مفكرة المترجم: مع محمد بن ساسي
مفكرة المترجم: مع محمد بن ساسي
تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أتمنى أن تواكب الترجمات العربية زخم إنتاج المعرفة في الجهات الأربع من العالم"، يقول الباحث التونسي في تاريخ العلوم لـ "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- ترجع بدايات حكايتي مع الترجمة إلى أولى سنوات تدريسي للفلسفة في التعليم الثانوي في فترة لم تكن الكتب المدرسية حاضرة بشكل ثابت، بعد اتخاذ قرار التعريب المفاجئ لمادة الفلسفة سنة 1975. جرت الاستعانة وقتها بالعديد من الأساتذة الذين درسوا في الشرق، أما نحن الذين تخرّجنا من الجامعة التونسية فقد جرى توجيهنا لتدريس الفرنسية، وقد بقيتُ أدرّس الفرنسية لبعض السنوات قبل أن أعود إلى تدريس الفلسفة وكان على من كان مثلي أن يتدبّر أمره مع النصوص التي تتناسب مع البرنامج المدرسي فنترجمها. هناك بداية ثانية، كانت مع عودتي للجامعة لإنجاز بحث المرحلة الثالثة في موضوع اختاره الأستاذ حمادي بن جاب الله وتضمّن البحث ترجمة نص لأوغست كونت بعنوان "قول في الفكر الوضعاني"، وتواصل الأمر مع تدريسي للفلسفة في التعليم العالي، وأعتبر أن انخراطي الأكبر في الترجمة بدأ في 2007 حين جرى بعث مؤسسة "المركز الوطني للترجمة"، والتي تسمّى اليوم "معهد تونس للترجمة"، وكان يشرف عليها الأستاذ محمد محجوب، وضمن هذه المؤسسة نشرتُ معظم ترجماتي.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها؟ وماذا تترجم الآن؟
- أشتغل مع الأستاذ يوسف بن عثمان في ترجمة كتاب حول الثورات العلمية. رغم صدوره منذ سبعينيات القرن الماضي، لم يُترجم لسبب بسيط هو أنّ العرب تهافتوا على كتاب آخر؛ كتاب "بنية الثورات العلمية" لتوماس كون فتُرجم على الأقل ستّ مرات، وساد اعتقاد بالاكتفاء من الترجمة ضمن هذا المبحث. أيضاً، في مجال فلسفة العلوم، أنا بصدد ترجمة العديد من المداخل التي تتعلق بالإبستيمولوجيا وبالعلوم الحديثة والمعاصرة من "الموسوعة العالمية" و"دائرة المعارف الإسلامية" التي يسهر "معهد تونس للترجمة" على نقلها إلى العربية.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- أشرفتُ منذ سنوات على إعداد كتب بعنوان "أيام في الترجمة" كانت تجمع ندوات حول الترجمة ويصدرها "المركز الوطني للترجمة". من خلال تلك التجربة، كنت ألمس غياب كل تنسيق في خصوص ما يجري اختياره من النصوص قصد ترجمتها. هناك مشكل في التنسيق بين المترجمين والمؤسسات، وهذا يؤدي إلى تضخّم في المفاهيم، وأقصد بالتضخّم وجود ألفاظ كثيرة تؤدّي معاني قليلة، إذا نترجم المفهوم الواحد من ثلاثة إلى خمسة مقابِلات في العربية. وهذه من القضايا التي اهتم بها الفلاسفة في عهد المأمون وكان من بينهم الكندي والفارابي. نحن في حاجة إلى جماعة علمية تقوم بالتدقيق في المصطلح ونحتكم إليها بالتالي في متابعة المصطلح وتدقيقه. كما توجد مسؤولية تقع على عاتق المترجم، حيث عليه أن يجتهد بالرجوع إلى ما استقرّ من مفاهيم اختارها العرب وتأكدت نجاعتها، وحين لا يجد في التراث القديم وفي من سبقوه ما يفي بالحاجة آنذاك عليه أن يأتي بالجديد.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أتعامل بكثير من الاحترام وكثير من الأريحية مع المقترحات التي يقدمها لي من يراجع ترجماتي. تعاملت مع مؤسسات لا تنشر أعمالاً إلا بعد مرورها بين يدي متخصّص، ناهيك بالتدقيق اللغوي.