أبرز كتب شهر أكتوبر في بريطانيا: من تقاطع طرق إلى بيرنتكو
تطغى على إصدارات الكتب في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي هذا العام مذكرات المشاهير، إذ يسارع كوميديون وممثلون وموسيقيون، بمن فيهم ديف غرول، نجم فرقتي "نيرفانا" و"فو فايترز"، إلى نقل تجاربهم الشخصية على الورق. هناك مفاجأتان في نهاية الشهر، إذ تشدّ السيرة الذاتية للموسيقي والممثل البريطاني براين كوكس بعنوان "وضع الأرنب في القبعة، سيرتي الذاتية" Putting the Rabbit in the Hat الصادرة عن "دار كيركس"، القارئ منذ البداية، فتُفتتح مع مقدمة بارعة عن سخافة الممثل ستيفن سيغال. إنه كتاب صادق وجذاب يمكنكم توقعه من الممثل اللامع بطل مسلسل "توريث" Succession. أما الممثل المسرحي الاسكتلندي آلان كامينغ، فسيجعلكم تضحكون وتقهقهون بفضل كتابه "أمتعة، حكايات من حياة شديدة الامتلاء" Baggage: Tales from a Fully Packed Life، الصادر عن دار "كانونغيت"، الذي يتضمن سرداً يبقى عالقاً في الذاكرة عن مدى التعاسة التي عاشها الكاتب حينما أمضى عطلة نهاية الأسبوع في ضيافة الكاتب الأميركي غور فيدال الذي كان تحت تأثير الكحول والغضب.
استمعتُ إلى الجزء الأول من مذكرات الكوميدي الأميركي ديفيد سيداريس، ويحمل الكتاب المسجل بصوته عنوان "سرقة اللُقية" Theft by Finding، ولا يزال بإمكاني سماع صوته في رأسي أثناء قراءته الجزء الثاني "كرنفال المذكرات الخفيفة، الجزء الثاني 2003-2020" A Carnival of Snackery – Diaries: Volume Two, 2003-2020 الصادر عن دار "ليتل براون"، المملوء بالطرافة والسخرية الحاذقة نفسيهما. يعرض الكتاب تذوقه الرائع للأشياء الغريبة، على الرغم من أنه يتناول الشؤون العالمية في يومياته على غرار "المحتال" دونالد ترمب وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفيروس كورونا، إلا أن أكثر ملاحظاته طرافة تتطرّق إلى المواقف الغريبة التي تصادفه مع الرعاع. نعم. ثمة كثير من النكات، مرة أخرى، وفق ما كانت الحال مع مدخل ذكرياته عن يوم 25 سبتمبر (أيلول) 2007، إذ كتب، "باريس. تكريماً لرحيل مارسيل مارسو، وقفتُ دقيقة صمت".
في كتاب "أصناف رئيسة، تاريخ الموسيقى الشعبية في سبعة أنواع" Major Labels: A History of Popular Music in Seven Genres الصادر عن دار "كانونغيت"، يأخذ كيليفا سانيه على عاتقه مهمة تطمح إلى تلخيص قصة موسيقى الروك و"آر أند بي" (موسيقى الإيقاع والبلوز) والـ"كانتري" والـ"بانك" والـ"هيب هوب" والـ"دانس" والـ"بوب" في حوالى 450 صفحة. الكتاب جذاب للغاية ومملوء بالتفاصيل الغنية. ومثلاً، إن الفصل الذي يتناول موسيقى الـ"كانتري" ممتع، وكذلك فإن أي شخص يصف المغنية إيريس ديمنت بـ"المذهلة" يحصل على دعمي بصفتي ناقداً موسيقياً. ثمة كتاب موسيقي آخر مثير للإعجاب صدر هذا الشهر هو "من مانشستر مع الحب، حياة وآراء توني ويلسون" Manchester With Love: The Life and Opinions of Tony Wilson عن "دار فيبر". ويتكوّن من حكاية يرويها برول مورلي عن الحياة المليئة بالإثارة للرجل الذي شكّل علامة فارقة مع تسجيلات "فاكتوري ريكوردز" ونادي "ذا هاسييندا" الليلي الشهير في مانشستر.
