Skip to main content
خالد بدوى "مملكة الهالوك" رواية عن المهاجرين وأحزانهم

خالد بدوى "مملكة الهالوك" رواية عن المهاجرين وأحزانهم

 

 

ننشر دراسة أدبية للكاتبة سمر شريف عن رواية "مملكة الهالوك" لـ خالد بدوى، والتى تناولت حياة الصعبة التى يعانى منها الكثيرون الذين يتركون بلدانهم بسبب الفقروالحاجة.

 

وتقول الدراسة:

 

تسرد الرواية تفاصيل حياة المهاجرين.. ورغم تخصيص الكاتب للبطل بكونه من صعيد مصر وهجرته إلى أطراف العاصمة، إلا أن من يتتبع الأحداث، نجد تشابهها مع حياة معظم المهاجرين والمطرودين بعيدًا عن أوطانهم.. سواء برغبتهم فى حياة كريمة وأفضل.. أو الهروب من الفقر والمرض.. أو بسبب ظروف وكوارث مثل الزلازل وتهدم البيوت نتيجة لسوء حالتها!!

 

 السرد

 

النص السردى عن الكاتب مطعم بثقافة موسوعية ضخمة.. تشمل اللغة التى شملت التراث، والعصور الوسطي، واللغة الحديثة بطبقاتها.. (فصحى ..عامية ..وسيطة) كما يدخل فى النص طاقة قوية.. بعبارات بليغة وأمثلة وحكم.. وهذا جعل النص يتميز بالكثافة وعمق الفكرة والاستعانة بالعلوم والنقد فى بناء سردى سريع وكثيف دون حشو.

الناقدة سمر الشريف
الناقدة سمر الشريف

 

الزمن

 

يعتمد الكاتب على الزمن الدائري.. فهو يستخدم الفلاش باك بصراحة.. فنجد شبيه بأسلوب الراوى على القهاوى فى العصر الماضى فى البلاد النائية.. وهذا نوع من البلاغة المرتبطة ببيئة الرواية.. فالكاتب يتعمد استخدام أنواع بلاغية تدخل القارىء بشكل خفى إلى عالم وطبيعة بيئة هؤلاء البسطاء الذين يملكون تراثًا وثقافة بسيطة تربطهم بأوطانهم.. لكن تلك الثقافة يتم سحقها أمام المجتمعات العمرانية المعقدة الثقافة.. والتى تشجع وتحترم الثقافات الخاصة لكنها ثقافة مرتبطة ببيئتها.. فإذا هاجر صاحبها.. أصبحت تلك الثقافة غير مفعلة.. بل تصبح أحيانًا سببًا فى فصل المهاجر عن واقع بيئته الجديدة.. وتؤدى إلى الانهيار والفشل.. قد تقلل تلك الثقافات الخاصة من الانهيار السريع.. لكنها فى النهاية تكون عبأ وحاجزًا بين المهاجر والاندماج مع المجتمع الجديد.

 

أسلوب الكاتب

 

عندما نقرأ تلك الرواية نجد أننا أمام ذلك الفرع من الدراسات الثقافية التى انتشر فى بريطانيا فى الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.. فهذا الدراسات تهدف إلى دراسة المجتمعات والجمعات المهمشة والبعيدة عن التركيز الإعلامى بسبب انعزالها وانغلاقها على نفسها لأسباب ترجع إلى الفقر وقلة التعليم وعدم توفير خدمات صحية وحقوقية تعتنى بهم ..

هذه الدراسات الثقافية تثبت تفاعلات بين المجتمع محل الدراسة وبين السلطة ونظم السيطرة.. فمن خلال تلك الرواية نجد أن الدراسات الثقافية تتصل بشكل مباشر مع تلك الرواية التى لانستطيع تحليلها من منهج وزاوية واحدة.. بل هى لها علاقة بتخصصات مختلفة: النظرية الاجتماعية والاقتصاد السياسى والنظرية الأدبية ولغوية وسيميائية والماركسية والبنيوية.. وكيف يتم توليد المعنى فى تلك المجتمعات.

لقد قدم الكاتب "خالد بدوى" فى روايته (مملكة الهالوك) تلك الدراسات الثقافية عن طائفة  "السريحة" فى مجتمع المهجرين.. بكل ماذكرناه من مجهود علمى تحليلى يتطلب دراسات وبحث فى تلك الطائفة.. لا يتوفر للدراسات العابرة.. أو الدراسات الجزئية التى تهتم بجانب منفصل عن الكل.. كما يحدث فى معظم المناهج العلمية والنقدية ..

