وثيقة أندلسية ترصد اختلافاتها ولغاتها
مجرد قراءة عنوان هذا الكتاب، يصاب القارئ بالدهشة، فهو يعني أن الأمم والشعوب طبقات، وبالطبع يصفها على مستوى الطبقة الحضارية والثقافية، والمعارف المتوارثة والمتجددة في هذه الأمة أو تلك. وقد خلص الكاتب الأندلسي «صاعد»، ﺇلى أن تلك الصفة، أي الاستعداد للتقدم واﻹضافة ﺇلى المعارف البشرية هي على شكلين من الأمم: صنف وصفه بالأمة البدائية، والأخرى الأمة المتحضرة.. أي كلما اكتسبت الأفراد صفة اﻹبداع واﻹضافة اﻹيجابية للمعارف والعلوم، كلما اقتربت من الأمة المتحضرة.
فيما لاحظ د. محمود إسماعيل الذي قدم للكتاب، أن هذا التصنيف الذي قال به «القاضي أبوالقاسم صاعد بن صاعد الأندلسي» في كتابه «طبقات الأمم»، منذ حوالي الألف سنة.. هو ما انتهى ﺇليه المفكر التاريخي أرنولد تويني في مشروعه «دراسة التاريخ»! وربط كاتبنا وتويني بين الملكات اﻹبداعية عند الأفراد وأثر ذلك على الأمم والشعوب، ما يعني أن التراث هو جذر الحاضر وما الحاضر.. ﺇلا ﺇضافة عليه.
نظر الدارس لعلم الاجتماع مقولات وكتابات صاعد «مواليد الأندلس عام 462 هجرية»، على أنه يمثل آخر المجددين من معطيات الطبقة المتوسطة التي راجت في الأندلس خلال قرن كامل (من عام 350- 450 هجرية).
إذ قال بمقول الربط بين تقدم الطبقة المتوسطة والتقدم العلمي والأدبي واﻹنساني للمجتمع. ولابد أن نعي أن صاعد هو تلميذ ابن حزم الفقيه والمؤرخ الأندلسي الشهير، كما عاصر صاعد فترة سقوط الدولة الأموية في الأندلس، وبداية عصر ملوك الطوائف.
أشار د. محمود ﺇسماعيل في مقدمته للكتاب ﺇلى أن هذا الكتاب هو ﺇبداع غير مسبوق، فهو أول كتاب عن «شخصانيات الأمم والشعوب». إذ اعتمد السابقون عليه مثل المسعودي والبيروني.. وحتى أستاذه ابن حزم، اعتمدوا على التعريف بالأصول العرقية للشخصيات فقط. بينما اعتمد صاعد على معيار «درجة ﺇسهام الشخصية في تطوير العلوم والمعارف وفق رؤية موضوعية وﺇنسانية غير متعصبة».
يلاحظ القارئ، أن هذا الكتاب المنشور هذا الشهر هو عن نسخة مطبوعة عام 1912م، حققها الأب لويس شيخو، وانتشر في تلك الفترة تحقيق التراث وﺇعادة طباعته بواسطة جاليات تعيش بمصر. وتعقيباً على تلك الملاحظة يقول المراجع للكتاب د. محمود إسماعيل، إن النسخة الأصلية هي بمراجعة الأب لويس عن ثلاث نسخ مخطوطة بدار الوثائق المصرية، قام الأب بمراجعة المخطوطات الثلاث وﺇرسال النسخة النهائية للمطابع.
وفى مقدمة الأب لويس للكتاب، يقول: «كتاب طبقات الأمم أحد الكتب النادرة التي تعرض فيها كتبة العرب لوصف العلوم بين الأمم التي سبقت عهدهم.. وكان أهل الأندلس يفتخرون به ويروونه لأهل الشرق، كما حدث وقدمه عبدالله بن مرزوق لابي طاهر السلفي بالإسكندرية».
بدأ صاعد كتابه بالحديث حول الأمم القديمة وقال: «أعلم أن جميع الناس في مشارق الأرض ومغاربها وجنوبها وشمالها، وإن كانوا نوعاً واحداً يتميزون بثلاثة أشياء: الأخلاق والصور واللغات».
وهكذا يبدأ عرض أفكاره التي يصعب عرضها تفصيلياً، ﺇلا أن كتابه تناول الأمم القديمة.. ثم اختلاف الأمم وطبقاتها بالأشغال.. ثم الأمم التي لم تعن بالعلوم.. ثم الأمم التي عنيت بالعلوم (الهند، فارس، مصر، الكلدان، اليونان، الروم، العلم عند العرب، ثم العلوم في الأندلس، كما أورد بعض المعلومات عن بني ﺇسرائيل).