كذلك، أوصي بشدة بقراءة كتاب موسيقي آخر لمايكل تشيرش عنوانه "موسيقى ضاعت ثم عادت، جامعو الأغاني وحياة وموت تقاليد الفولك" Musics Lost and Found: Song Collectors and the Life and Death of Folk Tradition الصادر عن "دار بويدل أند برور ليميتد". ويتمثّل الكتاب في دراسة مثيرة عن الدور الرائد الذي أدّته مجموعات الأغاني في التاريخ الموسيقي. ويلقي تشيرش الذي يكتب عن الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا في "اندبندنت"، نظرة فاحصة أيضاً على ما يُسمّى بطفرة "الموسيقى العالمية".
في سياق آخر، أتبع جون بانفيل كتابه الرائع "ثلج Snow، بعمل ممتع للغاية جسّده كتاب "أبريل في إسبانيا" April in Spain الصادر عن "دار فيبر"، وفيه ظهور مرة أخرى للمحقق المفتش سانت جون سترافورد. في هذه المرة، يظهر المفتش كشخصية ثانوية في رواية الإثارة والجريمة التي تدور أحداثها بين لندن ودبلن ودونوستيا (سان سيباستيان). إنها رواية تحتوي عدداً كبيراً من الشخصيات الرائعة. يبقى المفضل لدي بين تلك الشخصيات الروائية، هو القاتل غريب الأطوار تيري تايس، ذلك إنه قاتل مناهض للمجتمع يقدم نقداً أدبياً لرواية "صخرة برايتون" Brighton Rock التي ألّفها الروائي الشهير غراهام غرين، زاعماً أن المؤلف لم يكتشف "مشكلة [البطلة] بينكي الحقيقية" لأنه "انشغل تماماً جداً في التأمل بالموت والآخرة".
في سياق موازٍ، تبرز المجموعة القصصية "أقارب موتى وقصص أخرى" Dead Relatives and Other Stories للكاتبة لوسي ماكنايت، الصادرة عن "دار ديد إنك". وتتمثّل أفضل قصصها في تلك التي تحمل المجموعة عنوانها، إذ إنها مفعمة بروح الدعابة ومكوّنة من 66 صفحة.
على نحو مماثل، أحببتُ أول رواية للكاتبة كريستين سمولوود، وهي عمل مثير ومقلق يحمل عنوان "حياة العقل" The Life of the Mind، وصادرة عن "دار يوروبا إيديشنز"، تدور حول بروفيسورة في اللغة الإنجليزية تتعامل مع حملٍ فاشل.
وبالانتقال إلى فئة الكتب المترجمة، ثمة كتابان موصى بهما هذا الشهر، هما "ثقة" للكاتب دومينيكو ستارنونيه (صادر عن "دار يوروبا إيديشنز"، ترجمة جومبا لاهيري)، الذي يجسّد استكشافاً مؤثراً للحب، وكتاب "ليمون" Lemon للمؤلف كوون يو سان (صادر عن "دار أبولو"، ترجمة جانيت هونغ)، ويمثّل قصة جريمة تقشعر لها الأبدان حول مقتل مراهقة كورية، في قضية أُطلق عليها اسم "قتل بسبب الجمال في مدرسة ثانوية".
سيستمتع جمهور الروائية الشهيرة جين أوستن بكتاب "جين أوستن، البدايات ولاحقاً" Jane Austen, Early and Late الذي وضعته فريا جونستون. ويتفحص بعض الكتابات من مرحلة المراهقة لصاحبة رواية "كبرياء وتحامل" Pride and Prejudice، ويبرز أن كثيراً من تلك الكتابات مليء، بشكل مفاجئ، بـ"روح الدعابة السوداء".
ذات مرة، وصف الممثل الراحل روبن ويليامز المخرج غاس فان سانت بأنه مخرج "بارع للغاية لدرجة أنه لا يُنسى". ويحتوي كتاب "غاس فان سانت، فن صناعة الأفلام" Gus Van Sant: The Art of Making Movies للكاتبة كاتيا تيلفتش، الصادر عن "دار لورانس كينغ بابليشينغ"، صورة يظهر فيها ذلك الممثل الكوميدي [روبن ويليامز] ممازحاً الممثل مات ديمون. يروي الكتاب أيضاً قصة خضوع فان سانت لما فعله ويليامز في جملته الأخيرة الحاسمة في فيلم "غود ويل هانتينغ" Good Will Hunting وهي عبارة ارتجلها الراحل ويليامز لحظة التصوير.
