تجاوز إلى المحتوى الرئيسي
متخصصون في التاريخ والآثار يناقشون كتاب د. زيدان كفافي "القدس قبل الإسلام.."

عقد منتدى الفكر العربي، يوم الأحد الماضي، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ الآثار والتاريخ القديم .د زيدان عبد الكافي كفافيعن مضامين كتابه البحثي "القدس قبل الإسلام بين النصوص التوراتية والكتابات التاريخية والآثار"، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: الوزير الأسبق أ.د منذر الشرع، وأستاذة التاريخ القديم من السعودية أ.د فتحية عقاب، والأكاديمية والباحثة في التاريخ وعضو المنتدى أ.د هند أبو الشعر، وأستاذ التاريخ في جامعة الكويت أ.د نعمان جبران، وأستاذ الآثار واللغات القديمة ومدير مكتبة جامعة اليرموك أ.د عمر الغول، ومدير مركز الحسن بن طلال لدراسات القدس ما بعد الدكتوراه أ.د محمد هاشم غوشه.

 

أوضَح المُحاضِر د. زيدان كفافي أن كثيراً من الباحثين، وخاصة الأجانب منهم، قدموا أبحاثاً ودراسات حول مدينة القدس، إلا أنها لا تخلو من الادعاءات والرجوع الكامل للنص التوراتي في محاولةلإسقاط ما جاء فيه على أرض الواقع، مؤكداً بأن المنهج العلمي الذي يتبعه الباحث ومصداقية المراجع التي اعتمدها في كتابة بحثهأكثر أهمية من عدد الكتب والأبحاث التي نشرت حول مدينة القدس،ذلك أن الكثير من الذين عملوا في القدس وضعوا نتيجة البحث قبل كتابته معتمدين على ما جاء في نصوص التوراة.

 

وأشارد. كفافيإلى أن الدراسات الأثرية الميدانية في القدس بدأتمنذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وكان أغلبها من قبل جهات وبعثات أجنبية، وذكر أن كثيراً من نتائج الحفريات الأثرية لم تخدم وجهة النظر الإسرائيلية بشكل خاص، وأنالنهج الذي يتبعه الآثاريون الاسرائيليون يهدف إلى إثبات تاريخية بعض النصوص التوراتية، مما يجعلهم  يبحثون عن اللقى الأثرية في عدد من مناطق القدس مثل البحث عن بقايا لمدينة من القرن العاشرقبل الميلاد في منطقة الحرم الشريف والبحث عن آثار داود وسليمانفي منطقة "الظهور/الظهورة" المطلة على وادي سلوان.

 

وبَيّن د. كفافي أنأول ظهور للإنسان على تراب القدس يعود إلى حوالي 250 ألف سنة، وهذا ما دلت عليهالأدوات الصوانية في منطقة الشيخ جراح بالقدس، وأن المخلفات الأثرية تشير إلى أن بداية الاستقرار في المنطقة يرجع إلى الألف الرابع قبل الميلاد، كماتؤكد نتائج الحفريات الأثرية في القدس أن الناس لم ينقطعوا عن السكنى فيها وفي المناطق المحيطة بها منذ عصورما قبل التاريخ وحتى الوقت الحاضر.

وعن القدس في المصادر التاريخية المكتوبة قال د. كفافي: إن أقدم ذكر للمدينة "أورشليم"ظهر في نصوص فرعونية تسمى "نصوص اللعن"، وتؤرخ لحوالي 1900 قبل الميلاد، ثم ظهر الاسم في عدد من النصوص التوراتية التي تحدثتعن ارتحال "أبرام" من جنوبي العراق الحالي وانتهائه في بلاد كنعان، وخروج اليهود من مصر متوجهين إلى أرض كنعان، وتوزيع الأرض في فلسطين على القبائل الأثنتي عشرة، وعن السبي البابليالذي حصل عام  586 قبل الميلاد وأحوال أورشليم بعده، مشيراً إلىأن نصوص تل العمارنة دلت بشكل واضحعلى أن أورشليم من أقدم المدن الكنعانية التي تأسست حوالي عام 1900 قبل الميلاد..

