تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
وفاء شهوان بين شذا الأدب وعبق التاريخ

في الوقت الذي تلتزم فيه الرسائل الأكاديمية بالمناهج والقيود التي تفرضها الجامعات على طلبتها واساتذتها، تظهر بعض الكفاءات الإبداعية التي تخرج من القفص الأكاديمي وتنفتح على الدين والدنيا، وعلى التاريخ والأدب، لتقدم إضافات نوعية جديدة، فيها الكثير من التجديد والإبتكار، على غرار الدكتورة وفاء شهوان(أستاذة الأدب والنقد في جامعة البلقاء التطبيقية، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب) في كتابها الصادر عن دار عالم الثقافة، بعنوان (بهاء الدين بن شداد المؤرخ الأديب539-632هـ سيرة صلاح الدين).

 

كيف لا؟، وقد كان المشرف على رسالتها الماجستير التي حملت هذا العنوان العلاّمة أ.د. محمود ابراهيم (والد الأستاذتين د.إيمان ود. رزان ابراهيم) وعم د.وليد سيف، وقد كان لي شرف التتلمذ على يديه في مادة شعر الروميات في الجامعة الأردنية عام1975، فهو يتيح لطلبته التحليق في عوالم الأدب والكتابة بحرية مطلقة، وذلك بعد أن يرفدهم من ثقافته الموسوعية ومراجعه بما يشد أزرهم، ويوصلهم إلى مراتب علمية متقدمة، وهذا ما حظيت به د.وفاء، فأبدعت كتابها الذي يجمع بين التاريخ والسيرة الأدبية والفنية، والذي يقدم حقائق جديدة في تفاصيل حياة البطل صلاح الدين الأيوبي ومعاركه وبطولاته لتحرير القدس.

 

يضاف إلى ذلك، ان كتابها المرجعي هذا، يـُـنصف حقبة زمنية اتهمت بالظلمة المعرفية، وصنفت تاريخيا بالمتأخرة، فجاء ردا على هذا الاتهام الباطل، الأمر الذي قام به عدد من زملائها الذين يتقدمهم د.عبد الجليل عبد المهدي الذي تشرفت بأن درست على يديه مادة (أدب العصور الصليبية) والذي كان يـُقدم كما قدمت د.وفاء من عبق التاريخ ما يؤكد أن تلك الفترة لم تكن مظلمة، ولا يمكن تصنيفها ضمن عصور الإنحطاط كما يزعم بعض الجهلاء، بل كانت حقبة التنوير والتأليف وعصر الموسوعات والهيئات العلمية والمعرفية.

 

ومن حسن الحظ، أن د.وفاء وجدت في تلك الحقبة الكثير من أهل العلم والمعرفة، ومن بينهم بهاء بن شداد الذي سطر سيرة صلاح الدين الأيوبي يوما بيوم في آخر ست سنوات عاشها، وعايش فيها كاتب السيرة، فحظيت مكتبتنا العربية، بهذا الإبداع، الذي يشبه كثيرا ابداعها في كتابها (ضياء الدين ابن الأثير وشعراء المعارك النقدية: أبو تمام والبحتري والمتنبي)،وكما هي مبدعة في ابحاثها كافة، فقد أعادت د.وفاء الاعتبار لهذا العلامة، بعد أن كان منسيا، وكانت سيرته متناثرة في بطون الكتب، ولكثرة ما نقـّـبت وبحثت وحللت في التراث العربي عامة، وتراث بيت المقدس خاصة، بدا لمن يطالع كتابها أنها مؤسسة في فرد، وأن كل ما سطرته ضمن جهودها العلمية والبحثية والاستقصائية، كان دون حدود او انتظار لمردود، فهي علاّمة، كثيرة البحث، مهتمة بأدق التفاصيل، ولطالما كانت واسعة الاطلاع، وصاحبة ثقافة موسوعية، فاسترجعت في كتابها الماضي وربطته بالحاضر، وتوحدت ذاتها مع القدس، ولم تثقل كتابها بالحواشي والهوامش، واتسم كل كل ما أنجزته بالموضوعية النزاهة والأمانة العلمية والشمول، حيث بدأت كتابها بتوطئة تاريخية تحدثت فيها عن الثقافة زمن صلاح الدين،وفي الفصل الأول توقفت عند سيرة ابن شداد، وفي الثاني عند مؤلفاته الأدبية والتاريخة، ثم الدينية ثم كتب التراجم، وانتقلت قبل الخاتمة وثبت المصادر والمراجع، والملاحق، والفهارس، إلى الخصائص الفنية.

 

 

المصدر: الدستور

25 أغسطس, 2021 12:17:11 مساء
0