تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
في رثاء طيِّبِ الذِّكْرِ الأستاذ والمؤرخ حَنَّا القنصل

أَبْكِيْ عَلَيْكَ وَيَبْكِيْ الطَّيِّبُونَ مَعِي *** بِكُلِّ مَا عَرَفَ المَوْجُوعُ مِنْ وَجَعِ
أَبْكِيْ وَلِيْ مُهْجَةٌ صَارَتْ إِلَى مِزَقٍ*** أَبْكِيْ وَلِيْ كَبِدٌ حَالَتْ إِلَى قِطَعِ
أَبْكِيْ عَلَى الخُلُقِ السَّامِيْ وَصَاحِبِهِ *** بِكُلِّ مَعْنَى الأَسَى وَالحُزْنِ وَالجَزَعِ
أَتَى النَّعِيُّ فَغَابَ الرُّشْدُ مِنْ أَلَمٍ *** وَخَارَ عَزْمِيْ مِنَ الإِعْيَاءِ وَالفَزَعِ
وَلَمْ أُكَذِّبْ حَدِيثَ النَّاسِ مِنْ ثِقَتِيْ *** وَلَمْ أُصَدِّقْ مَقَالَ الحَقِّ مِنْ هَلَعي
يَا لَلْمُصِيبَةِ جَاءَتْنَا مُبَاغِتَةً *** فَلَمْ تَدَعْ أَيَّ قَلْبٍ غَيْرَ مُنْصَدِعِ
إِنَّ التَّأَهُبَ لِلْبَلْوَى يُخَفِّفُهَا *** كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ يَوْمًا وَلَمْ تَقَعِ
لَكِنْ إِذَا أَقْبَلَتْ تَسْعَى مُدَاهِمَةً *** لَمْ تُبْقِ لِلْمُبْتَلَى وَعَيًا وَلَمْ تَدَعِ
شَتَّانَ بَيْنَ الذِيْ تَبْكِيهِ أُسْرَتُهُ *** وَمَنْ عَلَيْهِ بَكَتْ آمَاقُ مُجْتَمَعِ
آمَنْتُ بِاللهِ مَنْ يَرْعَى الأَجِنَّةَ فِيْ الأَرْحَامِ مَا ظَمِئَتْ فِيهَا وَلَمْ تَجُعِ
وَمَا لَهَا حِيلَةٌ فيْ ذَاكَ تَمْلُكُهَا *** بِحِرْصِ مُنْقَبِضٍ أَوْ خَوْضِ مُنْدَفِعِ
وَاللهُ فِيْ العَيْشِ يَرْعَاهَا وَيَرْزُقُهَا *** وَمَنْ رَعَى اللهُ لَمْ يُهْمَلْ وَلَمْ يَضِعِ
وَالمَوْتُ كَالرَّحْمِ مَا ضَاعَتْ وَدَائِعُهُ *** بِهِ فَلَا تَخْشَ مِنْ مَوْتٍ وَلَا تُرَعِ
وَلَمْ أَجِدْ نَافِعًا كَالبِرِّ مِنْ عَمَلٍ *** لِلنَّفْسِ يَنْفَعُهَا فِيْ هَوْلِ مُطَّلَعِ
كُلُّ الفَضَائِلِ تُعْلِيْ شَأْنَ صَاحِبِهَا *** لَكِنَّمَا تَاجُهُا التَّقْوَى مَعَ الوَرَعِ
وَالُّلطْفُ أَعْظَمُ مَا تَحْوِيه مِنْ خُلُقٍ *** فَإِنَّهُ سِلْعَةٌ مِنْ أَثْمَنِ السِّلَعِ
وَالخَيْرُ يَدْفَعُ عَنْهَا كُلَّ سَهْمِ أَذَىً *** فَلَيْسَ كَالخَيْرِ مِنْ دِرْعٍ لِمُدَّرِعِ
فَحَسِّنِ الظَّنَّ بِالرَّحْمَنِ فَهْوَ عَلَى الإِنْسَانِ أَعْطَفُ مِنْ أُمٍّ بِمُرْتَضِع
وَرَحْمَةُ اللهِ لِلْإِنْسَانِ وَاسِعَةٌ *** فَلَا تُضَيِّقْ فَضَاءً جِدَّ مُتَّسِعِ
(حَنَّا) عَلَيْكَ مِنَ الرَّحْمَنِ مَرْحَمَةٌ *** وَجَادَ قَبْرَكَ غَيْثٌ غَيْرَ مُنْقَطِعِ
