على نحو رومانتيكي"؛ فقد أصدر سمير درويش روايتين: صدرت الأولى بعنوان "خمس سنوات رملية"، ضمن سلسلة الكتاب الفضي عام 2004، بعد حصولها على جائزة نادي القصة عام 2002. والثانية "طائر خفيف"، والتي فازت بجائزة اتحاد الكتاب، فرع الرواية التي تستلهم التاريخ، عام 2006.

أما في الشعر فقد حصلت مجموعته "أبيض شفاف" عام 2016 على جائزة أفضل ديوان شعري عن معرض القاهرة الدولي في دورته رقم 47. وفي الوقت الذي ترجمت جميع مجموعاته إلى اللغة الإنجليزية، ترجمت قصائد له إلى الألمانية، ونشرت في أنطولوجيا لشعراء العالم صدرت عن مهرجان برلين الدولي عام 2010.

سمير درويش يكتب إلى جانب ذلك المقال الثقافي والسياسي، وترأس تحرير عدّة مجلات، وعاش في نيويورك منذ أوائل عام 2013، ولكنه يتنقل بينها وبين القاهرة.

وهنا شهادته عن الأسئلة التي طرحتها عليه الجزيرة نت.

شارع واحد وتفريعاته
ولدت عام 1960 في قرية صغيرة مكونة من شارع واحد وتفريعاته، تركن إلى حضن النيل ولا يسمع عنها أحد، لم يكن بها من يهتم بالأدب أو الشعر، وليس فيها مكتبة واحدة، عامة أو خاصة، اللهم إلا بعض المتعلمين الذين تخرجوا في التعليم المتوسط، وأقل منهم كثيرًا في التعليم الجامعي.

اعلان
وهؤلاء وأولئك من أبناء الفلاحين الفقراء لا يعرفون سوى مذاكرة الكتب المدرسية ومساعدة آبائهم في أعمال الحقل، ثم بضعة رجال يتجمعون حول "ركية النار" ويقرؤون بعضًا من سيرة أبي زيد الهلالي وذات الهمة وعلي الزيبق.

دخلت المدرسة الابتدائية بعد محايلات أقنعت أبي في النهاية، وكان منتظرًا أن أكون معلِّمًا أو مهندسًا، خاصة أنني كنت أنجب تلاميذ دفعتي، لولا أنني خرجت من القرية في 15 من عمري، عام 1975، لألتحق بالمدرسة الثانوية في مدينة بنها، لأنها كانت أقرب مدرسة لقريتنا.

ونظرًا لعدم وجود مواصلات سهلة ومنتظمة بين القرية والمدينة، فكان الأولاد يؤجرون غرفًا في حي شعبي يسكنون فيها، كل 3 أولاد في غرفة غير مشطبة، ودورة مياه مشتركة لكل الغرف، كل 9 أولاد يستخدمون حمَّامًا واحدَا.

سينما بنها
بنها (40 كيلومترا شمال القاهرة) وقتها كانت مدينة صغيرة، أو قرية كبيرة إن شئت، ليست فيها مواصلات داخلية سوى حافلة نقل حكومي كنا نركبها أحيانًا بغرض التنزه، لكن كل الناس يمشون من بيوتهم إلى مقرات أعمالهم أو مدارسهم، وبالطبع لم تكن فيها جامعة.

لكن كانت فيها سينما شعبية قديمة تعرض أفلامًا جديدة (هُدمت بعد ذلك وأقيمت مكانها عمارة سكنية ومحلات تجارية)، عرضا مستمرّا، يعني يمكنك أن تدفع قرشين ثمن التذكرة وتدخل من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساءً، وكنت أفعل هذا في بعض الأحيان، خاصة حين عرضت فيلمًا من بطولة نور الشريف وميرفت أمين وشويكار اسمه "دائرة الانتقام"، عن رواية ديستويفسكي: الأخوة كرامازوف.

البيوت الإسمنتية ومياه الحنفيات والصرف الصحي، والمدارس الواسعة، والطلاب الذين يبدو على بعضهم الثراء، من نوعيات ملابسهم وأحذيتهم وتصفيفات أشعارهم، عكس تلاميذ الابتدائية والإعدادية في قريتنا والقرى المجاورة، بالإضافة إلى السينما ومكتبة قصر الثقافة، كل تلك الأجواء فتحت أمامي بابًا واسعًا لأرى الدنيا خارج الفصول والمذاكرة والغيطان وروث البهائم وصناعة السجاد اليدوي، التي التحقت بها في الخامسة من عمري، ولم أتركها كليَّةً إلا بعد تخرجي من كلية التجارة والتحاقي بوظيفة حكومية.

