Skip to main content
الطريق إلى النبع .. الحياة والموت في فلسطين

لا يتوقف الاحتلال «الإسرائيلي» عن ممارساته البغيضة ضد الشعب الفلسطيني، لا بل يتمادى أكثر عندما لا يجد ردعاً فعلياً دولياً على انتهاكاته التي تخالف كافة القوانين، وكثيراً ما يتم تغييب ما يقوم به في الإعلام الغربي خاصة، إلا أن مؤلف هذا العمل يحاول أن يظهر قصص المعاناة والألم والمقاومة والصمود من خلال ما حدث في قرية النبي صالح الواقعة في الضفة الغربية، وكيفية مصادرة الاحتلال لنبع المياه، عين القوس.
يأتي كتاب «الطريق إلى النبع: الحياة والموت في فلسطين» الصادر عن دار «بنغين بريس» للمؤلف والصحفي الأمريكي بن إهرينريتش في 428 صفحة من القطع المتوسط، محملاً بالعديد من القصص الحزينة، وهي على شكل مذكرات لإهرينريتش، دوّنها بالاعتماد على الأشهر العديدة التي أمضاها في الضفة الغربية المحتلة، منذ بداية حدوث ما يسمى «الربيع العربي» في عام 2011، إلى الاجتياح «الإسرائيلي»الدموي لغزة في عام 2014. 

يبدأ الكاتب عمله بتقديم تعريف لقرية النبي صالح، والعديد من الشخصيات من آل التميمي والبرغوثي الذين قضى معهم أغلب وقته، ثم يتطرق إلى مدينة الخليل وأم الخير، مقدماً عدداً من الخرائط المتعلقة بالمنطقة هناك. بعد المقدمة يأتي عمله في أربعة أقسام هي: الأول يتألف من الفصول التالية: الحياة جميلة، سلام الشجعان، فوق شجرة الخرنوب، النمل والحلو، والقسم الثاني يتألف من: قضية أمل، أقل من بلاد، والقسم الثالث يتألف من: الثلج، لعبة البوكر، سهل جداً وصعب جدأً، أما القسم الرابع والأخير فيتكون من مقدمة وفصلين هما: حارس أخي، والشيطان لم يحلم أبداً، متبوعة بخاتمة عامة.
ويسمي الكاتب عمله من خلال وصفه بحكاية الحب، والأمل، خاصة أنه يقدم القصص بأسلوب يبدو أقرب إلى السرد الروائي لشخصيات بقي معها لشهور، وتناول معها الطعام والماء، وقد ركّز في الجزء الأكبر من كتابه على قرية واحدة، هي قرية النبي صالح، التي تبعد 30 ميلاً (48 كم) شمال غربي رام الله، مقر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما يتحدث عن مجموعة من المحتجين، معظمهم من عائلة التميمي الكبيرة والممتدة في المنطقة.

انتهاكات مستمرة

استقى الكاتب عنوان العمل من النبع الموجود في القرية، المعروف باسم «عين القوس»، الذي يشكل مصدر مياه يستخدمه التميميون وغيرهم في النبي صالح منذ عدة عقود حتى وصل المستوطنون «الإسرائيليون» في عام 1976، وأنشأوا مجتمعاً أطلقوا عليه فيما بعد اسم «حلميش»، ثم توسعت هذه المستوطنة ببطء، واستولى المستوطنون على المزيد من الأراضي، وفي كثير من الأحيان كانت الانتهاكات والمصادرات تزداد خلال «الاجتياحات العسكرية»، حتى عام 2008، حيث تمت السيطرة على النبع نفسه. 
في عام 2009 بدأ أهالي قرية النبي صالح بسلسلة طويلة من المسيرات الاحتجاجية إلى نبعهم؛ حيث عارضهم ووقف بوجههم مستوطنون مسلحون، ثم قام الجيش «الإسرائيلي» أيضاً بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وكثيراً ما كانت موجّهة مباشرة إلى المتظاهرين، وخاصة على منطقة الوجه أو الصدر، وكذلك الرصاص المغلف بالمطاط كما يدعي الجيش «الإسرائيلي»، إلا أن إهرينريتش من خلال بحثه وتقصيه، أدرك أن الرصاص هذا يتكون من طبقة رقيقة فقط من المطاط حول جوهره الصلب، وهذه الرصاصة عملياً تكسر عظم الفك، ويمكن لها أن تخترق الجسد، وكانت قوات الاحتلال قد قتلت طفلاً في الثالثة عشر من عمره أثناء الاحتجاجات. ويعبر الكاتب عن حالة الصدمة والهول الذي رآه من ممارسات الاحتلال اللاأخلاقية بحق المحتجين.
يوضح الكاتب أن هذه الاحتجاجات في قرية النبي صالح، لم تحقق شيئاً فعلياً يتعلق باستعادة النبع أو الأراضي، لكنها أثارت بعض اهتمام وسائل الإعلام، ووجهت أنظار النشطاء والمراقبين من «إسرائيل»، ومن جميع أنحاء العالم إلى الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة.

