Skip to main content
المرآة.. في حياة الكاتب

المرآة.. في حياة الكاتب

 

د. مهند غازي الزامل
لا شكّ أنّ هناك تلازُمًا حِسيًّا ومعنويًّا بين المَرْأة والمِرْآة، كما أنّ هناك تَشابُهًا لفظِيًّا كبيرًا بين الكلمتين، لكنني في هذه العُجالة لن أتحدَّث عن المِرآة حديث الأنثى التي ترى فيها جُزءًا مِن مُقوِّمات جمالها وأنوثتها، بل سأتجاوز ذلك إلى مفهوم آخر للمِرْآة، وفوائد أخرى نستفيدُها من هذه الأداة في ميدان هام وهو ميدان الكتابة وتقويم سُلوك الكاتب، وعلاج بعض النقاط في منهج الكتابة.
فعلى الرَّغم من كثرة ما كُتِب ويُكتب حول أهمية نبذِ الفرقة والاختلاف في صفوف مشروعنا الحضاري الثقافي وذمِّ الاشتغال بالنَّقدِ الهَدّام، وكيْل الاتهامات والتشهير بالأخطاء؛ إلا أنّ هذا الموضوع يظلُّ بحاجةٍ إلى المزيد من الطرح الإعلامي الهادف لضرورة الحَدِّ من هذه الظاهرة المُزعجة كُلَّ غيور في مسيرة الكتابة..
وواجبٌ على كُلِّ قادرٍ علة إنكارها أن يقوم بما أوجبه الله عليه من مَحْضِ النصيحة لدين الله ولعامّة الناس. فالمؤمن مرآة أخيه، وللتعبير بالمِرْآة دلالات عميقة وإيحاءاتٍ لطيفة يُحسِنُ بنا أن نتلمَّسَها ونتمسَكُ بها؛ فما أحْوَجَنا مَعشَرَ الكُتاب إليها، ومن ذلك:
أنّ الأصْلَ في المِرآة أن تعكِسَ الصورة الظاهرية للآخرين، دون النّفاذ إلى البواطن؛ وهكذا المؤمن تجاهَ إخوانه يراهم كما هم، يقبل ظواهرهم، والسّرائر ليست إليه؛ بل هي إلى بارئها – عزّ وجل- هو وحدَه يتولاها؛ وهذا هو المسلك النّظيف في الحُكم على الأشخاص... ولا يمنع من النّقد لكن دون ذِكْرِ أشخاصٍ أو هيئاتٍ أو أجناس...
حينما تكون المِرْآة صافية فإنّها تنقُل الصورة كما هي دون تغييرٍ أو تشويه، أمّا حينما يعلوها الغبار أو تتلطَّخ بالأقذار فإنها تعكس ما بها من كَدَرٍ على الأشياء الجميلة، فتبدو سيِّئة، لا في الحقيقة ولكن بسبب كَدَرِ المِرآة... وهكذا النّفس البشرية، فهي حينما تصفو من الأدران المعنوية والأمراض القلبية كالبُغضِ والحَسَدِ وحُبِّ الظهور؛ فإنّها تنصفُ الآخرين وتراهم بما فيهم من غير تشويه أو تغيير، ولكن حينما لا تتلطّخ النفوس بالأدران، وتمرض القلوب بالأدواء فلن تصفو صورة الآخرين لديها، كما هو حال تلك المِرآة المُلطّخة، فلا بُدَّ صَقل القلوب كما تُصْقلْ المِرآة، لئلّا نظلم الآخرين ونظلم قبلَ ذلك أنفسنا...
ومن لطائف هذا التعبير أنّ المِرآة لا تكتمُ القبائح والعيوب؛ بل تُجَلِّيها وتُظهِرُها، ولكن ليس لكُلِّ أحد؛ بل حينما يُطلّ عليها صاحبها؛ وهكذا المؤمن ينصح أخاه ويُبَصِّرُه بعيوبه ويستُر عليه دون تشهير أمام الآخرين وُفق ضوابطِ الكتابة المعروفة.
ومن اللّطائف أيضًا : أنّ المِرآة تتعامل مع الناس على حَدٍّ سواء؛ فلا تُفرِّق بين صديق وغيره، بل تُنصِف الجميع فلا تزدادُ بهاءً وصفاءً مع صديقٍ أو قريبٍ؛ كما لا تتعامى عن عيوبه مهما بلغ قُرْبه منها ... وهكذا بجبُ على الكاتب المِغوار أن يكون؛ فلا يتعامى عن عيوب من يُحبّه أو يُوافقه، ويُضخِّم نقائص من يكرهه أو يُخالفه في الرأي؛ فالعدلُ مطلبٌ على كُلّ الأحوال.
وتِلْكُم بعض الدروس واللّطائف من هذه العبارة التي تترددُ على ألسِنةِ الكثيرين منا دون فهمٍ لِمَعناها أو تطبيقٍ لمُقتضاها، وهي دعوة جديدة لنَسْلُكَ هذا المسلك في التعامل مع الآخرين...

 

 

 

المصدر: الدستور

10 Dec, 2020 12:10:17 PM
0

لمشاركة الخبر