قصائد أولى
من بداية الصف الأول الثانوي لم أعد التلميذ النجيب الذي يتفوق على زملائه، كنت أذاكر بالكاد لكي أنجح، لكن قصائدي الأولى ولدت في هذه الفترة، قصائد أكتبها أنا غير تلك التي كنت أحفظها في المراحل الأولى لشعراء آخرين، قليلون منهم أهتم بمعرفة أسمائهم، وكثيرون ما زلت أحفظ أشعارهم من دون أن أذكرهم!

في ديوانه "يكيف جرائمه على نحو رومانتيكي" يحاول الشاعر سمير درويش تكييف القصائد مع أفلام سينما عالمية (الجزيرة)
مدرسة المشاغبين
كالعادة، رأى مدرس اللغة العربية قصيدة في كراستي وأنا في الصف الثاني الثانوي، كنت في مدرسة عسكرية طلابها غالبًا من الفلاحين (بعد أن تركت مدرستي الأولى التي لم أقوَ على التباين الطبقي فيها)، أشار لي المدرس أن أقف في مكاني، في النصف الخلفي من الفصل طبعًا، وأن أقرأ القصيدة بصوت عالٍ، ففعلت، وصفق لي زملائي الذين لم يكونوا يرونني كثيرًا، بسبب السينما! ومن يومها أطلق عليَّ اسم "سمير الشاعر"، على غرار "أحمد الشاعر"، الاسم الذي كان يطلقه الطلاب المشاغبون الأربعة على زميلهم الخامس "أحمد"، الذي لعب دوره الفنان أحمد زكي في بداياته الأولى، في مسرحية مدرسة المشاغبين الشهيرة.

هذه كانت الانعطافة الأولى التي غيرت مجرى حياتي من ولد فلاح فقير يتعلم ليصير معلِّمًا، ويتزوج جارته، ويسكن في غرفة على السطوح في "دار" أهله، إلى شاب رأى الدنيا أوسع من قريته، وأصبح يحلم أحلامًا يجدها مشروعه ليكون رقمًا مهمًّا، ليكون مثل هؤلاء الذين يقرأ كتبهم ويتوقف أمام عباراتهم، يضع تحتها خطوطًا بالقلم الجاف، ويكتب تعليقات ناقدة، أو ينقل بعض تلك العبارات في "أجندته"، واضعًا اسم الكاتب تحتها، ليكوِّن حصيلة لا بأس بها من المعرفة.

الانعطافة الأكبر
الانعطافة الأكبر كانت حينما التحقت بكلية التجارة، كانت واحدة من كليتين افتتحتا في بنها، المدينة التي أخذت في التوسع والتمدن، وكانتا نواة جامعتها الكبيرة حاليًا. التحقت بكلية التجارة وليست كلية الآداب مثلًا؛ لأنه لم يكن هناك من ينصحني؛ فخريج الآداب غالبًا سيكون مدرِّسًا وأنا أكره أن أكون مدرِّسًا يشرح الدرس الواحد 20 مرة في 20 فصلًا، بآلية كروبوت، وكنت قبلها التحقت بالقسم العلمي-رياضيات بالثانوية العامة، وليس بالقسم الأدبي كما كان لازمًا.

في كلية التجارة بدأت مسيرتي الحقيقية في كتابة الشعر، والاقتراب من الوسط الأدبي في مصر، أولًا عن طريق دعوة بعض الشعراء المعروفين للمشاركة في الندوات التي نقيمها "بالعافية"، ثم الخروج من أسوار الكلية والمدينة الصغيرة إلى القاهرة القريبة، للمشاركة في أمسيات هنا وهناك، التي يقيمها شعراء معروفون في الجامعات وخارجها. وفي هذه الفترة أيضًا تعرفت على "نادي الأدب" الذي ينعقد بقصر الثقافة، وعن طريقه شاركت في أول مؤتمر أدبي.

الشعر ولد معي حين وُلدت، هكذا أردد دائمًا، فقد كنت مسكونًا بالموسيقى، وتصورت لفترة أنني مطرب، أو ممثل، لكن خروجي من القرية واتساع مجال الرؤية أمام عينيَّ عرّفني على نفسي بشكلٍ أفضل، فاكتشفت ذاتي وما أصلح له.

مع الموسيقى، ولدت معي هموم ومشاكل الفقر والضيق، ضيق المجال وضيق الأفق وضيق المساحات الزراعية وضيق التفسيرات الدينية عند شيوخ المساجد، هذه الأسباب التي رمتني في حضن الكتب، فقرأت وكتبت وتأملت في الكون وحركته ومشكلاته، حتى أصبحت ما أنا عليه.

 

 

المصدر : الجزيرة

21 Sep, 2020 05:03:16 PM
0

لمشاركة الخبر