نقدم لكم أدناه مراجعة كاملة لرواية جوناثان فرانزين الجديدة، إضافة إلى عملين أدبيين للكاتبين سارة هول ورودي دويل، وعملين لا ينتميان إلى الخيال الأدبي عن العلوم وتاريخ المكتبات.
"تقاطع طرق" للروائي جوناثان فرانزين
Crossroads by Jonathan Franzen ★★★★★
تبدأ حوادث رواية "كروس رودز" التي تشكّل الجزء الأول الآسر من ثلاثية جديدة للكاتب جوناثان فرانزين، في 23 ديسمبر (كانون الأول) 1971، وتحكي قصة عائلة هيلدبراندت التي تعيش في "كرابير بارسونيج" بنيو بروسبكت، إحدى ضواحي شيكاغو. ويستحضر فرانزين ببراعة التداعيات العاطفية المعقدة للأحقاد والمنافسات وانعدام الأمان داخل الأسرة.
ويكتب فرانزين الحائز على جائزتي "الكتاب الوطني" و"بوليتزر" عن روايته "التصحيحات" The Corrections في 2001، بأسلوب دقيق ومتعاطف، عن الطريقة التي يعرف من خلالها أفراد الأسرة كيفية التلاعب ببعضهم البعض، وعن قدرتهم على إيذاء بعضهم البعض بأكثر الطرق المؤلمة، وكيف يمكن أن تتفجر النزاعات المنزلية الداخلية وتنتشر على شكل حقائق في بيت تسوده الأحقاد المدمرة.
يُسرد كتاب "تقاطع طرق" بشكل رائع عبر وجهات نظر متداخلة ببراعة (دار هاربر كولينز، جانيت فاين)
تعرف عائلة هيلدبراندت إخفاقات كل فرد فيها حق المعرفة. ويتركز عدد من الشكاوى على رب الأسرة، القس روس هيلدبراندت. يعمل الكهل روس كمساعد لأحد القساوسة، لكنه رجل محبط وحانق. ويتعرض زواجه للتفكك، وتتعثر حياته المهنية، ويعاني من الإذلال المهني على يد وزير شاب يحتقره، إنه الرجل الذي أزاح سيطرة مجموعة "كروس رودز" الشبابية التابعة للكنسية.
وبالطبع، يُعتبر استخدام اسم "كروس رودز" [الذي يعني حرفياً مفترق طرق] مجازاً، إذ يواجه كل فرد في عائلة هيلدبراندت لحظة عصيبة. وتكره ماريون، زوجة روس، الطريقة التي "تحوّل فيها جسدها إلى ما يشبه النقانق"، لكنها شخصية لديها أسرار كثيرة، تبوح ببعضها لطبيب نفسي تصفه بـ"قطعة زلابية". ويبدو كليم، ابنهما الأكبر، منهكاً بسبب حيرته الجنسية وشعوره بالذنب لتجنّبه التجنيد في حرب فيتنام. يشعر كليم "بالخزي" لكونه ابن رجل يعتبره "محتالاً أخلاقياً". وتمثّل أخته بيكي التي تربطه بها علاقة معقدة تطغى عليها درجات من سفاح القربى، "صاحبة الجلالة الاجتماعية" في مدرستها الثانوية، لكنها تضيع في متاهة أخلاقية بعد بلوغها عمر 18 سنة.
وكذلك تكره بيكي أيضاً كونها ابنة قس. وتبغض شقيقها المراهق الأصغر بيري، ذلك الشخص الشاذ في العائلة، لأنه تمرّد ويتعاطى المخدرات. ويدخل بيري في نزاع صريح مع والده. في المقابل، ينفر روس من "الرائحة النتنة" العالقة بابنه الذكي الضال. واستطراداً، بدأ جودسون، صغير العائلة البالغ من العمر تسع سنوات، بالتغيّر وشرع في فقدان رؤيته البريئة للعالم. وحينما يتساقط الثلج وتتلألأ أضواء عيد الميلاد، يخشى القارئ من أن هناك كارثة تلوح في الأفق، منذ البداية.
