عمر طاهر «بعد ما يناموا العيال».. قراءة في حكايات تحدث في كل البيوت
عمر طاهر «بعد ما يناموا العيال».. قراءة في حكايات تحدث في كل البيوت
أرتاح- بشكل شخصي- إلى روايات وقصص نجيب محفوظ التي تدور أحداثها في الأحياء الشعبية كـ«زقاق المدق» و«خان الخليلي»، كما أرتاح- وبشكل شخصي أيضًا- إلى أعمال تتمحور حول الحكايات اليومية العادية. حكايات نسمعها بشكل اعتيادي عابر على المقهى أو على «بسطة» سلالم العمارة أو على ناصية الحارة القريبة من الشارع الرئيسي في الحي. نسمعها في غرفة الصالون عندما يزورنا زائر، أو على «كنبة اسطنبولي» قريبة من شباك يطل على الحارة من إحدى الخالات أو العمات. نسمعها من صديق أو أب يصطحبنا صغارًا أثناء جولة محببة في شرايين القاهرة الفاطمية، حيث الجامع الأزهر، وشارع المغربلين، وسوق السلاح، ودرب الأغوات، وغيرها.
أرتاح إلى الأعمال التي تناقش العلاقات البسيطة بين الناس، إذ يكون مجرد رصدها مصاحبًا لبهجة تسري في النفس. فـ«متتالية» الراحل إبراهيم أصلان مثلاً «حجرتان وصالة» أحب أعمال الرجل إلى قلبي، لأنه تناول علاقات في منتهى العادية بين رجل مسن وزوجته، كخوف العجوز من امرأته مثلاً عندما يكسر «طبق» الطعام، أو العالم الذي يتخيله لبواب العمارة التي يسكنون فيها.
في مجموعة عمر طاهر الجديدة «بعد ما يناموا العيال» أجد ما أرتاح له. أجد حكايات تحدث في كل البيوت تقريبًا. من فرط عاديتها تمر ولا نشعر بها، قصة إجهاض لامرأة حامل أخطأ طبيبها في تشخيص الحمل فأعطاها دواءً يشوه الجنين. قصة رجل يقف أمام «بسطة» السلم يتأمل في «شبشب» سيدة حتى تفاجئه زوجته الصاعدة إلى المنزل. قصة شاب يريد أن يرى وجه خطيبته بدون حجاب، فتغضب، وتحمل أمه هم محادثتها لوالدة خطيبته. قصة أب يراقب ابنه خلف «شيش» الشباك، ويخجل أن يفاتحه بحمل زوجته (التي هي ليست أمه)، إذ يشعر بجفاء ما من ناحيته، ثم يقرر أن يعلِّق على إحدى قصصه التي يكتبها على «فيس بوك»، معتقدًا أن ذلك يقربه منه. رجل يكتب اسمه في خانة البحث بـ«جوجل» لتخرج له آلاف النتائج.
قصص من هذا النوع، أبطالها أنا وأنت، حتى لو حملت الشخصيات أسماءً أخرى. قصص أحداثها وقعت لي ولك في يومنا الطبيعي، ومرت من دون أن تشعر، ولكنها استوقفت عمر طاهر، فكتب عنها بعين المراقب من بعيد. هو يقول إن هناك «سدة كتابة» أصابته في زمن الكورونا، فبدأ يتجول في شوارع القاهرة القديمة، يمر بنظره عبر «البلكونات» المتنوعة والمختلفة من حيث طراز البناء. يسرح كثيرًا في «أحبال الغسيل»، ينسج في خياله قصصًا تحملها هذه الأحبال، تحدث وراء الجدران. وما يحدث وراء جدران هذه البيوت طبيعي للغاية.
الأحداث التي ينضح بها عالم «السوشيال ميديا» لم تشغل بال عمر طاهر، كما لم يضربه وباء التقعير، هو يعمل على مشروع أبطاله «العاديون»، إذ تعتبر مجموعة «بعد ما يناموا العيال» امتدادًا لرواية «كحل وحبهان» التي تدول أحداثها بشكل أساسي حول «الأكل» وعلاقات الناس به. ولا عجب في أنه اختار قصة «أنثى السكر» لتكون أول قصص المجموعة، وهي القصة التي تبدأ بـ«كانت تتأمله وهو يقف بالفانلة الحمالات يجهز العشاء، تلك الزيارة العزيزة للمطبخ الضيق تمنحها طمأنينة تتجدد كلما حن صلاح إلى أكل العزوبية المطهي بحرفة مشوهة تمتلئ بثقة كاذبة، ومكسبات طعم كثيفة تعوض غياباً ما. وقفت سلوى تلملم الستارة التي تنام فوقها حبات خوخ ضخمة ملونة، والتي استغنوا بها عن باب المطبخ الذي كانت تحتل انفراجته مساحة خصصتها هي لدرفة الخزين. كان العرق ينحدر عبر مسارات العروق في رقبة صلاح وهو يقطع خلطة السجق. وأحست هي بصهد الزيت الذي يستعد للغليان فوق البوتاجاز». هنا، اعتبرت عمر يسلّم روايته الماضية «كحل وحبهان» للعالم الجديد الذي يتناوله في مجموعته «بعد ما يناموا العيال»، وكأنها لاعب يخرج من الملعب، ليدخل لاعب آخر.
أدهشني عمر في بعض قصص المجموعة أن الحكاية تضم حكاية أخرى. مثلا في قصة «يجيد الإسبانية» تجده يضم إلى القصة الأساسية نص يكتبه أحد الأبطال وهو «مزرعة الكاكاو»، تجده في قصة «فتاة تشعر بالوحدة في الثمانينيات» يحكي عن رواية بعنوان «المكالمة» لكاتب يدعى أمين فوزي، حتى في القصة التي تحمل اسم المجموعة «بعد ما يناموا العيال» تجده يبدأ القصة في مسار «خناقة» بين رجل «علاء بيه» وزوجته «مدام شهيرة» في مطعم كبابجي، ليذهب إلى المسار الأهم وهو قصة سائق «علاء بيه» الذي حالفه الحظ أن ينال الطعام الذي تركه الزوجان خلفهما، ورغبته الأكيدة في أن يكون «العيال صاحيين» على غير عادته المفضلة، حيث كانت أسعد أوقات يومه في حديثه مع زوجته «بعد ما يناموا العيال».
لغة المجموعة كحكاياتها، بسيطة وسهلة، وعادية. استخدم عمر مفردات «عامية» في سرده، أما الحوار فكان عامي أيضًا، وهي لغة تناسب أهل المجموعة أو سكانها كما أطلق عليهم عمر في إهدائه لهم.
المصدر : المصري اليوم .