Skip to main content
جهاد العامري تأملات في معرض ظل مفقود

 جهاد العامري تأملات في معرض ظل مفقود 

 

د. توفيق شومر/ الجامعة الأردنية
استوقفتني لوحات الفنان الأردني جهاد العامري في معرضه: «ظل مفقود» في دار الشرق، لما فيها من تعبير مشوق عن فضاءات الجسد. فقليل من الفنانين يتمكن من أن يستنطق الجسد، فهناك فارق كبير من أن يستخدم الجسد كلحم معروض، وبين أن يتم استنطاقه للتعبير عن الكل، كتعبير عن لغة يمكنها أن تتحدث إلينا ويمكنها أن تفتح آفاق الجسد وآفاق القول المُعبَّر عنه في هذا الجسد.
تمكن العامري في معرضه من استنطاق الجسد بحق، ومن استكشاف إمكانات الجسد، وإمكانات أن يكون الجسد لغة بحد ذاتها، لغة للأفكار ولغة للتعبير ولغة لمكنونات النفس، انها اللغة التي لا يستطيع العقل وحده أن يعبر عنها، أنها اللغة التي تتجاوز منطوقات الكلمة.
هذا وتمكن أيضاً، من خلال لوحاته، من أن يربط ما بين هذا الجسد وفضاءات الفكر وفضاءات العالم المحيط، أنه إنكشاف للعالم في لوحات جميلة. غرناطة حاضرة في لوحات العامري، غرناطة التاريخ وغرناطة المكان وجمالياته الحاضرة اليوم، غرناطة وما تمثله من قوة وعظمة وغرناطة الانهزام، غرناطة الذكرى وغرناطة الأمل كلها تعبيرات تجدها لامعة في فضاءات لوحات العامري.
إن هذا المعرض لجهاد يعكس في الحقيقة إمكانات هذا الفنان الأردني، الذي تمكن من توظيق عدداً هائلاً من التقنيات الفنية في لوحاته وتمكن من أن يفرض نفسه فنانا متميزا قادرا على تقديم اللوحة الفنية والفكرة الفنية ملتحمة مع البعد الفلسفي والحضاري في نسق منسجم من خلال هذه الأعمال.
أعتقد أن هناك لوحة، هي اللوحة الأساس في هذه المعرض، وأعتقد أنها هي اللوحة التي تعكس عمق البعد الفلسفي لهذه المجموعة الفنية. ففيها يستطيع العامري أن يلضم معاً ثلاثة فضاءات معا خلال لوحته: فضاء الفكر منغمساً في ذاكرة غرناطة المكان وغرناطة الزمان، في ذاكرة عظمة غرناطة وجمالها، فالزمان والمكان يلتقيان في فضاء العقل الذي يخرج متسامياً من جسد يتأمل ذاك الفضاء، جسد يعبر عن إزدواجية، إزدواجية تعبر عن الحزن والفرح، عن الأمل واليأس، تعبر عن الماضي والحاضر، أنها تلك الأزدواجة التي تمكن العامري من التعبير عنها ببساطة هائلة عبر رسمه لوجهين، أحدهما حزين ينظر إلى الحاضر نصفه متشاءم (اللون الأسود) ونصفه ينظر إلى مستقبل أكثر أشراقاً، والوجه الآخر ينظر إلى غرناطة الماضي، بما فيها من ثقافة عربية شهدت عظمتها في غرناطة الأمس، بملامح غائبة هي غياب هذا الماضي عنا.
وجسد هو الفضاء الثاني، جسد مليء بإنكشافات كثيرة، تعبر عن عوالم وأماكن، جسد مفعم بالأفكار، لا تجد زاوية من زواياه لا تملك فكرة جديدة أو تعبير عن شيء يستحق الرؤية ويستحق التأمل، أنه جسد الانكشاف، انكشاف كامل على فضاءات الأزدواجية التي تحدثنا عنها. وهذان الفضاءان يتمركزان في فضاء ثالث هو فضاء الحاضر وما فيه من ألم وفرح، ومن أمل وحسرة، من جمع للمتناقضات، كل هذا تعبير أتقنه جهاد العامري عبر هذه اللوحة الرائعة، والتي أجزم أنها جوهرة المعرض. أنصح كلا منكم بزيارة المعرض والتمتع بجمالياته والتأمل بمعانيه وبقدرة الفنان جهاد العامري على التعبير باستخدام فضاءات الجسد الملقى في هذا العالم.

 

 

 

 

المصدر: الدستور 

07 Dec, 2020 11:41:13 AM
0

لمشاركة الخبر