'الشيطان امرأة' رواية عن العلاقات السريعة التي أفرزها التحضر
شهدت الرواية التركية في العقود الأخيرة تطورا منقطع النظير، خلق حركة روائية كبيرة ما ساهم في صعود أسماء مثل إليف شافاق وأورهان باموق إلى العالمية، حتى أن باموق نال جائزة نوبل أكبر الجوائز الأدبية على الإطلاق، لكن هل تسربت هذه الطفرة الروائية، إن صح التعبير، إلى الجيل الجديد من كتاب الرواية الأتراك؟ ونأخذ هنا الكاتبة التركية الشابة هاندا ألتايلي مثلا، من خلال مؤلفها “الشيطان امرأة” كنموذج للرواية التركية التي تكتب اليوم.
تبدو أحداث رواية «الشيطان امرأة» للكاتبة التركية هاندا ألتايلي حسب الترجمة العربية، أشبه بأحداث المسلسل الأميركي «الجريء والجميلات» الذائع الصيت في تسعينات القرن الماضي، حيث العلاقات النسائية المتعدّدة والخيانات بين الأصدقاء والأقارب، والصدمات غير المتوقعة؛ فأحداث الرواية عن شخصية آشلي الطالبة الجامعية، والفتاة المتمرّدة التي تسكن مع خالتها المتمردة -أيضا- بعد وفاة والدتها.
لا تلبث أن تتوفى خالتها بعد فترة قصيرة، وبعد علاج بدّد الكثير من ثروتها التي نقلتها إلى ابنة أختها. تعيش الفتاة حياة عبثية أو بمعنى أدق تكرّر سيرة حياة الخالة التي خرجت عن طوع العائلة من قبل وتعيش مستقلة في شقة. الفتاة هي النموذج المعادل لسيرة حياة الخالة المجهولة.
سيرة الخيانة
الخيانة والخداع هما الثيمتان المتكرّرتان في الرّواية، فجميع شخصياتها النسائية وهي الأكثر عددا من الشخصيات الذكورية تتناوب الخيانة والخداع، لكن الشيق أن الخيانة تتمّ في دالة تكرارية، فعمر يخدع آشلي، وتعرف أنه متزوج من أخرى، وآشلي تخون خالتها بعلاقتها مع عشيقها عمر، كما تخون أيضا القنفذ الذي يحبها بعلاقتها مع عمر، وعمر يخون خالتها بالزواج من داليا الطالبة المفضلة لدى خالتها جوليد، وداليا الطالبة المفضلة لدى الخالة جوليد تخدعها، وتتزوج من عشيقها، وآشلي تنتقم من عمر فتقيم علاقة مع سنان، إلخ… وذلك في سلسلة متواصلة تنتهي بالخدعة القاتلة من نالان وعمر لآشلي. بالإضافة إلى خيانة حسن لنالان وطردها، وخيانة علي كريم لزوجته. الكل واقع في خطأ الخديعة وبلا ندم. والتكرار ليس مقتصرا على تكرار فعل الخيانة، بل إن الشخصيات تكرّر بعضها أيضا فآشلي مثلا هي الصورة الأكثر وضوحا لحياة الخالة جوليد المبهمة.
آشلي بطلة الرواية هي نموذج لفتيات جيلها، اللاتي يتقلبن في الحب دون رويّة. ومن المفيد أن نؤكد أن الاستهلال الذي بدأت به الرواية مربك، وهو مقصود من قبل الساردة، فقد استطاع أن يكشف عن جزء مهم من شخصية آشلي الفتاة الغاضبة، والتي لا تقبل نقاشا من أحد، وأيضا كشف أنانيتها، وهو ما عرّضها رغم عدم العجلة في سيرها لحادثة أدّت إلى الذهاب بسيارتها إلى الإصلاح، وهنا كانت المفاجأة غير المتوقعة، لقاؤها بعمر الذي كان يزور صديقه في أحد الورش، عندها يقرّر أن يصطحبها، وبالفعل يعودان معا في سيارته.
بعد هذا اللقاء تبدأ الساردة في الكشف عن شخصية عمر الذي كان عشيقا لخالتها جوليد، التي ربتها وكانت مسؤولة عنها، وكيف أنهم كانوا يجتمعون في غرفة المعيشة للشراب والسهر معا. إلى جانب عمر كان في حياتها القنفذ الذي يهيم بها، ويتمنى أن يتزوجها لكنها تراوغه، وبعدما تشعر بضائقة مالية إثر رحيل خالتها، تفكر في حل بديل للتخلّص من المصاريف، بالانتقال إلى شقته، وما إن يمرّ عليها القنفذ بعد يوم واحد من وفاة خالتها، تطلب منه أن يمارس معها الجنس رغم أنه كان يظن أن تحقيق مثل هذا الأمر كان يتطلب وقتا طويلا، وقبل الفعل طالبته بأن تنتقل للسكن معه في البيت على أن تقدّم له ثلاث خدمات هي تنظيف المنزل والطهي والجنس الخلّاب، ومع اعترافها بأنها لن تكون صادقة في الطلبين الأولين، إلا أنّها ستحقّق الثالث بدرجة متوسطة، العرض الذي قدمته آشلي أصاب القنفذ بالدهشة، لأنه يعرض عليها الزواج بدلا من أن يعيشا هكذا، وهو ذات الاندهاش الذي عبرت صديقاتها زيرين عنه بعدما شاهدت في إحدى المجلات صورة البذخ التي تظهر عليه أمه.