 

وأكد د. كفافي أن فلسطين التي تشكل الجزء الجنوبي الغربي من بلاد الشام، ويعدتاريخها جزءاً لا يتجزء من تاريخ هذه المنطقة، حيث أقامت على أرضها العديد من الحضارات مما أضفى عليها خصوصية في استمرار مسيرتها،ومن الحضارات التي مرت بالمنطقة: الحضارة الفارسية، تلتهاالحضارة اليونانية حوالي 332 قبل الميلاد، ثم حكم البطالمةحوالي 332-198 قبل الميلاد، وفي عام 198 قبل الميلاد أصبحت تحت الحكم السلوقيين، وإبان حكم الروم لمنطقة جنوبي بلاد الشام في عام 63 قبل الميلاد وضعت القدس تحت إشراف موظفين روم للاهتمام بشؤونها، وبعد سقوط الدولة المكابية حلّ محلها الدولة "الهيرودية" عام 37 قبل الميلاد،واتخذت من أورشليم عاصمة لها، وخلال الفترة بين 135-324 ميلادية فقدت "إيليا كابيتولينا" أهميتها السياسية والدينية، وكانت مدينة قيسارية هي الأولى في فلسطين حينذاك، إلا أنه وخلال ظهور الإسلام في الجزيرة العربية دخلهاالخليفة عمر بن الخطاب عام 638 ميلادية، بعد أن تسلم رسالة من بطريرك "إيليا" صفرونيوس يعلمه فيها بأن المدينة تود الاستسلام، فعادت الأهمية الدينية والسياسية لها.

 

وأشار د. محمد أبو حمّور إلى أن منتدى الفكر العربي ومنذ تأسيسه قبل أربعين عاماً أولى قضية القدس اهتماماً خاصاًمن خلال برنامج "القدس في الضمير"، إذ عمل من خلال أنشطته على أن تكون القضية الفلسطينية والقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية في الطليعة دائماً،لكونها أهم قضايا الأمة العربية وقضية مصيرية بحد ذاتها؛ موضحاً أن القدس مدينة استثنائية في قدسيتها، كما أنها مدينة استثنائية في استمرار سيرتها الحضارية والعمرانية رغم كل ما حاق بها من احتلالات لقوى مختلفة عبر آلاف السنين.

 

وأشار د. منذر الشرع إلى أن الجهات الصهيونية نشطت إبان فترة ضعف الدولة العثمانية، في إرسال البعثات التنقيبية الآثارية إلى فلسطين للعثور على ما يثبت الوجود اليهودي في هذه المناطق، وإقامة الدولة اليهوديةوهيكل سليمان، وأن جهود الصهيونية العالمية في التنقيب والبحث قامت بناءً على ثلاثة أساطير، وهي: "أرض الميعاد" التي وُعِدَ بها اليهود،وأنهم "شعب الله المختار"، ولهم "حق تاريخي في القدس وفلسطين"، موضحاً بأنه ثمة من يعارض من اليهود أنفسهم كل الجهود الرامية لإثبات وجود لليهود أو دولة يهودية في فلسطين أمثال عالمة الآثار البريطانية كاثلين كينون، وعالم الآثار الإسرائيلي زائيف هيرتسوغ.

 

وبينت د. فتحية عقاب أن أسماء القدس القديمة التي وردت في المصادر المصرية والرافدية القديمة لم يكتبها أو يضعها اليهود، وبأن اليهود طوال الفترات التاريخية التي مروا بها لم يتمتعوا بالحكم الذاتي، إلا خلال فترة الثورة المكابية سنة 164 قبل الميلاد ولم تتجاوز مدتها 28 عاماً، مما يدعوا إلىإعادة قراءة المصادر التاريخية المكتوبة برؤية موضوعية، وتضافر الجهود العلمية الآثارية والتاريخيةعلى نحو مؤسسي ومنظم لتقديم دراسات عربية جادة متعلقة بالقدس وتاريخها. 

