Skip to main content
لماذا تقدمت الرواية وتراجع الشعر؟

لعل أول من تنبه لتقدم الرواية وتراجع الشعر هو الناقد المصري الدكتور جابر عصفور عندما أصدر قبل سنوات قليلة كتاباً بعنوان: «زمن الرواية»، فتصدى له الشاعر المصري فاروق شوشة بكتاب حمل عنوان: «زمن الشعر» دافع فيه عن الشعر معتبراً أنه الفن الأول في كل زمن، ولكن الدفاع على وجاهته، لا ينفي كون الشعر يتراجع عند القارئ لتتقدم عليه الرواية، فالرواية هي الأقدر على معالجة قضايا الناس والمجتمعات المعاصرة ذات التعقيد البالغ في علاقاتها وفي أنماط عيشها، هذا إن لم نقل إن الشعر عجز عن عقد صلات بينه وبين الحياة المعاصرة بسبب استغراقه في الغموض والإبهام ورفضه توسل أساليب الشعرية التقليدية الراسخة في الوجدان العام وإيثاره لغة موغلة في الرمزية مماثلة لما يصلنا من الشعر الأجنبي مترجماً، فلابد من كدّ الذهن من أجل الفهم، في حين أن الرواية لا تتطلب مثل هذه الرمزية القاتلة وبإمكان القارئ أن يبحر فيها بسهولة في حين أن الإبحار في الشعر الحديث، عندنا وعند سوانا، أشبه بالإبحار في المحيطات المتلاطمة الأمواج.

وقد تكون المكتبات أصدق دليل على تقدم الرواية وتراجع الشعر. فنحن لو زرنا هذه المكتبات لوجدنا الروايات الصادرة حديثاً تحتل الطاولات الأولى في العرض، في حين تقبع دواوين الشعر في الزوايا أو في الرفوف الخلفية. وحتى في هذه الزوايا والرفوف قد لا يجد الزائر إلا دواوين كبار الشعراء الرائجين سواء في التراث أو في الحاضر، كالمتنبي وأمثاله ونزار قباني ومحمود درويش وهؤلاء باتوا شعراء كلاسيكيين إلى حد بعيد.

الرواية تباع وتجد إقبالاً عند الناس في حين يتراجع الشعر تراجعاً مخيفاً، ومن الأدلة على ذلك أن هناك دور نشر متخصصة بنشر الروايات في حين تعتذر دور نشر أخرى عن طبع المجموعات الشعرية لضعف الإقبال عليها، فهل المسؤول عما وصل إليه الشعر هم الشعراء أنفسهم؟

أغلب الظن أن الجواب بالإيجاب، فالشعر كان فن العرب الأول عندما كان ديوانهم، أي عندما كان يعبر عن أفراحهم ومواحدهم وأيامهم وينطق باسمهم وها هو يتراجع اليوم لأنه فقد مهمته القديمة ووظيفته التي كان يؤديها في ماضي أيامه الزاهرات، ومن الطبيعي أن يبحث المجتمع أو القارئ عن أداة جديدة تحل محل ما عجز الشعر عن أدائه، وقد وجدها في الرواية.

لا ينكر أحد فضائل الشعر ودوره في صياغة الوجدان، ولكن هذه الفضائل قد يجدها القارئ في رواية لا يجفوها الخيال والشعر، فالشعر ليس لزاماً أن يكون الموزون المقفى، فمن الممكن التماسه في رواية، أو مسرحية أو في فيلم سينمائي، ومن الممكن افتقاده في مجموعة شعرية عندما لا تتضمن خصائص الشعر الأساسية، أو ما وجد الشعر من أجله، عندها ينهض فن آخر ليعبئ الفراغ، ورحم الله توفيق الحكيم الذي قال مرة إنه لا يجوز أن يضيق صدرنا بالشعر العامي أو باللهجة العامية عندما تعجز الفصحى عن القيام بدورها في التعبير عن مشاكل المجتمعات وقضاياها.

08 Apr, 2017 09:37:46 AM
0

لمشاركة الخبر