علاقات متشابكة
تتسم العلاقات بسرعة تكوّنها، وأيضا بسرعة الفكاك منها، فعلاقة آشلي بعمر بدأت بعد عشرة أيام من وفاة خالتها، وبعد لقاء جاف عند استقباله، خاصّة أنّها كانت لا تريده، حيث اعتبرت وجوده وكأن خالتها رحلت وتركت جزءا منها في الغرفة، وهو الإحساس الذي زاد من نفورها منه عندما بدأ يعزف على البيانو، وإن كان قد أصابها بالدهشة لأنها تعرف أنه تاجر سيارات، وفي غمرة حالتي النفور والدهشة، أقدم عليها وقد استشعرت وقوعه تحت تأثير المخدر، «واقترب منها، وأقام علاقة غير متوقعة وإن شعرت قبلها بتحقيق متعة جسدية غير متوقعة».
بعد هذه العلاقة السريعة ينتابها صراع داخلي وشعور بالندم على خيانة خالتها، لذا فأوّل شيء فعلته في الصباح، هو أن قدمت الاعتذار لها، وثانيا خيانتها للقنفذ الأكثر جمالا ووسامة من عمر الذي أغواها بممارسة الجنس، وهو ما جعلها في حيرة هل تخبره أم تصمت؟ قد يكون للصدمة في العلاقة الدافع في إقامة علاقة سريعة، فبعد صدمتها بعمر، على الفور بدأت مواعدتها ليفينت لكن لم تقع في حبه ولم يدغدغ قلبها حتى أثناء ممارستهما للحب، ثم بعد صدمتها مرة ثانية انصرفت عن عمر أو كتعذيب لعمر إلى سنان، ورحلت معه إلى باريس، ثم فارقته لتعود إلى عمر، لكنها صدمت برؤية سيارة صديقتها عنده، فقررت الاختفاء مرة ثانية كما فعلت في المرة الأولى.
الشيء المميز هو بناء الرواية فمع وجود راو عليم يسيطر على الأحداث، إلا أن السمة اللافتة هي التداخل بين الزمنين الماضي والحاضر، كما تعتمد الساردة في جزء كبير من أحداث الرواية على عنصر المفاجأة في الأحداث، وهذا ملاحظ منذ البداية فالذي تلتقي به آشلي في ورش تصليح السيارات هو عمر، حبيبها السابق، وعمر عندما يعترف لها أن خالتها كانت تعرف زواجه، يتضح أن الزوجة هي داليا التي كانت من أفضل الطالبات لدى خالتها. كما يشمل عنصر المفاجأة علاقة نالان ومديرها حسن، وغيرها من المفاجآت التي تكسر خيط الملل المتسرب من سرد الخيانة الممل، وإكسابه نوعا من التشويق. ومع هذا فثمة فجوات في السرد حيث عدم الإقناع في سرد بعض الأحداث، كتحوّل علاقة حب آشلي إلى كراهية لعمر فلم تكن مبررة تماما، حيث عرفت زواجه من قبل ثم التقته واعترف لها، ومع هذا استمرا في العلاقة، ومن ثم لم تكن الغيرة مبررة عند رؤيته يتجول في أحد الشوارع معها، وبالمثل سفرها مع سنان إلى فرنسا جاء تلفيقيّا.
لم تقدّم الساردة لنا عبر مرويتها ملامح البيئة التركية وطبيعة الحياة على نحو ما نجد في كتابات أورهان باموق ونديم غورسيل وإليف شفاق، فالحكاية وأحداثه يمكن أن تدار في أيّ مكان، وهي أشبه بثرثرة نسائية عن علاقات وخيانات وحب وإخفاقات، لكن ماذا بعد هذا كله. ستخرج من الرواية وأنت تلعن شخصياتها التي كانت لاهية عابثة دون حتى تدرك لماذا هي هكذا. الشيء السلبي الآخر أن الرواية تعج بالأخطاء الإملائية واللغوية وهو ما يلقي العبء الأكبر على دار النشر التي استهانت بالعمل بهذا القدر دون مراجعة.