حق الكفاح

يبدأ إهرينريتش عمله مع الناشط الفلسطيني ومنظم الاحتجاجات الأسبوعية في القرية باسم التميمي الذي تعرف إليه في 2011، وهو ابن القرية الذي قال له أن هذه الاحتجاجات هي «طريقة لإخبار العالم بأن لدينا الحق في العمل في أرضنا... النبع هو جانب من الاحتلال، والاحتلال غير قانوني ولدينا الحق في الكفاح ضده»، ويضيف باسم في حديثه مع الكاتب: «كانت فكرة الاحتجاج هي تحدي كامل الاحتلال، تلك المنظومة المعقدة من التحكم اللانهائي الذي يمارسه الاحتلال على الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية، ليس فقط على صعيد المستوطنات والجنود في قواعدهم على قمم التلال، بل بكل ما يتعلق بنقاط التفتيش، والتقييدات على السفر والتنقل، الأذونات، الجدران والأسيجة، المحاكم والسجون، التحكم الخانق بالاقتصاد، تهديم المنازل، والاستحواذ على الأراضي، مصادرة الموارد الطبيعية، الآلية الهائلة لحالة الريبة والسلب والإذلال الذي فرضه الحكم «الإسرائيلي» على مدى أربعة عقود على حياة الفلسطينيين». 
يتناول الكاتب قرية النبي صالح كنموذج من نموذج فلسطيني أكبر، متحدثاً خاصة عن مرافقة الناشطين أثناء احتجاجاتهم التي كانت صرخة في وجه الاحتلال تعبر عن إرادة البقاء في الأرض، مشيراً إلى أن حياة العديد من أبناء الشعب الفلسطيني أسوأ بكثير مما هي عليه الحال لدى الأهالي في النبي صالح، ويعتبر أن ما يقدمه في هذا العمل هو توصيف لحالة البؤس التي يعيشها الفلسطينيون وسط الاحتلال، ويمكن لأصدقاء وأعداء «إسرائيل» أن يتعرفوا إلى ما تقوم به حكومة الاحتلال على هذه الأراضي، وما تفعله من انتهاكات بحقهم، متناولاً أيضاً نموذج الفلسطيني سعدات صبري غريب، الذي يعيش في منزل مسيج تماماً بالأسلاك الشائكة والحواجز الأمنية «الإسرائيلية»، مع ترك بوابة وحيدة للذهاب والخروج منها بأمر سلطات الاحتلال. وكذلك شخصيات من مدينة الخليل، التي تعد المدينة الوحيدة في الضفة الغربية التي لا يزال «الإسرائيليون» يعيشون فيها، ويدير فيها الفلسطينيون مجموعة من حواجز التفتيش اليومية.

صمود حتى آخر رمق

يقول إهرينريتش إنه عندما بدأ بالسفر إلى فلسطين، كان لديه قناعة تامة أن شيئاً ما كان يجب أن يحدث، ولا يحدد ما إذا كان محقاً في ذلك، بعدما شاهده وعايشه، ويعتبر أن عمله هو تأريخ لتلك الأحداث التي توثق فظائع الاحتلال المستمرة بحق الفلسطينيين في الخفاء والعلن دون وجود رادع دولي لهذه الانتهاكات، مشيراً إلى أن كارثة غزة والهجوم على الأبرياء في صيف 2014 جريمة يندى لها جبين الإنسانية. 
ورغم سرده لهذه المآسي التي مرّ بها الفلسطينيون والتي كان شاهداً على جزء منها، إلا أنه يقول إن محتوى عمله هو حكاية من التفاؤل والمحبة والأمل، لشعوره بأن «حلاً» وشيكاً سيحدث في القضية الفلسطينية، أو أن بوادر ستظهر لما يمكن أن يسمى عملية «السلام»، كما يقول إنه متفائل، لأن الشعب الفلسطيني لا يفقد الأمل حتى في يأسه، ويستمر في الصمود والمقاومة حتى آخر رمق.
يتناول إهرينريتش أيضاً في هذا العمل بشكل مباشر موقف الفلسطينيين من «قياداتهم»، السلطة الفلسطينية في ظل محمود عباس الذي في صيف عام 2014، دافع عن التنسيق الأمني ​​المستمر للسلطة الفلسطينية مع الجيش «الإسرائيلي»، حيث أشار إلى أنها لأجل «مصلحتنا وحمايتنا». ويتطرق إلى مظاهرة ضد حملة أمنية في رام الله، حينما نزلت الحشود باتجاه مركز الشرطة، وهاجمتها بالحجارة وقطع من الخرسانة. ويتوقف عند مشهد ظهر فيه كيف أن «الإسرائيليين» كانوا يطلقون النار من اتجاه والسلطة الفلسطينية من اتجاه آخر، حيث كانت قوات الأمن من الطرفين في مواجهة الخصم نفسه وهم المحتجون الفلسطينيون، والرسائل البغيضة التي مررها الجانب «الاسرائيلي» للمحتجين حينذاك. 
كما يتوقف مراراً عند حرب غزة التي تلت تلك الأحداث، وإن لم تكن بشكل مباشر، بل في نفس السياق العنيف، إذ أظهرت حالة الكراهية التي عززتها الحكومة «الإسرائيلية» تجاه الفلسطينيين. وقد عززتها البيروقراطية «الإسرائيلية»، ولكن الكاتب يقول«مهما كانت القوة التي دفعت تلك العمليات البيروقراطية إلى الأمام، فهي لم تكن عقلانية على الإطلاق. ما حدث في غزة مجرد جريمة بشعة».