ويجري سرد "تقاطع طرق" التي تحافظ على التشويق على مدار 580 صفحة، بشكل رائع من خلال رؤى متداخلة ببراعة. مع تطور حوادث الرواية، يُسلّط الضوء على تاريخ الشخصيات الأكبر سناً، الأمر الذي يكشف أموراً كثيرة عنها، ما يوفر فهماً أعمق للسبب وراء تكوّن أبوين مضطربين إلى ذلك الحد.
في سياق متصل، تملك قصة فرانزين الدقيقة عن الكذب والخيانة الزوجية والحاجة المؤلمة للحب والتفهم، ما تقوله بأسلوب مثير للتفكير حول الطريقة التي يمكن أن تؤدي بها العلاقات الفاشلة إلى إلحاق ضرر دائم بالصحة العقلية. كذلك تشكّل تلك الرواية تأملاً ممتعاً للإيمان والمعتقد، تدور أحداثها في فترة مشحونة من التاريخ الأميركي. وتكمن السوداوية في الخلفية، سواء بشأن الوجود السام للنزاع المسلح، أو الطبيعة الخبيثة للظلم العنصري (يمثّل التفاعل مع السكان الأصليين في أميركا عنصراً أساسياً في الكتاب)، أو آلام عدم المساواة الجنسية أو سلوك الرجال العدواني تجاه النساء.
وتؤكد عناصر الحوار المقنع وأصالة المكان والزمان والشخصيات والرؤى المؤكدة والتفاصيل الدقيقة للوصف، أن القارئ يقف أمام كاتب محترف وحقيقي. ببساطة، رواية "تقاطع طرق" عمل مذهل.
صدر كتاب "تقاطع طرق" Cross Roads للكاتب جوناثان فرانزين عن "دار فورث إستيت" في 5 أكتوبر، ويباع بسعر 20 جنيهاً استرلينياً للنسخة الواحدة.
"بيرنتكوت" لـسارة هول
Burntcoat by Sarah Hall ★★★★☆
لطالما شكّل المسرح السخيف المسمّى بـ"الحياة"، أمراً يصعب التعامل معه بالنسبة إلى النحاتة المرموقة إديث هاركنيس. كانت طفولتها صعبة، إذ غادر والدها البارد والضعيف بعد أن عانت زوجته نعومي من نزيف دماغي مروع، تاركاً إديث، بطلة رواية "بيرنتكوت" للكاتبة سارة هول، كي تجري تربيتها "على يد امرأة وظل امرأة مستعارة".
الآن، بعدما تقدمت إديث في العمر وتعيش في محترف ضخم في منطقة "بيرنتكوت"، تحاول البطلة فهم الطبيعة المؤقتة للوجود وماضيها المحطم وتحديات عملها كفنانة مبدعة والذكريات المؤلمة لأصدقاء وعشاق فقدت الاتصال بهم منذ زمن طويل. ويأتي هذا التأمل الذاتي في الوقت نفسه الذي تكافح للتكيف مع الوباء والوجود في زمن الحجر الصحي. إنها "أوقات غريبة، [تلك هي] العبارة التي سيستخدمها جميعنا، مراراً وتكراراً إلى أن تفقد معناها". وتحاول إديث أيضاً أن تفهم مشاعرها تجاه عشاق الماضي الفاسد والعلاقة المزرية وربما القدرية التي تجمعها مع حبيبها هاليت.
رواية سارة هول "بيرنكوت" رقيقة وحارقة وستجعل قلوبكم تعتصر (دار فيبر، ريتشارد ثويتس)
وتبحث الكاتبة هول التي ترشحت مرتين سابقاً لنيل "جائزة بوكر"، بمهارة في الطريقة التي يؤدي بها الوجود المحصور إلى تفاقم الجروح الموجودة في النفس. إذاً، تجسّد "بيرنتكوت" حكاية خلابة عن كفاحنا اللامتناهي كي نعرف كيف نوجد وكيف نتعلم التعايش مع الخسارة.
