أسامة عايش يحاضر في الجمعية الفلسفية حول حوار الثقافات
اسْتَضَافَت الجَمْعِيَّة الفَلْسَفِيَّة الأُردُنِيَّة الدِّكْتُوْر: أُسَامَة عَايِش بِمُحَاضَرَة فِكْرِيَّة نَقْدِيَّة مُعَنْوَنَة بِـ: «حـــِوَارُ الثَّقَافَاتِ: إِنَاسَةُ الوَعْي هُوِيَّةً – حَضْرَنَةُ التَّارِيْخِ وُجُوْدًا»
وافتتح عايش محاضرته بالقول: عندما نبحث عن الحوار ثقافة، ونجهد في استشفاف حقيقة الذات الإنسانية قيمة، ونمأسس منهج وعيها وجودا، يُفرض على البحث مفردة معرفية تمس جوهر الفكر وتعدد الرؤى، وتأويلية الأنا خطابا وحوارا، وترادفا وتضادا، وجدلا وإقناعا. ويمكن إيجاز تلك المفردة المعرفية في ثنائية الأنا والآخر وتمازجهما الإنساني لإعادة إنتاج الوعي وفلسفة الأبجدية. وحينما نفكك مسألة الرأي والرأي الآخر في خضم سوسيولوجية الثقافة وأخلاقية الخطاب، تنساح في تربة تشكلنا أيديولوجية الاعتقاد كنتاج معرفي، ومعضلة الهوية الذاتية كفاعلية تاريخية قابلة للتأويل والتنوع الفكري، سواء داخل أُطر الذات الأنوية المُفَكِّرَة، أو خارج سياج الذات الأخرى الغيرية المُفَكَّر بها. وهذا يعني وجود عقبة منهجية حوارية متجذرة إذا كان المُحَاوِرُ معتقدا بذاته لذاته مركزة، ومُستَلبا لغيره إسقاطا وتهميشا. وهنا تظهر على مائدة الآراء صعوبة علمية وعملية للانعتاق من وجهة النظر الذاتية، والتي تعني في لاوعيها وتعكس في طرحها محدودية الأُفق والتزمت المُشَخصَن. ومما يُلاحظ، تجربة ومعاينة، أن هذا الأُفق قد يتسع في بوحه الحواري إذا رُوِّضَت النفس أنسنة وتسامحا، وقد يضيق إذا تمترست النفس رفضا وابتعادا.
ورصد عايش في الندوة التي أدارتها الدكتورة أماني جرار (الأستاذ المشارك في جامعة فيلادلفيا) تداخلات مشتركة بين مفاهيم الثقافة والشخصية والحضارة ونمط الإنتاج الفكري، اصطلاحا وميدانا ودلالة، سواء من حيث المضمون الأنثروبولوجي أو السيكولوجي أو الأبستمولوجي. إن الأصول التاريخية لتلك المفاهيم تُظهر أهمية الثقافة في الحياة وتكاملية المجتمعات إنسانيا. وبالرغم من الاغراقات المتنوعة لتعريفات الثقافة، والتي تأرجحت بين الأبعاد الوصفية لنسق الأفكار الإنسانية على المستوى الفردي والجمعي، والبعد المعياري لنمذجة السلوك الإنساني القيمي لأسلوب حياة الجماعة وتخاطبهم، والبعد التطوري الشمولي الذي يُركّز على منظومة الأفكار والرموز والسلوك المكتسب، إلا أنَّ عالم الأنثروبولوجيا الإنجليزي إدوارد تايلور Edward Tylor يعتبر من الأوائل الذين صاغوا تعريفا علميا دقيقا لمفهوم الثقافة. فهي: الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وجميع القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه كائنا إنسانيا وعضوا في المجتمع. ويحتل المفهوم البنيوي للثقافة أهمية إنسانية بصفتها أسلوبا تكوينيا لمجالات التفاعل الاجتماعي. ويُنظر إليها بالنسبة إلى الشعوب كالشخصية الإنسانية بالنسبة إلى الفرد، وبالنسبة إلى روح الجماعة الإنسانية كالأنا الشخصية. وتأسيسا على هذا، فهي جوهر أنواع السلوك المحتملة في الطبيعة الإنسانية، وفي منهج البناء الحضاري.
ونوه المحاضر في المحاضرة التي قدمها في الجمعية الفلسفية الأردنية من ملتقى الثلاثاء الفكري، أن حوارَ الثقافات ينبجسُ من ثرى ثقاقة الحوار كمحورة مفاهيمية، وتراث فكري يُبنى إنسانيا وفق تصور علائقي للأنا والآخر، ويتضمن في محتواه الأعمق علاقة تقابلية وليست أحادية، تُقر بنسبية الرأي صوابا وبتعددية الآراء اختلافا. واتكاء على هذا الفهم، فمن الصعوبة إيجاد حوار منغلق في ذاته ومن أجل ذاته، ومعبرا عن هوية ذاتية لا تتصل بالآخر تواصلا إنسانيا، وعلاقة حضارية. ويبدو أن محاولات الانعتاق من إثبات الذات تماهيا بأحادية الأنا، يمنحنا تمايزا وتوازيا مع الآخر المقابل لنا، بعيدا عن مصادرة الآراء، ورفضا للثقافة المُهَيْمِنَة والمُهَيْمَن عليها. وإذا استطعنا ترجمة هذه المعاني القيمية لوجودنا التاريخي، سلوكا ثقافيا ذو بعد إنساني، وبنية فكرية ذات مفهوم حضاري معولم منهجيا، أدركنا أن الحصيلة المعرفية والفكر النقدي يجسد في تربته مفاهيم النسبية الرؤيوية التي لا ترتقي إلى مستوى النظرية المطلقة، والمعايير التَّامة. فالثقافة الحوارية مليئة بغراس الوعي وبذور الحقيقة، حتى وإن كانت الحقائق منغمسة في الشبهات وأحقية الاعتقاد ونظريات القراءة.
وقد أطَّر الدكتور أسامة عايش ندوته الحوارية الفكرية النقدية بسبعة محاور رئيسة، تعتبر خلاصة مكثفة للمحتوى العلمي الذي مازج بين فلسفة التاريخ والفكر والمنهج، والمحاور هي: التَّبَايُنُ المَفَاهِيْمِي والأَشْكَلَةُ الدِّلَالِيَّة، جَدَلِيَّة الثَّقَافَة ومَسْأَلَة الهُوِيَّة الذَّاتِيَّة، الوَعْيُ الحِوَارِي: الذَّات المُتَلَفِّظَة والمَنْهَج الأَخْلاقِي، الأَنَا والآخَر: ثَلاثِيَّة العَلاقَة بَيْنَ الثَّقَافَةِ واللُغَةِ والفِكْر، أخلاقياتُ الحوار أُسُسَا والحفرُ المعرفي مَنْهَجًا، حضارةُ الذَّات المُثَقَّفَة، والوعي التاريخي المُثَقِّف، وإنتاجية ثنائية الذات/الغير، نسقا ومحورة.