لَقَدْ عَرَفْتُكَ أَخْلَاقًا مُطَهَّرَةً *** وَمَا عَرَفْتُكَ ذَا حِقْدٍ وَذَا طَمَعِ
زَهِدْتَ فِيْ شُهْرَةٍ مَا كُنْتَ تَطْلُبُهَا *** حَتَّى أَتَتْكَ بِلَا حِرْصٍ وَلَا طَمَعِ
عَلَى الفَضِيلَةِ مِنْهُ النَّفْسُ قَدْ فُطِرَتْ *** وَنَفْسُهُ فِيْ حِمَى الأَعْرَاضِ لَمْ تَقَعِ
تَعَوَّدَ النَّفْعَ حَتَّى صَارَ عَادَتَهُ *** وَلَمْ يُخَيِّبْ بِيَوْمٍ ظَنَّ مُنْتَفِعِ
وَكَمْ تَعَوَّدُ يَدَا رَاجٍ مُوَقَّرَةً *** إِذَا إِلَيْهِ سَعَتْ أَقْدَامُ مُنْتَجِعِ
أَمَّا النِّفَاقُ فَسُوقٌ مَا أَقَامَ بِهَا *** وَمَا اشْتَرَى مَرَّةً فِيهَا وَلَمْ يَبِعِ
فَـ(مَادَبَا) ثَاكِلٌ تَبْكِيْ أَعَزَّ فَتَىً *** فِيهَا وَأَلْمَعَ مَنْ فِيهَا مِنَ الُّلمَعِ
كْمْ رَاحَ يُلْقِيْ حَدِيثًا عَنْ عَرَاقَتِهَا *** بِحِسِّ مُنْبَهِرٍ أَوْ عِلْمِ مُطَّلِعِ
أَنْفَقْتَ عُمْرَكَ فِيْ التَّدْرِيسِ مَا وَهَنَتْ *** عَزِيمَةٌ لَكَ لَا فِيْ الَّلهْوِ وَالمُتَعِ
يَا عَاشِقَ الُّلغَةِ الفُصْحَى وَسَادِنَهَا *** كَمْ ذُدْتَ عَنْهَا شُرُورَ الزَّيْفِ وَالبِدَعِ
كَمْ كُنْتَ تَغْمُرُنِيْ بِالبِشْرِ تَرْفَعُ مِنْ *** قَدْرِيْ عَلَى كُلِّ عَالِيْ القَدْرِ مُرْتَفِعِ
وَكُنْتَ تُكْبِرُ شِعْرِيْ مُنْذُ كُنْتُ فَتَىً *** وَكُنْتَ تَرْقُبُهُ فِيْ غَايَةِ الوَلَعِ
وَكُنْتُ تُنْشِدُهُ لِلنَّاسِ فِيْ شَغَفٍ *** كَالَّلحْنِ تُرْسِلُهُ فِيْ أُذْنِ مُسْتَمِعِ
وَزِدْتَنِيْ مِنْكَ إِكْبَارًا وَتَكْرِمَةً *** لَمَّا كَبِرْتُ عَلَى شَيْبِيْ وَفِيْ ضَلَعي
كَمْ مَوْقِفٍ لَكَ لَا تَنْسَاهُ ذَاكِرَتِيْ *** نَوَّهْتَ بِيْ رَغْمَ أَنْفِ الحَاسِدِ الُّلكَعِ
فَكَيْفَ أَجْحَدُ فَضْلًا أَنْتَ صَاحِبُهُ *** وَكَمْ عَلَي بِهِ وَالَيْتَ بِالخِلَعِ
فَرُحْتُ أَرِفْلُ فِيْ سَيْرَاءَ سَابِغَةٍ *** وَشَّيْتَهَا بِشُذُورِ التِّبْرِ وَالوَدَعِ
وَلَا أُلَبِّيْ نِدَاءً لِلْوَفاءِ أَتَى *** وَلَيْسَ يُحْجِمُ مِثْلِيْ إِنْ إِلَيْهِ دُعِي
وَلَا أَصُوغُ رِثَاءً فِيكَ يُلْهِمُهُ *** تَجْوِيدُ مُبْتَكِرٍ فِيْ الشِّعْرِ مُبْتَدِعِ
تَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ ذِكْرَىً مِنْكَ خَالِدَةٌ *** بِهِ وَسَلْوَى لِمَكْلُومٍ وَمُنْفَجِعِ

 

 

 

المصدر: الدستور

14 ديسمبر, 2021 10:11:48 صباحا
0