«غزة والحركة الوطنية الفلسطينية» كتاب جديد لحسان فتحي البلعاوي
صدر حديثا عن دار الشروق للنشر والتوزيع في الاردن، كتاب «غزة والحركة الوطنية الفلسطينية» للدبلوماسي والإعلامي حسان فتحي البلعاوي.
يهدي حسان كتابه الأول إلى ذكرى والده فتحي البلعاوي الذي عاش في غزة مطلع الخمسينيات وشغل منصب نقيب المعلمين الفلسطينيين وتميز بكونه اطارا جماهيرياً ضم القوى السياسية الرئيسية في ذلك الحين: جماعة الاخوان المسلمين، الحزب الشيوعي الفلسطيني في القطاع، والتيار القومي وقد قادت نقابة المعلمين التحركات الجماهرية الكبرى ضد مشاريع توطين اسكان اللاجئين الفلسطينيين في صحراء سيناء.
يتوزع الكتاب في مئتين وأربع وعشرين صفحة من القطع المتوسط على تسعة فصول تبدأ من تاريخ غزة القديم منذ فترة الكنعانيين وصولا إلى أعتاب العدوان الاسرائيلي على غزة في نهاية عام 2008 .
يقدم البلعاوي وقائع تاريخية ليسقطها على الوضع السياسي الحالي اعتماداً على تجربته الشخصية والمهنية في المؤسسة الفلسطينية. الكتاب مزيج من التاريخ المختصر والتحليل السياسي من منظور شخصي لمخاطبة الرأي العام الغربي بهدف ايصال فكرة بسيطة تقول أن لا سلام ولا استقرار في منطقة الشرق الاوسط وضفتي البحر الأبيض المتوسط دون تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني المتمثلة في المشروع الوطني الفلسطيني بما فيها غزة التي تشكل فقط 1.33 بالمائة من مساحة فلسطين، ومع ذلك شكلت منذ نكبة فلسطين الأولى العام 1948 الساحة الرئيسة التي تتحدد فيها ملامح المشهد السياسي الفلسطيني والذي يمتد الى بقية المساحات الفلسطينية سواء داخل الوطن او في سياج منافي اللجوء والشتات.
يتناول الكتاب الموقع الاستراتيجي الهام لغزة كمنطقة تواصل بين قارتي اسيا وافريقيا، والتي قال عنها القائد الفرنسي نابليون بونابرت بانها بوابة اسيا وجسر لافريقيا. كانت أول مركز اداري للكنعانيين في فلسطين، وقلعة متقدمة للفراعنة في مصر تصد الغزوات القادمة من اسيا، وغزة من أقدم مدن العالم كما أظهرت حملات تنقيب الآثار الاوروبية التي بدأت العام 1894 بفريق سويسري مرورا بالبعثات البريطانية خلال الانتداب البريطاني، وصولا للبعثات الفرنسية مع انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية والتي اشارت لوجود مدينة رومانية في مخيم الشاطئ.
يستعرض الكتاب الحقبات التاريخية التي مرت بها غزة من فترة حكم الامبراطور الاسكندر المقدوني وقيام مدارس فلسفية وجامعة، مرورا بالحقبة المسيحية والتي تركت عدة كنائس وآثاراً تاريخية هامة ما زالت قائمة حتى اليوم، وانتهاء بالفتح الاسلامي الذي شيد مساجد غنية بالمستوى المعماري، ومنها مسجد السيد هاشم، جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي اعطى المدينة اسم غزة هاشم، وصولا لحقبة الحروب الصليبية أو حروب الفرنجة التي شهدت صلح الرملة بتوقيع القائد صلاح الدين الأيوبي مع ملك الفرنجة ريتشارد قلب الاسد.
يتطرق الكتاب بالطبع إلى مرحلة النكبة وأثرها في التغير الجذري لغزة من زيادة سكانية تقدر بنحو 300% نتيجة لتدفق اللاجئين وما فرضه ذلك من وقائع جديدة، ووقائع عقد أول مجلس وطني فلسطيني برئاسة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني مطلع اكتوبر 1948 في مدرسة الفلاح والذي اعتمد العلم الفلسطيني الحالي، كما دعم انشاء حكومة عموم فلسطين كأول محاولة كيانية فلسطينية نالت اعتراف الجامعة العربية انذاك، وكانت تصدر جواز سفر خاصاً بها ولديها وزراء ومبعوثون تجولوا في العالم لشرح القضية الفلسطينية بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة .
كما تناول المؤلف الأسباب التي جعلت من جماعة «الاخوان المسلمين» الأكثر تأثيرا في القطاع، والتي خرجت من رحمها الطلائع الأولى المؤسسة لحركة «فتح»، كما تناول تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة مطلع الخمسينيات لتشكل احدى الحاضنات الرئيسية لولادة الفكرة الوطنية الفلسطينية.
كما استعرض مرحلة الاحتلال الاسرائيلي الأول للقطاع اثر العدوان الثلاثي على مصر العام 1956 مركزا على تجربة المقاومة الشعبية وعلى الرفض الشعبي لتدويل قطاع غزة طبقا لمشروع طرحه وزير الخارجية الكندي آنذاك، متناولا بروز الشخصية الوطنية الفلسطينية ببعدها القومي ودعوة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأسيس الاتحاد القومي ثم المجلس التشريعي العام 1962 وصولا لانشاء منظمة التحرير الفلسطينية.
قدم الكاتب قراءة لتطور المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة حركة فتح عبر مراحل متعددة بدءا من معركة الكرامة 1968 مرورا بخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان العام 1982 والذي دفع لعودة الثقل النضالي الفلسطيني للداخل المحتل واشتعال الانتفاضة الأولى من مخيم جباليا أواخر العام 1987 وما صاحب ذلك من «هجوم السلام» الفلسطيني والذي تجسد بدورة الاستقلال في المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العام 1988 وصولا لحرب الخليج الثانية وما نتج عنها من مؤتمر مدريد للسلام والذي قاد الى اتفاق اوسلو العام 1993 .