عائشة بلحاج «لا أعرف هذه المرأة» رؤى شعرية متعددة في واقع المرأة والإنسان
تطوف الشاعرة المغربية عائشة بلحاج بقارئ مجموعتها «لا أعرف هذه المرأة» بين رؤى متعددة يبرز فيها التفاؤل والشوق والحكمة، وتتخذ خلالها مواقف وجودية تتحدث فيها باسم الإنسان امرأة كان أو رجلًا، وتقدم عبرها فهما للذات تحرص على إبرازه للقارئ بشكل واضح غير ملتبس.
وجاءت المجموعة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 104 صفحات من القطع المتوسط، واختيرت لغلافها صورة من أعمال المصور والروائي الفرنسي إيريك بينير بيركل، واستهلتها بلحاج بإهداء سألت فيه المُهدى إليها: «هل تؤجّر صوتَها امرأة لا تحب الكلام؟»، بينما حرصت على تقديم اقتباسين لكل من إميل سيوران وعبد اللطيف اللعبي، خاطب كلاهما معنى «الحرية» رغم الأسوار التي تحيط بالأرواح، والألفة التي قد تحول بين الإنسان وآفاقه.
وفي نص قد يُعد تعريفًا بتلك المرأة التي لا تعرفها بلحاج، تقول:
«على مدى حياةٍ طويلة
سعيتُ لاستبدال الضّوء بالعَتمة
ولم يتغيّر هذا العالم،
تغيّرت النّوافذ
التي أرى منها العالم
ونخَرت هذه الرُّوح جَسدها
حتى تلاشى».
واتسمت لغة المجموعة بالوضوح، لكنها مليئة برغم ذلك بالإمكانات التأويلية، التي جعلت الخطاب قادرا على إرضاء أذواق عديدة. وانتمت المقطوعات إلى «قصيدة النثر»، ما منحها قدرة على التحليق والانتقال برشاقة بين العبارات، وزاوجت في عدد من المقاطع بين العبارة الشعرية والفقرات النثرية الطويلة، كما يظهر في نص «عشرة منازل» الذي تقول إحدى فقراته:
«بماذا تشغلُ المنازل نفسَها في غيابنا؟
المنازل التي تخدعنا صلابتها الزّائفة مثل عُلب كرتون تَهوي بمُجرّد البلَل.. ماذا تفعل عندما تستوي بنا الأرض؟
تبديلُ المنازل راحةٌ وتبديل الأشياء محاولة لتقليد المنازل.
كلُّ مكانٍ هو منزل الإنسان، وكلُّ منزلٍ لا تُفتح نوافذه على الشّمس يُبدَّل.
يقولون: لن تُغيّر أصحابك إلّا بأسوأَ منهم لحثّنا على التمسُّك بهم. هم المنازل وهم أجدرُ بالتّبديل، لنقصٍ في الهواء أو السّكينة أو الشّمس.
نتحمّل كلّ شيء في البيوت إلّا الرّطوبة، أو الجفاف، أو ضيق النّفس والسّقفَ الواطئ».
ويتجلى الموقف الوجودي للمجموعة عبر سؤال يصدر فيها باسم الإنسان:
كيف يتجلّى الله في كلمة؟
وماذا نفعل من دونه؟
من الله؟
ما هو؟ من هو؟
عدا أنّه نورٌ خفيّ وضوءٌ يقود الخطوات
وصدى صوتي
حيثُ كلُّ شيء أرغب فيه
واليد التي تُظلّل وقوفي المتململَ في الطّوابير.
خليةٌ في قلبي
وردةٌ لا يزول عطرها
رعشة في أصابعي
دفء على كتفيّ
هو الضّوء والحُضن والدّفء،
إنّه ما تصبون إليه
اركضوا خلف الضّوء
سيقودكم إلى خارج النّفق
حيث يتجلّى.
أما لعبة الإغواء التي تمارسها الحياة أمام المرأة، فيتضح تجاوبها معها في المقطوعة التي تخاطب القارئ فيها امرأة افتراضية فتقول:
ترتعشُ أصابعي
وأنت تفكُّ الزّرَّ
الذي يُخفي الموجة
التي وَعَدَت.
سآخذ كلّ ما يأتي به البحر
وأستسلم حين
يسحبني إليه
لأغدو موجةً
بعشرة أصابعَ، وفمٍ، وقلب.
ومن الجدير ذكره أن عائشة بلحاج شاعرة وإعلامية من المملكة المغربية، تُعِدّ وتقدم برامج ثقافية في الإعلام المرئي والسمعي، وهي تحمل دكتوراه في العلوم السياسية. وهذا الإصدار هو الثالث لها بعد ديواني: «ريح تسرق ظلي» و»قبلة الماء».
المصدر: الدستور