غويا.. بورتريه من التناقضات
غويا.. بورتريه من التناقضات
بشر متوحشون، وعظام، وكائنات طائرة، وعمالقة، وسحرة، ومواضيع غرائبية عديدة طرقها الفنان الإسباني فرانسيسكو غويا (1746 - 1828) في رسوماته التي ظلّت موقع اهتمام النقّاد والباحثين حتى يومنا هذا، في محاولة لفهم "الحقيقة" التي كان يسعى للكشف عنها بحسب وصفه.
"غويا.. بورتريه للفنان" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً لمؤرّخة الفن الأميركية جانيس أ. توملينسون عن "منشورات جامعة برنستون"، ويفكك الصورة المتداولة حول الفنان كشخصية منعزلة مهووسة بالظلام والموت، عبر تقديم وجهات نظر جديدة حول بداياته، وحياته العائلية، ورحلاته العديدة، وصداقاته التي استمرت حتى رحيله.
تنطلق المؤلّفة من الأحداث والمحطّات الأساسية في عصره الذي تزامن مع تحوّلات كبرى أصابت إسبانيا، واضطرابات سياسية وتغيّرات في المجتمع وفي البلاط الملكي حيث عمل هناك لسنوات عديدة، إلى جانب غزو نابليون شبه الجزيرة الإيبيرية، حيث تعتمد على مجموعة واسعة من الوثائق منها رسائل ومستندات من البلاط الإسباني آنذاك، وكتيب الرسم الذي استخدمه غويا في السنوات الأولى من حياته المهنية.
تفكك المؤلفة الصورة المتداولة حول الفنان كشخصية منعزلة مهووسة بالظلام والموت
عناصر عديدة تعود إليها توملينسون من أجل تقديم صورة دقيقة عن الرسام والطبّاع متعددّ الأوجه، كما تحلّل بعض التجارب الشخصية التي خاضها وتركت تأثيرها البالغ في حياته، ومنها وفاة ستّة من أطفاله وإصابته بمرض عضال أفقده السمع في منتصف العمر، كما تعيد النظر أيضاً في التفسير الذي يتوافق حوله معظم الباحثين حول تعاظم شعوره بالخيبة في سنواته المتأخرة، من خلال التركيز على أعمال مهمة قدّمها، ومنها جداريات في منزله الريفي والمعروفة باسم "اللوحات السوداء".
الصورة
تلفت المؤلفة كذلك إلى جملة تناقضات عاشها غويا، إذ كان ليبرالياً متعاطفاً مع الثورة الفرنسية في بداياتها، ولم يكن في الوقت نفسه يحب شيئاً أكثر من الذهاب مع ملوك إسبانيا المتعاقبين والذين تمتعوا بسلطات مطلقة في رحلات الصيد، كما كان يعتقد أن التدريب الأكاديمي التقليدي عديم الجدوى، وأصر على أنه "لا توجد قواعد في الرسم" وأن الالتزام بالدراسة عائق أمام كل فنان.
ورغم مناهضته للكنيسة في مواقف عدّة إلا أنه كان مسرواً بتنفيذ عدد لا يحصى من اللوحات ذات المضامين الدينية، بحسب المؤلّفة، وكانت كثير منها دون المستوى الفني الذي تتمتّع به أعماله الأخرى، لكنه فعل ذلك إرضاءً للمتدينين، موضّحة في سياق مختلف أن تجربته المريرة مع المرض منذ عام 1793 هي التي قادت إلى تبنّيه رؤى مرعبة وإلى تسرب مشاعر الخوف إلى لوحته.
تتوافق توملينسون مع العديد من كتّاب سيرة غويا بأنه كان شخصاً معادياً بغريزته للسلطة من أي نوع، سواء في السياسة أو في الفن، لكنه كان يتمتع بغريزة قوية للبقاء تفسّر إلى حد ما مواقفه التي تبدو خلاف ذلك.
المصدر:العربي الجديد