واستطراداً، تجسّد إديث بطلة روائية عظيمة، وستجعل رواية هول الرقيقة والحارقة قلوبكم تعتصر على امرأة "انقلبت روحها رأساً على عقب".
وصدرت رواية "بيرنتكوت" للمؤلفة سارة هول في 7 أكتوبر عن "دار فيبر" وتباع بسعر 12.99 جنيه استرليني للنسخة الواحدة.
"حياة من دون أبناء" للكاتب رودي دويل
Life Without Children by Roddy Doyle ★★★★☆
إذا كنتم تبحثون عن دليل لطيف يصف الحياة ضمن عالم يسيطر عليه فيروس كورونا، فسيأتي رودي دويل على رأس القائمة، إذ يقدم الكاتب المولود في دبلن من خلال القصص العشر القصيرة التي تشكّل مجموعته الرائعة "حياة من دون أبناء" نافذة ساخرة، وأحياناً حزينة على الحياة في ظل الإغلاق، ذلك الوقت الذي لم يسبق فيه على الإطلاق "لرقائق البطاطا أن كانت أشد إثارة".
تمثّل قصة "جنازة" حكاية عابرة عن رجل في منتصف العمر مُنع من دفن والدته، ولا يسعكم إلا أن تتعاطفوا مع رجل يتعلق بالراديو ويحاول استيعاب حقيقة فيروس كورونا، مشيراً إلى "الإحصاءات، إنها اللغة الجديدة". إن دويل خبير في التقاط الحوادث اليومية، ويدير عينه المتفحصة إلى تفاصيل الحياة تحت وطأة الوباء، فيرى المشهد المزعج للكمامات المتسخة والمرمية، "إنها تتسبب برطوبة الإسمنت وتخريبه، مثل أوراق الشجر"، أو مظهر المشاة في الشوارع يتحاشون بعضهم البعض كما لو كانوا جمعياً يتزلجون على الجليد.
في إيرلندا التي يتلاعب دويل بخيالها، وهي مكان يطلق فيه على الكلب اسم كلب مع تفخيم، ترون الضرر الذي أحدثه الفيروس. في قصة "المصابيح الخمسة"، يرى دويل رجلاً يتجول في دبلن بحثاً عن ابنه المفقود منذ زمن طويل، مدينة "أُغلق نصف مبانيها بالفعل، كل ما تنتظره هو أن يخرجها الوباء من بؤسها".
كذلك تقدّم قصة "ممرضة" حكاية بسيطة ومؤرقة عن حياة العاملين في خطوط الدفاع الأمامية بمواجهة كورونا، في هيئة "خدمات الصحة الوطنية" البريطانية. وتدور أحداث قصة "ديدان" الرائعة حول المتعة التي يجلبها الحب والموسيقى في فترة الإغلاق، حتى لو صدرت الأصوات عن شخص بسيط وغير هادئ، على غرار المغني ومؤلف الأغاني المحبوب جون دنفر.
تقدم قصص رودي دويل "حياة من دون أبناء" إطلالة ساخرة، وأحياناً حزينة على الحياة أثناء إغلاقات كورونا (دار بينغوين، أنتوني وودز)
كذلك يعمل دويل (63 سنة) ببراعة على تحليل التراجع الذي يحصل في منتصف العمر ويسخر منه. هناك مقطع في القصة التي تحمل المجموعة عنوانها يثير كثيراً من الضحك، ويجيء فيه "كان جيف يعمل من المنزل، أما آلن فليس لديه أدنى فكرة عما يفعله. واشترى لنفسه طاولة مكتب تسمح له بالعمل واقفاً. قال أحد الأزواج الآخرين "لا بد من أنها طاولة مكتب لعينة حقاً، إذا كان عليك طلب الإذن منها إن أردت الوقوف. أخبرهم جيف أن "لدي مشكلة في الظهر"، فهزّ بعض الرجال رؤوسهم مؤيدين. إن لديهم مشكلات في الظهر كذلك". واستكمالاً، فإن مجموعة "حياة من دون أبناء" مليئة بالمواقف الثمينة، المضحكة والحزينة التي لا يمكن التنبؤ بها.