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- لم أجد مشكلة مع النشر، وقد يعود ذلك إلى تعاملي مع مؤسسات لها تصوّراتها الواضحة حول الترجمة ولها اختياراتها التي أجد ضمنها مساحتي كمترجم، كما هو الحال مع "المنظمة العربية للترجمة" أو "المركز الوطني للترجمة" في تونس.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها؟ وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- النصوص التي أترجمها ليست لها علاقة مع السياسة، فهي ضمن فلسفة العلوم. ربما لو كنت أترجم ضمن الفلسفة السياسية قد يصبح هذا السؤال أكثر أولوية.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- هي علاقة حوار، أي أنني وأنا أواجه نصّه أتحاور معه وأحاول أن أتبين مقاصده وأن أنقلها كما جاءت في سياقاتها إلى سياقاتنا نحن.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- ليس لي موقف محدد من المسألة. أفرح عندما يتحصّل صديق على إحداها، ففي ذلك اعتراف بمجهود ما. ولكنّي أجد أن هناك مجالات معرفية شبه مقصية من جوائز الترجمة، ومنها نصوص تاريخ العلوم.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية؟ وما الذي ينقصها برأيك؟
- أعتبر أنني اشتغلت ضمن مؤسسات في مجال الترجمة. المطلوب اليوم أن يتزايد عدد المؤسسسات وأن تنسق في ما بينها. لو نظرنا إلى وجه آخر من الترجمة، وهم المترجمون الذين يقترحون ترجماتهم على دور النشر المستقلة، فكثيراً ما نجد أن ما يقدمونه يتوفّر على مشاكل عديدة، من أبرزها في رأيي عدم الترجمة من اللغة الأصلية. دون أن ينفي ذلك وجود مترجمين مقتدرين يتعاملون مع دور النشر، ولكن بشكل عام يظل المترجم في حاجة إلى مؤسسة تؤطر أعماله وتنسّقها.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم؟ وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أوّل هذه المبادئ هو أن أكون جديراً بتعريب النص الذي أشتغل عليه. إن لم أكن قادراً على فهم النص لا أترجمه، بما يقتضيه ذلك من معرفة بالمصطلحات وفهم للسياقات. أعرف الفرنسية والإنكليزية، ولا أترجم إلا منهما. هناك مبدأ آخر أسير عليه، وفيه أهتدي بثقافتي حول نصوص التراث العربي القديم، في الفلسفة والعلم، حيث أقرّ المصطلحات القديمة كلما كانت كفيلة بأداء المعنى، وإن لم أجد أبحث في المتداول في ما جرت ترجمته، وإن لم أجد فحينها أجتهد.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم على أي نص ترجمته. ولا أعتقد أني سأندم على نص ترجمته، لأني لم أترجمه بحثاً عن الرزق وإنما كباحث وكمنتمٍ إلى حضارة. أُترجم ما أعتبر أن العرب في حاجة إليه.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية؟ وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنى أن تتكاتف المؤسسات في ما بينها وأن تتقاسم الأعمال حتى لا تترجم هذه المؤسسة ما ترجمته الأخرى. أتمنى أن تواكب الترجمات الزخم الحقيقي في إنتاج المعرفة في الجهات الأربع من العالم. ما يُترجم إلى العربية لا يزال دون المأمول. كما أتمنى أن نرى استثماراً جاداً في الترجمة فهذا الاستثمار لا يقلّ قيمة عن الاستثمار الاقتصادي.
بطاقة
أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية ضمن اختصاصات الإبستيمولوجيا والفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم. من ترجماته: "دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها" لـ جورج كانغيلام، و"الوجود والماهية والجوهر لدى أفلاطون وأرسطو" (بالاشتراك) لـ بول ريكور، و"مقالات في النمذجة وفلسفة العلوم"، و"في المنطق وفي نظرية العلم" لـ جون كافياس. ومن مؤلفاته: "دراسات في الإبستيمولوجيا"، و"ابن الهيثم: العالم الفيلسوف".
المصدر: العربي الجديد