 

وبدورها أشارت د. هند أبو الشعر إلى أن ما كتب عن القدس باللغة العربية قليل جداً، وبأننا  بحاجة إلى دراسات عربية مقدسية تتميز بعمقها التاريخي والمكاني،وذات طابع بسيط غير معقد لتكون متاحة للقارئ العربي سواء أكان مثقفاً أم مختصاً، مشيرةً إلى ضرورة إعادة النظر بالدراسات المتعلقة بالقدس وإشكاليات التعامل مع النصوص التوراتية والمصادر التاريخية، ونتائج الأبحاث الميدانية والمسوحات الأثرية، والعمل على تعريب الأبحاث العلمية وخصوصاً المتعلقة بمنطقة بلاد الشام، وإعادة النظر في المناهج المقررة المتعلقة بالقدس التي تدرس في الجامعات والعمل على تطويرها بما يتناسب مع آخر نتائج المسوحات الأثرية والأبحاث العلمية.

 

وقال د. نعمان جبران: إن الاهتمام بدراسة تاريخ القدس جاء نتيجة التزوير والتحريف الذي يتعرض له تاريخ المدينة، والجهل الكبير بأهميتها ومكانتها الدينية، ومن هنا ينبغي على الأكاديميين والباحثين العرب تتبع تاريخ القدس منذ أقدم العصور ومعالجة الكثير من الأخطاء المتداولة في التاريخ المعاصر للقدس، موضحاً بأن الإسرائيليين يوظفون التوراة في التاريخ المعاصر بشكل جيد لخدمة قضاياهم المتعددة، مشيراً إلى ضرورة العمل على إنجاز دراسات عربية توضح تاريخ الحركة الصهيونيةوتاريخ الآثاريين الصهاينةفي تزوير الحقائق بما يخدم مصالحهم.

 

وبيّن د. عمر الغول أن ساحة التأليف في موضوع القدس تتطلبالاعتماد على المعرفة الحقيقية والرأي الموضوعي، ومحاورة المفردات العلمية المتخصصة للوصول إلى نتائج علمية رصينة يمكن الدفاع عنها دائماً، مشيراً إلى أن الدراسات والأبحاث عن تاريخ القدس وبلاد الشام قبل الإسلام ليست قليلة لكنهاتحتوي على كثير منالخطابة والعواطف ومعلومات غير دقيقة، ومن هنا ينبغي على الباحثين المتخصصين بتاريخ القدس وبلاد الشام تنويع مصادر البحث العلميوالاستعانةبالنصوص الدينية والمؤلفات الغربية،والبحث عن المعلومة والمعرفةالوثيقة والرصينة بتفاصيلها كمّاً وجودة في مراجعها الأصلية، والمعرفة بنتائج الحفريات الأثرية وتقنياتها.

 

وأوضَح د. محمد هاشم غوشه أهمية ترجمة الأبحاث والكتب العربية المتعلقة بالقدس إلى لغات متعددةبهدفتوضيح الأعمال والرؤية العربيةحول موضوع القدس، وبيان الإسهامات العربية المتعلقة بها، مشيراً إلى أنه وخلال اثني عشر قرناً مضت لم يتجاوز النشر عن القدس الـ40 مخطوطة عربية، وقد ضاع معظمها، وأنه خلال الفترة الممتدة بين 1850-1900م نُشِر ما يزيد على 5000 كتاب باللغات الأوروبية عن القدس، وأن المؤرخين اليهود هم من يكتبون التاريخ المتعلق بمدينة القدس بناءً على توجهاتهم وأهوائهم، في محاولة لطمس أي هويات تاريخية وأثريةغير يهودية وجدت في المدينة.

 

 

 

المصدر: الدستور

20 يناير, 2022 11:58:23 صباحا
0