Skip to main content
«رسائل من الحرب» للبرتغالي إيفو فريرا: يوميات غير عادية من الجبهة في أنغولا

يمكن، مجازاً، القول أن في كل فيلم جيّد ما يميزه من عناصر صناعته، يكون جيداً بالقدر الذي استطاع التميّز في ذلك، وبالقدر الذي يكون فيه جيداً، بحدود أدنى ما، في العناصر الأخرى كذلك. بتطبيق هذه الفكرة على فيلم «رسائل من الحرب» للبرتغالي إيفو فريرا نجد أنه فعلاً تميّز لطريقة سرده لحكايته، من دون أن يصل لتوظيف جمالي مناسب لباقي العناصر في خدمة هذا التميّز، فلم يأت الفيلم، أخيراً، بالشكل الأفضل في ما تميّز به.


أما ما ميّز الفيلم فكان اعتمادَه على تقنية «الڤويس أوڤر»، وهو صوت من خارج الإطار، يروي، مع الصورة، الحكاية، وأما العناصر الأخرى فكانت الصورة والحكاية ذاتها وكل ما يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار في تقييمات الأفلام.
تُنقل حكاية الفيلم، بغالبيتها، من خلال رسائل يرسلها أنطونيو إلى حبيبته، تُقرأ بصوته أحياناً وبصوتها أحياناً أخرى، من بداية الفيلم إلى نهايته. تأتي القراءة مدموجة مع الأصوات الواقعية للمَشاهد: الضجة، الصراخ، الكلام غير المفهوم، وبعض الكلام المفهوم، بالبرتغالي، كأننا نسمعه عَرَضاً بين رسالة وأخرى تتم قراءتها، أي نسمعها، من رسائله.


الفكرة مميزة لكنها مرهقة للمُشاهد، يمكن من خلالها الاستفادة من ميزات الأدب، إذ يروي أحدهم ما يحصل، أو يقرأ أحدهم من كتاب، ونسمعه، خاصة أننا أمام رسائل مليئة بالعاطفة والحب والشوق، مليئة بالشاعرية والمجازات، خاصة، كذلك، وأن البطل يكتب رواية هي حكايته، أو هي هذه الرسائل، وهي فعلاً مكتوبة بلغة أدبية. قد تفسّر لنا ذلك حقيقةُ أن الفيلم مأخوذ عن رواية مراسلات للكاتب البرتغالي المعروف أنطونيو لوبو أنتونيش. اللغة الأدبية هذه لن تتواجد في الحوارات، أي حوارات في السينما، وما يجعل الفيلم «ثقيلاً» هو نقل حكايته من خلالها.


أمكن لهذا الأسلوب أن يكون ميزة أتت بشكلها الأفضل إن اقترنت بحكاية جيدة تبدد «ثقل» أدبيّة اللغة الممتد على طول الفيلم، لكن الرسائل المشحونة بكل ذلك الشوق، جعلت اللغة في الفيلم وصفية أكثر من كونها سردية، ما جعل المحكيّ بهذه اللغة طويلاً ومتكرراً ورتيباً.
ما قصدناه بخصوص باقي العناصر هو أساساً الحكاية، والتي لم تُساعد الصورةُ والحواراتُ القليلة جداً في الفيلم على حبكها جيداً، إذ كانت أمراً ثانوياً مقابل رسائل الحب من البطل لزوجته، هو في جبهة القتال وهي في لشبونة تنتظره. هنالك عنصر آخر في الفيلم إنما كان جيداً، وهو تصويره بالأبيض والأسود، وجاء ذلك كإضافة جمالية في الفيلم، إذ تم الاستعانة جيداً بالظلال والإضاءة، فأي فيلم يُصوّر باللونين، الأبيض والأسود، لا بد أن تُعوّض الحيوية التي تحدثها الألوان بالتباين بين اللونين، وبالاستخدام الواعي للظلال والإضاءة والعتمة، وجميعها في أوقات الليل وكذلك النهار.


أنطونيو، جندي طبيب في الحرب الاستعمارية للبرتغال في أنغولا بين عامي 1971 و 1973. يمضي معظم وقته في تشخيص وعلاج المرضى وفي كتابة رسائله والتي هي رواية سيعطي فصلها الأول لضابط كي يقرأه. علاقته جيدة مع الجميع وينال احترامهم. لا مجال عمله ولا طبيعة شخصيته يساعدانه لمواجهة أهوال الحرب مع الثوار من أهل البلاد، وذلك بخلاف باقي رفاقه، وهم مقاتلون. شوقه لزوجته/حبيبته ولطلفهما في البرتغال يسيطر عليه، على ما يفعله ويحكيه وهو بعيد عنهما. يصوّر الفيلم يوميات عادية له هناك، لا حكاية واحدة فيه ولا حكايات فرعية جديرة بالمتابعة. هنالك فقط يومياته التي نشاهدها ورسائله الشاعرية التي نسمعها بما فيها من وصف وبوح يحكيه لحبيبته، بطريقة ما جمع المخرج ما نسمعه بما نشاهده، بشكل لم يكن الأفضل، وإن كانت الفكرة في ذلك جاذبة وجمالية.


حكاية الفيلم، وقبلها الرواية، هي حكاية الروائي البرتغالي، كاتب النص الأصلي، الذي كان فعلاً طبيباً ضمن الجنود البرتغاليين في أنغولا، والذي كتب روايته بناءً على رسائله الطويلة التي كان يرسلها إلى زوجته في لشبونة. 
شارك الفيلم (Letters from War) في مهرجان برلين السينمائي الأخير ويُعرض حالياً في الصالات الفرنسية.

20 Apr, 2017 11:03:34 AM
0

لمشاركة الخبر