Skip to main content
الباحث أسعد سليم: «الفلسفة» هى الطريق لنهضة حقيقية

الباحث أسعد سليم: «الفلسفة» هى الطريق لنهضة حقيقية

 

 

رغم دراسته للهندسة بجامعة المنصورة، إلا أن الفلسفة كانت للباحث أسعد سليم ومازالت شاغله الأكبر، فأخذ على عاتقه الكتابة حول قصة الفلسفة، حيث صدر الجزء الأول منها عن تاريخ الفلسفة الغربية، ويعمل حاليا فى الجزء الثانى الذى خصصه للفلسفة الإسلامية، وهو يرى أن الأدب وثيق الصلة بالفلسفة، حيث يسهم فى تلاشى جفاف الفلسفة، التى تعطى بدورها للأدب روحه وعمقه، وتكشف للإنسان طريقة التعاطى مع الحياة، كما يبحث فى آفاق الفلسفة ومدى ارتباطها بالواقع والقضايا الكبرى، وهى المنوط بها تشكيل العقول.

 

هنا حوار معه:

■ لماذا اتجهت إلى دراسة الفلسفة تاركًا مجال الهندسة؟

كنت منذ صغرى عاشقًا للفلسفة والأدب، لكنى التحقت بكلية الهندسة تحقيقًا لرغبة والدى – عامل البناء البسيط الذى كان حلمه الأكبر أن يرى أحد أبنائه مهندسًا- لكن عندما تحققت على المستوى العملى ووجدت فرصة لتحقيق حلمى الأكبر بدراسة الفلسفة لم أتركها فازداد شغفى وتعلقى بها.

■ أيهما أفاد الآخر أكثر الهندسة أم الفلسفة؟

ـــ دراسة الهندسة بطبيعتها تبنى العقول بطريقة تنظيمية محكمة، وتعتمد على البراهين لافظة كل ما هو غير علمى، ولقد استفدت منها أيما استفادة عند دراستى للمدارس الفلسفية المختلفة، وارتباط العلوم عامة بالفلسفة ارتباط وثيق لا يمكن فصمهما أبدًا، ولنا أن نتذكر أن كثير من الفلاسفة كانوا يشتغلون بالهندسة والرياضيات من أمثال الرائع «ديكارت».

■ صدر كتابك الأول تحت عنوان» رواية الفلسفة».. هل تتوفر فى الفلسفة تقنيات البناء الروائى من حيث الأبطال والأماكن والأزمنة ومعالجة قضايا المجتمع؟

لقد قررت التصدى لتاريخ الفلسفة الغربية فى كتابى الأول، واخترت له عنوان «رواية الفلسفة»، لأننى كنت أراها أمامى كشريط السينما التى تتقافز مشاهده أمام ناظرى بكل ما تحمله السينما من معانى درامية وتراجيدية وحتى الهزلية، إن أدبًا بلا فلسفة سيفقد روحه وحيويته ووجوده، ولذلك فإن أديبنا الأشهر نجيب محفوظ كان مهمومًا بالقضايا الفلسفية الكبرى وهو ما ظهر جليًا فى أعماله.

■ ولماذا اخترت الكتابة عن الفلسف الغربية تحديدا؟

ـــ لقد كان باكورة أعمالى رواية الفلسفة منصبًا بالدرجة الأولى على تاريخ الفلسفة الغربية لأنه لا يمكننا التطرق للفلسفة الإسلامية دون فهم أسس الفلسفة الغربية، وها أنا ذا أعمل الآن على كتابى الثانى عن الفلسفة الإسلامية، والذى سيحتوى على فصول متنوعة ستضم الفلاسفة الأوائل مثل الكندى والفارابى وابن سينا ثم سأخصص فصلًا كاملًا عن الإمام الغزالى ومعاركه الشهيرة ثم سنتعرف على أفكار ابن رشد، ولا يمكننا نسيان الفلسفة الصوفية عند الحلاج والرومى وابن عربى وصولًا للفلاسفة المعاصرين أمثال محمد عابد الجابرى ومحمد أركون وحسن حنفى ونصر أبو زيد.

■ وكيف كان منهجك فى الكتابة؟

ـــ الفلسفة بناء، ولقد التزمت ببناء الهيكل التاريخى للفلسفة بشكل تراتبى على هيئة حلقات متصلة حتى يتمكن القارئ من الإلمام بكل المدارس الفلسفية وكيفية نشأتها وتطورها ومدى ارتباطها بالمدارس الأخرى.

■ ما سبب صعوبة فهم الفلسفة للقارئ البسيط؟

ـــ تبدو الفلسفة معقدة على مستويين، الأول: هو الأفكار والثانى: هو الصياغة، لقد ابتلى العالم بفلاسفة عباقرة لكنهم كانوا يفتقدون للحس الأدبى فى صياغة عباراتهم، ولذلك كانت تأتى كتاباتهم جافة وعصية على الفهم ولعل الترجمة أيضًا لعبت دورًا سلبيًا فى ذلك، ولقد اكتشفت أن معظم من يعمل بالفلسفة يصاب بمرض أسميته غرور المصطلح وكأنهم لن يكونوا فلاسفة إلا بالتقعير وإطلاق المصطلحات الغير مفهومة فى كل اتجاه، لكننى أرى أن الفلسفة من حق الجميع وأنها السبيل الأول لنهضة حقيقية إن أردنا ذلك بصدق ولهذا فاقتصار الفلسفة على الأكاديميين فقط هى حربى المستمرة المستعرة حتى تصل الفلسفة لعقول وقلوب البسطاء، ولعل محاولتى التبسيط دون الإخلال فى رواية الفلسفة، هو بداية الطريق الذى لن أتركه ولن يتركنى أبدًا.

