Skip to main content
تجربة «فايسبوك» الجديدة تعمق أزمة المؤسسات الإعلامية

لم يعد هناك مفر سوى الخضوع إلى شروط «فايسبوك» وقوانينه بغض النظر عن طبيعة المؤسسات أو الأفراد الذين يملكون حسابات على هذه المنصة. ونظراً إلى الاعتماد المطلق الذي تعتمده المؤسسات على المنصة الزرقاء، فإنها تصبح ضعيفة أمام شروطها، خصوصاً أنها أصبحت في حاجة إليها وليس العكس كما كان سابقاً.

ويخطط «فايسبوك» اليوم لتجربة قد تُغير مفاهيم إدارة الصفحات والصفحات التجارية، خصوصاً تلك التي تخص المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ بدأ بتجربة فصل صفحات المؤسسات والمتاجر عن صفحات الأشخاص العاديين، إذ لن يتمكن صاحب الحساب الفردي من رؤية صفحات الأعمال والمنتجات التي تعرضها إلا من خلال الدخول إلى صفحة خاصة في «نيوز فييد» من الصعب إيجادها.

ولكن هذه الصفحات ستكون متاحة للأفراد فقط في حال قامت الشركة بالدفع لقاء الظهور، ما سيزيد الفاتورة اليومية التي على المؤسسات دفعها للوصول إلى المستهلكين، خصوصاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على «فايسبوك» حصراً للوصول إلى أسواقها.

وفي الخطوة التي اعتمدها «فايسبوك» ضربة واضحة لقطاع الأعمال، ولو أنها تحسن حياة الأفراد، إذ تخفض نسبة الغعلانات التي تواجههم يومياً على صفحات الموقع الأزرق، خصوصاً أن الكثير من المؤسسات أصبحت مقتنعة بأهمية الدفع لقاء ترويج خدماتها، ما دفع المستخدم إلى «الهرب» من هذه المنصة عملياً.

ولعل الصفحات الإخبارية من أبرز المتضررين في هذا القرار، على رغم أنه لم يدخل حيز التنفيذ رسمياً، إذ لا يزال تطبيقه مقتصر على بضعة بلدان وعلى سبيل التجربة لا غير.

وستعامل المؤسسات الصحافية بصفتها صفحات أعمال، ما يعني أن من الصعب ظهور ما تنشره على منصة التواصل للأشخاص العادييين، ما لم تدفع لقاء هذه الخدمة. ونظراً إلى أن الصفحات الإخبارية تتطلب متابعة شبه دائمة ومن غير المنطقي أن تقوم بالدفع لقاء كل الأخبار التي تنشرها، خصوصاً أن معظمها لا تملك أي وسائل ترويج أخرى على عكس المؤسسات التي يُمكنها الترويج لنفسها بطرق أخرى على غرار إنشاء حساب فردي مثلاً، فإن هذه الخطوة ستزيد من الأعباء على هذه المهنة التي تعاني أصلاً من الكثير من المشاكل.

وفي هذا السياق، لاحظت مؤسسات صحافية عدة في مقدمها «دينيك ان» الموجودة في ست أسواق هي بوليفيا، كمبوديا، غواتيمالا، صربيا، سلوفاكيا، وسيريلانكا، هبوطاً حاداً في نسبة وصول موادها إلى المشتركين من دون دفع (أورغانيك ريتش) وصل إلى 66 في المئة.

ويعود السبب في هذا الهبوط بشكل رئيس إلى أن «فايسبوك» قد بدأ تجربته في هذه البلدان تحديداً، وقام بنقل كل المنشورات التي تنشرها الصفحات إلى مكان مخصص من الصعب إيجاده، وترك «النيوز فيد» العادي للمستخدمين والاستخدام «الشخصي» غير التجاري.

وأفاد موقع «ميديوم» أن أكثر من 60 مؤسسة إعلامية تعمل في سلوفانيا، انخفضت نسب التفاعل مع صفحاتها ومنشوراتها في هذه البلدان أربع مرات منذ بداية التجربة. وكان تأثير هذه التجربة في غواتيمالا وكامبوديا ذاته.

والملاحظ أيضاً، أن نسبة الوصول إلى المستخدمين في سلوفانيا تحديداً، لم تتأثر في شكل كبير في المؤسسات الصحافية الضخمة والعريقة، ولكن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نالت نصيبها من هذه التجربة، ومن المرجح أن تصل آثارها قريباً إلى المؤسسات الكبيرة.

ولعل السبب الأبرز في عدم وصول هذه الآثار في شكل كبير إلى المؤسسات الضخمة العريقة يتمثل في أنها استثمرت بطريقة صحيحة من خلال ضخ الأموال في منصاتها الخاصة والترويج لهذه المنصات من خلال وسائل التواصل، وهو ما لم تلتفت إليه المؤسسات الصغيرة التي اعتمدت طريقة مغايرة تماماً تتمثل في الاستثمار في وسائل التواصل لإيصال الناس إلى منصاتها الخاصة.

ولكن لا يجب أن يصيب الذعر المؤسسات الصحافية، خصوصاً أن هذه التجربة لا تزال غير معممة، ولم يتخذ أي قرار بتعميمها حتى الساعة. ولكن لـ «فايسبوك» تاريخ طويل في تغيير الخوارزميات لخدمة مصلحته الشخصية، وإلزام المؤسسات العاملة على التأقلم معه.