إن الدراسات الثقافية عن مجتمع وطائفة مهمشة وفقيرة وتنتشر فيها الجهل والأمراض والأوبئة.. يجعل الرواية تحتاج من الكاتب مجهودًا علميًا يعتمد على فهم ووعى للأسس العلمية والنظريات والفلسفات التى تدرس الإنسان والتحلل الذى يرتبط بالفئات الخاصة.. لذلك نجد مصطلحات اجتماعية ونفسية منتشرة على طول الرواية .مثلا ص35(عامين من العزلة الروحية والنفسية) ص 37 (لمرورى بهذه الحالة من عدم الاتزان فى كل شىء)

كما نجد التحليل الاجتماعى وارتباط الطوائف المهمشة بالسلطة والسيطرة فى أخو البطل الذى تأدبه السلطة بأبشع الطرق.. ويحدث الصدام.. لكن السلطة تسحقه ويصبح الأمل أن يلتحق أحد بالسلطة.. والطريق الذى يسلكه هؤلاء للخروج من تلك المعاناة.. وهنا نجد قصة تشبه قارون الذى كان من أهل النبى موسى (عليه السلام) لكنه إلتحق بأعاده بهدف السلطة والمال وببعض الخدع والغش.

رواية مملكة الهالوك
رواية مملكة الهالوك

إن هذا النوع من الروايات يعد من الروايات المبشرة بظهور عصر جديد من الكتابات الرواية.. كما يبشر بظهور نقد يستطيع أن يلاحق هذه الخطوة الكبيرة فى التأليف والإبداع الأدبى العربى المصرى ..

وإذا قمنا بالتحليل الثقافى لهذه الرواية من الزاوية الأسلوبية والبنيوية نجد أن الكاتب "خالد بدوي" قام بعمل تحدث عنه علماء اللغة كثيرًا.. لكن كان تنفيذه صعب جدًا.. فهو يطوع اللغة والاصطلاحات فى إطار طائفة  شعبية "السريحة" بطريقة أدبية تعتمد على منطق جمالى ووظيفى ودلالي. يسهل أن نجده فى الدراسات النظرية.. ويصعب أن نجد له تطبيق عملى وأدبى إلا نادرًا.

فهو يستخدم كتاب "طوق الحمامة" وعبارات مقتبسة منه (لم أر حقًا أشبه بباطلٍ ، ولا بباطل أشبه بحق من العشق) والكتاب لفقيه من أكبر علماء الاسلام هو ابن حزم الاندلسى توفى (1064) عاش فى قرطبة بأسبانيا.. ومن هنا استخدم الكاتب عبارات عربية مكتوبة بأسلوب الفقهاء فى تقسيم المسائل، وصياغة العبارات بشكل مسائل فقهية وتعبيرات فصيحة مجملة.. ونجد آيات من القرآن والأحاديث.. وهذا الأسلوب يتناسب مع أهل الصعيد ولغتهم التى تقترب من الفصحى العربية وبلاغتها.. وترديد بعض المصطلحات العربية القديمة حتى بين  العامة غير المتعلمين.. وهذه ملاحظة ذكية من الكاتب.. وتطلب عمق فى الدراسات اللغوية والأسلوبية لمنطقة الصعيد فى مصر .

نجد مصطلح مثل " معجباني" ص 83 ويفسره (شديد الاعجاب بنفسه) مصطلح عامى يستخدمه السريحة. وهنا لايقصد الكاتب التغريب والغموض، بل يستخدم اللغة ويطوعها بمستوياتها لخدمة وصف البيئة فى نقاط إضاءة كاشفة ..

ورغم وجود بعض الفقرات التى يعيدها كاملة.. إلا أن الكاتب يستخدم بلاغة التكرار البلاغى المشهورة فى اللغة العربية كوسيلة للتركيز على عبارات بعينها ولفت الأنظار لأهمية المحتوي.. فالكاتب يأخذ من معجم لغوى غني.. وعنده وعى بتوظيف اللغة فى خدمة أغراضه البلاغية.. لذلك التكرار الواضح هو مقصود بلاغى ..

كما أن البطل "حارث" وتطورات الشخصية لا نستطيع وصفها بالمأساة.. فالمصطلحات القديمة والنقد التقليدى لانجد له سلطة فى تلك الرواية التى تتحدث بحداثة وتطور يفوق النقد التقليدى ومصطلحاته وتحليله.

(ص 16) نجد الكاتب يصف بشكل تاريخى السبب لإنشاء تلك الأماكن الخاصة بإيواء المهجرين.. ولكننا نجد أن هذا الوصف وتطور المكان وتحليله يكشف لنا أن هذا المكان موجود مثله بتطوراته ومشكلاته فى جميع أنحاء العالم وخاصة المدن الكبيرة المزدحمة.. والتى تكون العمالة فيها رخيصة.. ووجود الجريمة والغش التجارى والمشكلات التى أو ما تصيب.. تصيب هؤلاء المهجرين ..

لقد استطاع الكاتب فى تلك الرواية تقديم عملاً أدبيًا قوى البناء، عميق التحليل، ذو فكر ومنهج وأسلوب خاص الكاتب ينحت لغة خاصة به.. رواية "مملكة الهالوك" عملا مبشرًا بعصر جديد من الكتابة الرواية المنافسة للانتاج العالمي.

 

 

 

المصدر: خبر مصر 

05 Jan, 2021 11:27:48 AM
0

لمشاركة الخبر