■ ما سبب انفصال الفلسفة عن غيره من العلوم؟

ـــ العلماء دائمًا كانوا بحاجة للفلاسفة أمامهم، فأى مشروع علمى هو بالأساس فكرة فلسفية نظرية يأتى العلم ويحاول اثباتها رياضيًا، ثم تحويلها لتطبيق يستفيد منه البشر كافة، كان هذا هو المنوال الذى سارت عليه السنن الكونية والبشرية منذ الأزل، إلى أن تعثرت الفلسفة وتوقفت عن تطوير آلياتها فسبقها العلم بخطوات هائلة وانزوت المسكينة فى ركن صغير يسمى «الأبستمولوجيا» أى المعرفى، وظلت تدور حول نفسها فى قفزات لا تؤدى إلا إلى فراغ، حتى استنهضت نفسها جزئيًا وعادت لمحاولة قيادة العلم مرة أخرى كـ»أم للعلوم» كما كانت.

■ رغم أن الفلسفة علم محترم إلى حد التعظيم والتوقير لكنها فى نفس الوقت مصدر للتخوف من «شطحاتها» وتطرفها.. كيف نضبط هذه المعادلة؟

ـــ هذا ما يتم الترويج له، لقد تم تشويه سمعة الفلسفة بربطها بالالحاد والبعد عن الدين، وهى عن ذلك أبعد وأنقى، كل مشكلة الفلسفة أنها لا تقبل بالمسلمات قبولًا أعمى بل تحلل وتفكك وتناقش وتركب حتى تصل لافتراضات مقبولة عقليًا، إن مناقشة الفكر السائد ومحاولة إقامة فكر منطقى بديل هو غاية الأديان ولطالما عانى الأنبياء من أجل بث أفكارهم ومحاولة إقناع الآخرين بها، إن الإنسان أسير بيئته ومجتمعه ولن تتطور الأمم إلا بأفكار ثورية قد يقف ضدها الجميع فى البداية، لكنها سرعان ما تصبح أصيلة ومتقبلة على المستوى العقلى والإنسانى.

■ إذا كان الفلاسفة يبحثون عن الحقيقة فلماذا يختلفون؟ أليس من الواجب أن يتعاونوا أو يتفقوا؟

ـــ أى حقيقة؟ لقد أثبتت الفلسفة أن كثيرًا مما كنا نعتقده حقائق ثابتة أزلية لهى من الوهم الخالص، إن امتلاك اليقين المطلق أصبح سرابًا، هل يضمن أحد شروق الشمس بالغد؟

مشكلتنا الحقيقية أن بعض تجار الدين يبثون أفكارًا - عفى عليها الزمن- بعقولنا ليل نهار ويريدون لنا أن نصدقهم ونتبعهم، فى حين أننا لو أعملنا عقولنا لبرهة لاكتشفنا كم الأكاذيب التى يروجون لها، إن كل معارفنا تسقط لو تم تعريضها للفحص الدقيق فلماذا يفرضون علينا صفحات من كتب صفراء قديمة مر عليها أكثر من ألف سنة وكتبت فى ظروف معينة لأغراض معينة بدعوى الحفاظ على التراث.

■ هل يوجد لدينا فلاسفة مصريون؟

ـــ لقد مرت الفلسفة المصرية بثلاث مراحل: الرعيل الأول تمثل فى مصطفى عبد الرازق وزكى نجيب محمود وعبد الرحمن بدوى وعثمان أمين والأهوانى والنشار حيث قاموا بوضع اللبنة الأساسية للفلسفة حسب ما توفر لهم فى ذلك التوقيت، يليهم جيل الوسط الذى مثله حسن حنفى ومراد وهبة وفؤاد زكريا ونصر أبو زيد، وهؤلاء لعبوا دورًا بارزًا فى محاولة إضفاء الطابع المصرى على الفلسفة ومحاولة الخروج من أسر التراث، أما الجيل المعاصر المتمثل فى محمد عثمان الخشت وحسن حماد وبهاء درويش فإنهم يلعبون دورًا كبيرًا فى الترويج للفلسفة ومحاولة إيصالها للجميع.

■ كيف يمكن للفلسفة أن تساهم فى بناء بلدنا؟

ـــ العقول نوعان: عقل اعتقاد وعقل انتقاد، وإذا قدر لأمة ما أن تنهض، فذلك لن يتم إلا بقدرتها على استنباط نوعية وسطى من العقول لا تذعن ببراءة لكل ما يقال، ولا تنتقد ببساطة كل ما يرى، والفلسفة هى المنوط بها تشكيل العقول، إن تاريخنا الضارب فى الأعماق والذى نفخر ونتباهى به جميعًا يمكنه أن يصبح حاضرًا مشرقًا ومستقبلًا زاهرًا وذلك بجعل التعليم مشروعنا القومى الذى نجوع من أجله ونبذل الغالى والنفيس حتى تخرج أجيال قادمة ذو عقليات فلسفية علمية مختلفة تستطيع قيادتنا للمستقبل المرجو.  

 

 

 

المصدر: صحيفة روز اليوسف

 

01 Dec, 2020 04:01:48 PM
0

لمشاركة الخبر