وفي تدوينة على موقع «فايسبوك» أكد رئيس قسم «النيوزفيد» آدم موسيري، أن هذه التجربة ليست معممة ولا يوجد أي خطط حالياً لتعميمها على الأسواق الأخرى، مشيراً إلى أن هذه التجربة قد تستغرق شهوراً عدة، وقد تستغرق وقتاً أطول لكي تتأقلم المؤسسات عليها». وأشار إلى أن شركته تحاول بناء فضاء مخصص للتواصل بين الأصدقاء والعائلة، وفضاء آخر مخصص للمنشورات من الصفحات تحت عنوان «اكسبلورر»، في خطوة تُذكر بـ «سنابشات» والحرب المتواصلة بين التطبيقين.

والحال، أن هذه التجربة التي لا يعرف إذا كانت ستبصر النور عالمياً أو لا، تأتي من توقعات بأن مبيعات الإعلانات في «فايسبوك» ستنخفض خلال السنوات المقبلة، فضلاً عن شعور بـ «الملل» يصيب المستخدمين على هذه المنصة، ما يجعلهم يبحثون عن بدائل بعيدة منها.

وطرح «فايسبوك» الكثير من المنتجات التي حاول فيها جذب الأفراد والمؤسسات، منها مثلاً «المقالات الفورية» التي تهدف إلى قراءة المقالات على المنصة مباشرة ومن دون أن يتم تحويل المستخدم إلى الموقع الخاص بالصحيفة، وهو ما يؤثر في شكل كبير في مستقبل المؤسسة التي تعتمد هذه الخدمة.

كما أطلق الموقع الأزرق النسخة الأولية لخدمة «واتساب بيزنيس» المخصصة للمؤسسات التجارية، إذ بات بإمكانهم استعمال هذه المنصة للتواصل مع الزبائن والاتصال بزبائن جدد والترويج لنفسهم باستخدام منصة التواصل الأشهر حول العالم.

كل هذه الوسائل وغيرها، تهدف في شكل رئيس إلى تحويل «فايسبوك» ومنصاته المرتبطة إلى «وحش» يلتهم جميع المؤسسات البعيدة منه، ويلزمهم بالتحول إلى منصاته في حال أرادوا البقاء في الفضاء الإلكتروني، مستغلاً قاعدة المستخدمين العريضة التي يملكها للترويج لنفسه، وللمؤسسات التي تدخل إلى عالمه.

واللافت، أن هذه المؤسسات تدخل إلى هذا العالم وتلتزم بشروطه، عن إدراك مسبق أو عدم إدراك بأن هذه الخطوة ستجعلها رهينة لسياسات «فايسبوك» التي تهدف أولاً وأخيراً إلى تحقيق الربح الشخصي، بغض النظر عن أرباح المؤسسات.

وعند دخول هذه المؤسسات إلى هذا العالم، والاستثمار فيه، فإنها تفقد شيئاً فشيئاً منصاتها الخاصة، ويصبح حجم الدخول إليها مربوطاً بحجم الاستثمار الذي تستثمره في «فايسبوك» حصراً. ولعل «آي جي بلاس» مثال صارخ عما سبق خصوصاً في العالم العربي، إذ اعتمدت المؤسسة استراتيجية الترويج لنفسها بصفتها صفحة على وسائل التواصل وخصوصاً «فايسبوك» من دون أي موقع خاص بها، أو أي شيء قد يربط المستخدم بمنصاتها الخاصة، ما قد يجعل من تجربة كهذه مدمرة على صعيد هذه المؤسسة، إذ ستجد نفسها مضطرة إلى الالتزام بشروط «فايسبوك» التي قد تعني ملايين الدولارات سنوياً من الاستثمار في الموقع الأزرق، من دون نتيجة واضحة على مستوى المؤسسة ككل.

كما أنها ستكون واقعة تحت رحمة أيّ تعديلات اخرى قد يحاول «فايسبوك» تطبيقها بهدف جذب زبائن إلى منصته، وستكون مضطرة إلى التأقلم مع أي من هذه التعديلات من دون أي فرصة للتحكم بمصيرها.

والحال، أن هذه الطريقة في الترويج لا يمكن أن تستمر، خصوصاً أن «اللعب على أرضك» تعتبر من قواعد الترويج الذهبية، وهي الطريقة التي اعتمدتها المؤسسات الضخمة في سلوفانياً مثلاً منذ سنوات طويلة، لذلك لم تؤثر التعديلات الجديدة فيها بصورة كبيرة.

وتتمثل هذه القاعدة في شكل رئيس في الاستثمار في المنصات الخاصة، وسحب المستخدم عن مواقع التواصل إلى المنصة التابعة للشركة، عوضاً عن الاستثمار في تحويله إلى منصات التواصل التي لا تملكها الشركات، ما يجعل المؤسسة رهينة لشروط المؤسسات على غرار «فايسبوك» و»تويتر» الذي له تاريخ أيضاً في التجارب المشابهة.

ربما حان الوقت للاستثمار في إعادة توجيه الاستراتيجيات الاعلامية بعيداً من مواقع التواصل، وسحب المستخدمين إلى المنصات الخاصة، إلا أن هذا يتطلب الكثير من الاستثمار في الجهد والمال والوقت لتحقيقه، فضلاً عن الرؤية الواضحة للمؤسسة التي تريد فصل مصيرها عن شبكات التواصل، واستغلال هذه الشبكات للترويج لنفسها عوضاً عما هو حاصل حالياً. إلا أن الأكيد، أن على المدى البعيد ستكون هذه الطريقة في الاستثمار أسلم وأكثر إفادة للمؤسسة من الاستثمار في شبكات لا تملكها وتجعلها رهينة شروط لا قدرة لها في التأثير عليها.

30 Oct, 2017 07:16:06 AM
0

لمشاركة الخبر