حكومات غربية متواطئة

يتناول الكاتب أيضاً في قصصه، التي أرخها عن محاولات الاحتلال المستمرة في إخضاع الشعب الفلسطيني وكسر صموده ومقاومته للحالة اللا إنسانية التي فرضها، نقطة أخرى يؤكد عليها عبر هذه القصص من خلال وسائل الإعلام الغربية الكبرى التي خلال تغطيتها ما يحدث تحت سلطة الاحتلال، تعتبر أن فعل المقاومة الفلسطينية ضد الانتهاكات «الإسرائيلية» عمل إرهابي، من دون التوقف عند السبب الذي دفع الفلسطيني المحمل بآلام وأوجاع كبيرة للانتفاضة ضد الأعمال الإجرامية اليومية والأسبوعية والشهرية الجارية لقوات الجيش «الإسرائيلي» في الضفة الغربية، كما يعتبر أنها تغض الطرف عن الانتهاكات «الإسرائيلية» المخالفة لكافة الأعراف والقوانين الدولية، داعياً وسائل الإعلام الغربية المؤثرة إلى التحلي بالمصداقية في نقل الأحداث، ليس كما يعرّفها الجانب «الإسرائيلي»، وعدم شيطنة الفلسطينيين من خلال تصنيفهم على أنهم إرهابيون، أو إطلاق غيرها من المسميات غير اللائقة بشعب يطالب بحريته، خاصة أن ذلك يساهم في جعلهم هدفاً لفظائع المستوطنين، وهي بالتالي بشكل أو بآخر مشاركة في الجريمة. 
ويشير إهرينريتش إلى أن ما شاهده من القمع والإهانة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون على يد الجيش «الإسرائيلي» لا تظهر أبداً في وسائل الإعلام الغربية الكبرى الصديقة ل«إسرائيل»، ربما لأنه يعكس عودة تواطؤ حكومات تلك البلدان مع جرائم الحرب «الإسرائيلية». 
بن إهرينريتش من مواليد 1972، صحفي أمريكي حر وروائي يعيش في لوس أنجلوس. هو ابن المؤلفة الأكثر مبيعاً باربرا إهرينريتش عن كتابها «نيكل آند ديميد» وعالم النفس جون إهرينريتش، وأخته هي روزا بروكس، كاتبة عمود في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز». بدأ عمله كصحفي في الصحافة البديلة في أواخر التسعينات، ونشر على نطاق واسع في «إل إيه ويكلي» و«ذا فيليج فويس». ثم نشر العديد من المقالات والمواد النقدية منذ ذلك الحين في مجلات وصحف أخرى كبرى مثل «هاربرز»، «مجلة نيويورك تايمز»، و«ذا نيشن»، و«لوس أنجلوس تايمز»، و«ذا بيليفر»، و«لندن ريفيو أوف بوكس». وقام بتغطيات إخبارية من أفغانستان، وهايتي، وكمبوديا، والسلفادور، والمكسيك، ومن جميع أنحاء الولايات المتحدة. في عام 2011، حصل على جائزة المجلة الوطنية على مقال نشره في «مجلة لوس أنجلوس». أما على الصعيد الروائي، عنوان روايته الأولى هو «الخاطبون»، نشرها في عام 2006. كما أنه يحاضر في برنامج الكتابة للدراسات العليا في كلية أوتيس للفن والتصميم. وله رواية صادرة في 2011 بعنوان «الأثير».

الخليج

28 Mar, 2017 01:10:00 PM
0

لمشاركة الخبر