صدر كتاب "حياة من دون أبناء" للمؤلف رودي دويل في 7 أكتوبر عن "دار فينتيج".
"أهمية أن تكون مهتماً، مغامرات في الفضول العلمي" للكاتب روبن إينس
The Importance of Being Interested: Adventures in Scientific Curiosity by Robin Ince ★★★★☆
وفقاً للكاتب روبن إينس، نحن "غارقون دائماً في الحكايات الإعلامية المتدفقة باستمرار". سيُفرح كتاب "أهمية أن تكون مهتماً" القلب ويحفّز عقل كل شخص سئم من التلوث العقلي الذي تسببه وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، المتمثل في فرضية الكسل والبارانويا والمعلومات المضللة.
وألّف إينس، الممثل الكوميدي الذي شارك في إعداد وتقديم برنامج "القفص اللانهائي للقرد" عبر إذاعة "بي بي سي راديو 4"، ذلك الكتاب خلال فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا. وأجرى إينس أكثر من 100 مقابلة مع رواد فضاء وكوميديين وموسيقيين ومعلمين وعلماء أعصاب وعلماء في فيزياء الكم. إن شغفه في العلوم مُعدٍ، حتى بالنسبة لي أنا الذي لم تصل قدراتي العلمية إلى أعلى من المستوى المتوسط في منهاج الفيزياء القديم الذي جرى التخلص منه قبل حوالى 40 عاماً.
ثمة تحدٍّ في قراءة كتاب "أهمية أن تكون مهتماً" الذي كتب مقدمته البروفيسور براين كوكس (هذا الشهر مملوء بأعمال أشخاص يدعون بريان كوكس، على الرغم من أننا نتحدث هنا عن شخص عبقري خبير في الفيزياء، وليس الممثل كوكس الذي يلعب دور لوغان روي في مسلسل "توريث").
إن التفكير في نظرية أن الكون يتمدد بسرعة أكبر من سرعة الضوء، مع ملاحظة أن "معدل تشكّل النجوم هو 4800 نجم في الثانية"، أمر محيّر. يبلغ عرض مجرتنا 100 ألف سنة ضوئية. من الصعب إجراء الحساب. بالتالي، يستخدم إينس أمثلة من مسلسل "ستار تريك" Star Trek بهدف جعل تلك الأرقام المستحيلة مفهومة بشكل تقريبي. ويكتب إينس، "بشكل متزايد، تشرع مهمة ’يو إس إس إنتربرايز‘ [سفينة الفضاء الشهيرة التي تدور فيها أحداث مسلسل "ستار تريك"] التي تستغرق خمسة أعوام، في اتّخاذ هيئة المهمة المحدودة الأفق. ستكون أكثر الأرقام تفاؤلاً التي يمكنني الوصول إليها عن المدة التي سيتمكن الكابتن كيرك [الشخصية المحورية في مسلسل "ستار تريك" وقائد سفينة الفضاء فيه] فيها من عبور مجرتنا، هي 137 عاماً. وسيكون ذلك شريطة أن يحافظ على سرعة تفوق سرعة الضوء بـ729 مرة، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً خطيراً لقوانين الفيزياء".
وإضافة إلى التعامل مع بعض أكبر المواضيع في الحياة كالموت ونهاية العالم والفضائيين ومفهوم الواقع ومرور الزمن وإمكانية وجود جنة، يحتوي الكتاب لحظات مرحة كثيرة، بما في ذلك ملاحظة الكاتب أن لعبة الكريكيت الأقرب شبهاً بلعبة الكرة التي اخترعها المخرج السينمائي الشهير إنغمار بيرغمان. في المقابل، يعتبر هذا الخروج عن الموضوع أمراً جانبياً بالنسبة إلى عمل تأملي جاد في جمال العلم. وكذلك أوصي أيضاً باتباع نصيحة إينس بمشاهدة فيلم "الفن النووي الحراري" Thermonuclear Art عن وكالة "ناسا"، إذ يرى إينس أن ذلك الفيلم سيساعدكم كي تبدأوا "في تكوين فكرة عن المشهد الدائم الذي يجعل الحياة على هذا الكوكب ممكنة".
