حسين العموش رواية أبناء الوزارة صور إنسانية واقعية ضمن بناء سردي لافت
حسين العموش رواية أبناء الوزارة صور إنسانية واقعية ضمن بناء سردي لافت
في نظرة شمولية نلاحظ تزايد نسبة اللقطاء حديثي الولادة في العالم العربي، نرى منهم من هو على قيد الحياة، ومنهم قد فارق الحياة لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال: من يتم العثور عليهم بأكياس بلاستيكية أمام المساجد مثلا، أو بجانب حاويات القمامة، حالات مزرية ويرثى لها، وهذا يتأتى من خلال علاقات غير شرعية.. والسبب أن الأب الشرعي وكذلك الأم يتخليان عن هذا المولود خوفا من العار أو الثأر فيتم التخلي عن المولود الذي يعدّ ضحية الأب والأم معا، في النهاية يتم العثور على هؤلاء اللقطاء الأطفال غير الشرعيين ويتم إرسالهم إلى دور الرعاية وتنمية اجتماعية تابعة لكل دولة.
أردت من هذا الاستهلال الولوج إلى عوالم الروائي الأردني الدكتور حسين العموش وروايته «أبناء الوزارة» الصادرة حديثا عن دار وائل للنشر والتوزيع في عمان، يأتي هذا العمل بعد روايته «رجال للبيع» و»التلعة» و»سلامة الحافي».
أحداث رواية «أبناء الوزارة» تدور في مؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية في مدينة إربد شمال الأردن، في هذا العمل الروائي اللافت يسلط الروائي العموش من خلال سرده لقضية باتت ملّحة في مجتمعاتنا العربية والتي لم تنل أي اهتمام أو عناية ولم يلتفت الأدب العربي إليها إلا ما ندر.. فالعمل الروائي والقصصي ربما مرّ على هذه القضايا مرورا دون تشخيص أو إفراد عمل سردي كاملا، لذلك نجد أن الرواية العربية أخذت في البحث والتقصي للقضايا الاجتماعية والإنسانية الأكثر توجعا والمخفية في هذا الواقع المرير والمريض بالقسوة، فالروائي المستنير ومن خلال رؤيته الفاحصة والثاقبة لهذا الواقع الأكثر تأزما يعمل فكره في كشف ما يعتمل داخل هذا الواقع من قضايا الإنسان فيبني شخوصه وحركته بما يعتريها من تشوهات وتهميش كمجتمع اللقطاء الذين أصبحوا غير مقبولين في محيطهم الإنساني.
عبر «أبناء الوزارة» رسم د. العموش لنا شخصيات روايته من جوانية المجتمع بتقديم صورة واقعية عن شريحة أو فئة من الناس، ضمن بناء حكائي لافت فكان لكل شخصية حالتها وتفاصيلها النفسية التي خلقت فيها بحكم الظروف التي انعكست وتماهت معها ضمن رؤية درامية وتراجيدية حللت كل شخصية، بحيث يرى المطلع على الرواية أن شخصيات الرواية المركزية وغيرها جاءت في بناء محكم وحركة تفضي إلى عوالم تم كشف عنها بذكاء روائي مبهر، حيث يبرز لنا العموش في روايته شخصية «سارة» وهي شخصية مركزية تمحورت أحداث الرواية حولها وحول «غيث» بطلي الرواية، فنجد سارة الشخصية الأكثر توهجا وسطوعا والأكثر تعنيفا وتعرضا لبعض الاهانات والقسوة والتوبيخ من بين اللقطاء في الرعاية الاجتماعية، سارة التي وجدت نفسها رغما وليس باختيارها أو رغبتها وسط عالم غريب عنها، كانت ثمة أسئلة كثيرة تدور في خلدها وتسيطر عليها، كيف وصلت الأمور بها لتكون في هذا المحيط؟ وكيف آلت الظروف والمعاناة لأن تجد نفسها في بيئة أكثر توبيخا وتعنيفا لا تعرف الرحمة والشفقة ..بيئة طابعها الاضطهاد والقسوة في معترك الحياة.. تلك الأسئلة وغيرها كانت سارة تبحث عن حل أو عن اجابات شافية حين أخذها شغفها وحبها لـ علي وغيث وأيهما تختار، علي الذي لم تر فيه غير التصرفات والأفعال غير المرضية بالنسية لها ولحياتها ورغم كل ما رأته في شخصيته الغريبة إلا أن قلبها كان شغوفا به وأكثر استمالة له.
في هذا العمل الروائي نلاحظ أن الروائي الدكتور العموش كان الأقرب إلى أجواء شخوصه وتمكن من الاطلاع على كيفية معاملة النزلاء من اللقطاء في تلك الدور ليتمكن من سبر أغوار كل شخصية والوقوف على ملامحها، فكان السارد الماهر والمثقف الذي استطاع أن يشدّنا ويشد القارئ إلى سرده ولغته المشحونة بالشعر والتعابير التي أعطت الرواية بعدا فنيا وتقنيا، لغة استطاعت أن تواكب وتناسب وقائع كل حالة في دار الرعاية الاجتماعية ويوظف كل شخصية ببراعة وتقنية عالية مكنته من الإمساك بخيط الروي ليصور ويضيء الجوانب المعتمة في حياة هذه الشريحة المنبوذة في مجتمع لا يرحم.
الرواية بحاجة إلى أكثر من إطلالة أو دراسة؛ لأنها تعد من الروايات الأكثر واقعية والأكثر التصاقا بالمجتمعات، رواية تشي من عنوانها الأكثر مباغتة يحيلك إلى دلالات و معان عدة، «أبناء الوزارة» رواية تجعل المتلقي يمضي رغما عنه ليفك أغوارها وأبوابها ونوافذها ليقف على هضابها وتلالها التي تعج بالأحداث ليقرأ ما يعتمل فيها من وجع وألم وكي يقف على كل دلالة ومعنى رمز إليه الروائي و إلى أهمية المكان وشخوصه.
تعد رواية «أبناء الوزارة» للروائي الدكتور حسين العموش رواية المسكوت عنه في مجتمع صادم لا يعترف بمعنى الحياة والحب، رواية هادفة تكشف عن بواطن عالم منسي ..عالم حَكمَتُهُ الظروف الاجتماعية فضاع في مستنقع حياة تغلفها السوداوية والقسوة.
المصدر: الدستور