آية قمق .. أمي.. لماذا بالغت بالغياب؟
آية قمق .. أمّي.. لماذا بالغتِ بالغياب؟
آية قمق
لم أعد أذكر كم يوماً مرّ على غيابك
ثلاثون
أربعون
تلك الأيام لم تعد تعني لي شيئاً
بدونك.. توقف الزّمن
لم أعد أطيق كلمات العزاء
وددتُ لو أخبر المعزين أنك.. هنا
ربما هناك
في المطبخ.. تعدّين لي الطعام الذي أحبّه أو تفكّرين بالأشياء التي أحبها..
أشياء بسيطة
لكنك كنت تحرصين على جلبها لي.. كأنني طفلة تنتظر ألعابها.
كنت «الظَّهر والسَّنَد».. تماماً كما كنتِ الأُمّ والأبّ
كنا في أغلب الأوقات.. وحدنا، وكنتِ تشعرينني أننا «عائلة كبيرة»
فيها الأُنس والشّغَب، الحب والنَّزَق
هل كنتُ «كل» عائلتك؟
هناك أخوتي وأختي.. كنتِ بارعة في توزيع قلبك علينا.. جميعاً.
لكن قدَري أنني بقيتُ الأقرب إليك.. أتعلّم منكِ الوفاء والصبر والمثابرة والصداقة الحقيقية.
..وكنتُ أقول لك: كأنكِ نسيتِ أنني كبرتُ وصرتُ صبيّة ؟
لكنه قلب الأُمّ.. وأيّة أُمّ!
وفي الليالي المُوحشة والباردة، كنا نتحول إلى توأم
نلتصق ببعض وتحكين لي الحكايات.. مُغمّسة بالحنان.
حتى زميلاتي في العمل وزملائي ورفاقي كانوا يسألونني عنكِ.. وعندما أقول: «أمي بخير.. بتسلّم عليكم..» كنتُ أشعر براحتهم.. فما دُمتِ بخير فأنا بخير.
كنتِ صديقتي التي لم تتخل عني يوماً ولم أتردّد من البوح بكل ما يُفرِحني أو يسعدني.. وكنتِ تحرمين نفسك من أشياء، فقط كي تلبّي رغباتي.
أيّة تضحية هذه..؟
كان للناس «أفراحهم» وكنتِ تناديني في برج «التفاؤل». وعندما عملتُ في «مهنة المتاعب»، وما بها من تناقضات ومناكفات ومتاعب، كان قلبك يحتويني.. ويمنحني «إكسير» الأمل بمستقبل أجمل.
ها أنا يا حنونة.. وحيدة إلاّ من ذكرياتك تسري في شراييني.. ها أنا أراكِ من حولي في الشارع والبيت وفي دفتر الملاحظات.. الذي كنتِ تصرّين أن أحتفظ به فأكتب ما أرى وما يقوله لي الآخرون ضمن عملي الصحفي.
لصوتك أشتاق ولرائحتك أحن وأفتقد دعاءك لي وأحتاج حضنك الدافئ.
أُمّي.. أرجوك، لا تطيلي الغياب.
المصدر:الدستور