تساؤلات حول النقد الأدبي بين أساتذته ودعاته
تساؤلات حول النقد الأدبي بين أساتذته ودعاته
إنني أتساءل: هل النقد مهنة؟ هل النقدُ يؤتى لكل من اشتهاه؟ هل كل باحث يصلحُ بأن يكون ناقدا؟ كيف يتم ولادة الناقد؟
بدأت الساحة الأدبية العربية تزدحم بالمقالات من هنا وهناك ممن أرادوا ركوب موجة الأدب والنقد متناسين أن لهذه الفنون الأدبية والنقدية تحديدا أهلها ودارسيها من أهل الذائقة السليمة والحيادية في النقد واتباع الأساليب العلمية المتخصصة في ذلك، مما أظهر كثيرا من النشاز والإشمئزاز في طريقة البحث والطرح واستسهال الأمر والتسارع للنشر من هنا وهناك دونما مراعاة لأخلاقيات وموجبات البحث العلمي أو الأساليب النقدية الصحيحة والمتزنة المتقنة. بل وتجرأ العديد من مثل هؤلاء من مدعي النقد والبحث العلمي استخدام المقالات المنشورة مسبقا في الشبكة العنكبوتية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما عليهم سوى النسخ واللصق من كل مقال نقدي أو موضوع مقتطف على سياسية الترقيع حتى لو كانت المعلومات التي تم الرجوع إليها غير دقيقة ومغلوطة، بل وأصبح لمثل هؤلاء الدخلاء من يتبعهم ويسيرُ على نهجهم ويشجعهم لمجرد ذكر اسمه أو التغني به وبأحد نصوصه في إحدى هذه المقالات الموبوءة، وفي المقابل أرى عند أستاذتنا والمختصين في المجال الأدبي والنقدي الذين تتلمذنا على أيديهم وعشقنا اللغة بمساندتهم التردد وإعادة النظر لأيام ومن الممكن لأسابيع وشهور حتى يخرج أحدهم مقالا أدبيا أو نقديا تعبَ في البحث والتنقيب في مراجعه والمصادر والدراسات والبحث في النصوص الأدبية حتى أخرجه وراجعه ودققه لأكثر من مرة، كيف لا وهو يعتبر قلمه ينجبُ للمجتمعِ وللعقول وللأدباء وطلبة البحثِ ما من الممكن أن يستندوا عليه من بعده، لذلك تجدُ مثلَ هؤلاء من الأكاديميين قليلي الإنتاج وبتمعن وتفحص شديد في حين أن سابقي الذكر من دعاة النقد والمزاحمين عليه يرون الأمر سهلا ولا يحتاج إلا لساعات بسيطة بالعودة إلى شبكة الانترنت ليكون مقالهم الأدبي جاهزا للنشر، ومن ثم يوجهونه نحو وسائل الإعلام المتنوعة التي أخذت على عاتقها دعم الثقافة والمثقفين وبالتالي ينشرون المقال باسم مدعيه تشجيعا له ودعما لتنشيط الحركة الثقافية بشكل عام..
للأسف من استسهل البحث والنقد وتغول على الساحة اليوم قد يسيء عن قصد أو غير قصد للبحث العلمي والأكاديمي والساحة الأدبية، ومن هنا من الممكن إعادة التوجيه والرقابة على كل من يسيء للنقد تحديدا، وأن يكون كمن يزوال مهنة الطب بلا دراية منه فيتم حسابه وعقابه بأن يكون لمن يزاول النقد أيضا ويتجرأ عليه بلا علمٍ ودراية سوى الأخذ مما هو منشور مسبقا عبر الإنترنت او السرقة مما هو مكتوب في مقالات أخر، محاسبة وعقاب فليس الحفاظ على الأبدان أهم من المحافظة على العقول واللغة وخصوصا أن ما يتم نشره اليوم سيكون مرجعا في المستقبل للنشء القادم.. لذلك نرجو من أصحاب العلم والدراية من أهل الاختصاص في هذا المجال الوقوف والتصدي لما تعجُ به ساحاتنا ومنصاتنا اليوم تحت مسمى النقد والنقد بريء منها أشد براءة..
المصدر: الدستور