باختصار، إن "أهمية أن تكون مهتماً" كتاب رائع. أصابني بعسر ذهني في بعض الأحيان، لكنه نشّط دماغي أيضاً.
وصدر كتاب "أهمية أن تكون مهتماً" للمؤلف روبن إينس عن "دار أتلانتك بوكس" في 7 أكتوبر، ويُباع بسعر 17.99 جنيه استرليني للنسخة الواحدة.
"المكتبة، تاريخ هش" للمؤرخين أندرو بيتيغري وآرثر دير ويدوين
The Library: A Fragile History by Andrew Pettegree & Arthur der Weduwen ★★★☆☆
في صورة الغلاف لكتاب "المكتبة، تاريخ هش"، يظهر أحد أرفف الكتب الكبيرة المصنوعة من الحديد الصلب، وقد امتدت على جانبي القاعة الرئيسة في "مكتبة سينسيناتي القديمة" (التي هُدمت منذ فترة طويلة). تتغير الأحوال مع الزمن، بالطبع، إذ تضم مكتبة "ببليوتيك" في مدينة سان أنطونيو بولاية تكساس، مكتبة عامة رقمية بالكامل، حيث يزور جيل التقنية الرقمية المكان للقراءة على مجموعة من شاشات الحواسيب الجيدة الإضاءة. ووفق المؤرخين أندرو بيتيغري وآرثر دير ويدوين، "يتمثّل الأمر الذي بات منسياً الآن، في رؤية الآباء يصطحبون أطفالهم الصغار إلى مكتبة الأطفال، حيث يُعتبر التعامل مع الكتب أمراً بالغ الأهمية في التطور المعرفي على قدم المساواة مع النصوص، أو حينما يعيد شخص متقاعد مجموعة من الروايات كي يستعير أخرى".
خلال نشأتي، كنتُ أقرأ بِنَهَم الكتب التي أحصل عليها من "مكتبة هولبورن"، لذلك لم يكُن من الصعب أن أشعر بسحر كتاب تاريخ المكتبات المتعاطف والعاطفي للمؤرخين بيتيغري ودير ويدوين، إذ ينقلان بإحساس صادق السبب الذي يجعل تلك المؤسسات [المكتبات] مركزية للغاية بالنسبة إلى الثقافة الإنسانية. وتعود تلك القصة المدروسة بعناية والمثيرة للفضول، إلى العالم القديم. وتواصل تقديم تفاصيل عن الآثاريين وفاعلي الخير الذين كوّنوا أعظم مجموعات الكتب في العالم. كذلك يكشف الكتاب عن بعض الجرائم التي ارتُكبت سعياً للحصول على بعض المخطوطات النادرة. ويستعرض المؤلفان أيضاً المخاطر والمشكلات التي تواجه المكتبات في العالم الحديث.
لحسن الحظ، لا يزال بعض الحكومات المعاصرة يحتفي بالمكتبات. فازاداد استخدام المكتبات في فرنسا بـ23 في المئة في الأعوام الـ15 الماضية. ودعمت الحكومة هناك 16500 مكتبة في 2019، بزيادة 400 مكتبة عن الرقم المسجل قبل عامين. لكن، في المملكة المتحدة، للأسف، تشير التقديرات إلى إغلاق أكثر من 800 مكتبة خلال العقد الماضي تحت حكم حزب المحافظين. وبالنسبة إلى وزيرة ثقافتنا الجديدة، نادين دوريس التي تكتب روايات بنفسها وسبق لها أن أكلت مؤخرة نعامة في أحد برامج تلفزيون الواقع، فمن المستبعد أن تقرأ رسالة الحب المفيدة تلك [كتاب "المكتبة"] عن الكتب، أو حتى مجرد أن تبدأ بمحاولة فهم فداحة خطأ تدمير المكتبات.
يصدر كتاب "المكتبة، تاريخ هش" للمؤرخين أندرو بيتيغري وآرثر دير ويدوين، في 14 أكتوبر عن "دار بروفايل بوكس". ويباع بسعر 25 جنيهاً استرلينياً للنسخة الواحدة.
المصدر: اندبندنت عربية