الجرائم الجنسية في الحروب.. فظائع مسكوت عنها
ربما حان الوقت لكشف المستور وفضح جرائم اغتصاب الألمانيات في الحرب الثانية المسكوت عنها حتى الآن، والتي يقال إنها طالت نحو مليوني امرأة، ارتكبها جنود روس وأميركيون وغربيون. هذا ما تقوله ميريام غيبهارت في كتابها "جرائم مسكوت عنها: اغتصاب النساء الألمانيات في نهاية الحرب العالمية الثانية".
يسلط كتاب مريام غيبهاردت "جرائم مسكوت عنها: اغتصاب النساء الألمانيات في نهاية الحرب العالمية الثانية" Crimes Unspoken: The Rape of German Women at the End of the Second World War (المكون من 350 صفحة، منشورات وايلي) يسلّط ضوءًا كاشفًا على الجرائم الجنسية التي ارتكبها الجيش الأحمر وجيوش الحلفاء الغربيين في نهاية الحرب العالمية الثانية في ألمانيا.
واستعرضت الكاتبة والمؤرخة الألمانية في حديث مع وكالة سبوتنيك الروسية الأسباب الرئيسة للعنف العسكري "المجنسن"، وأوضحت أن هذه القضية لا تزال قائمة، ولا تقل خطورة اليوم.
كسر المحرمات
تقول ميريام غيبهاردت إن الوقت حان لكسر المحرمات المفروضة على مناقشة أعمال العنف الجنسي التي ارتكبها جنود الحلفاء في المرحلة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد اغتصاب نساء ألمانيات.
تابعت غيبهاردت قائلة: "إن مناقشة قضايا معيّنة والتحقيق فيها لم يصبح ممكنًا إلا بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، والأكثر من ذلك كان الأهم أن تفهم ألمانيا ما ارتكبته هي من جرائم خلال الحرب ومحرقة اليهود (هولوكوست) في المقام الأول"، مشيرة إلى صدور كتابها "جرائم مسكوت عنها" بالروسية أخيرًا، بعد نشره في بريطانيا والولايات المتحدة وتركيا والبلدان الإسكندنافية.
لاحظت الكاتبة والمؤرخة الألمانية أن المجتمع الحديث أصبح أكثر تجاوبًا في الآونة الأخيرة مع موضوع العنف الجنسي، الذي ترتكبه الجيوش، ومن الجائز أن يكون السبب برأيها هو الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا في عام 1994، والفظائع التي ارتُكبت خلال حروب البلقان في يوغوسلافيا السابقة (1991-2001)، فضلًا عن التقدم الذي تحقق على جبهة حقوق المرأة.
اغتصاب مليوني امرأة
تناولت غيبهاردت الدوافع وراء ما ارتكبه جنود الحلفاء من جرائم جنسية في ألمانيا، قائلة إن لعنف الجيوش الجنسي دائمًا وظائف ودوافع مختلفة، لكنه على العموم يهدف إلى إضعاف العدو وتعزيز قواتها هي من خلال التستر على الجرائم.
يدحض الكتاب الصادرة طبعته الألمانية في عام 2015 الرواية القائلة إن الجنود السوفيات ارتكبوا جرائم جنسية باغتصاب نساء ألمانيات من كل الأعمار عمليًا، في حين أن نظراءهم الجنود الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين تصرّفوا تصرفًا إنسانيًا شريفًا.
تقول الكاتبة إن من بين 860 ألف امرأة ألمانية وقعت ضحية العنف الجنسي على أيدي جنود أجانب، اغتصب جنود الحلفاء الغربيين 270 ألفًا منهن، وإن غالبية هذه الجرائم ارتكبها جنود أميركيون. نسفت غيبهارت رواية أخرى تذهب إلى أن جنود الجيش الأحمر اعتدوا جنسيًا على نحو مليوني امرأة في ألمانيا، مشيرة إلى ضلوعهم في زهاء 590 ألف حالة اغتصاب.
حاكموهم
الجدير بالملاحظة في الوقت نفسه أن أعداد الجيش الأحمر وجيوش الحلفاء الغربيين في أوروبا كانت متفاوتة تفاوتًا كبيرًا. ففي بداية الهجوم على برلين، كانت القوات السوفياتية تتألف من 10 ملايين جندي، في حين كان تعداد القوات البريطانية التي انتشرت في القارة قرابة 1.35 مليون جندي، والقوات الأميركية حوالى 3.3 مليون جندي.
تعترف الكاتبة بأن قادة الجيش الأحمر ونظراءهم الأميركيين والبريطانيين منعوا العنف الجنسي منعًا باتًا، وكانوا ينزلون عقابًا قاسيًا في جنودهم الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم. وأوردت أمثلة على إعدام مغتصبين في الجيش الأحمر والجيش الأميركي بلا محاكمة، وأمثلة أخرى على محاكم عسكرية أصدرت أحكامًا بالإعدام أو بالسجن سنوات طويلة على جنود متهمين بارتكاب أعمال عنف جنسي.
العنف الجنسي استمر
لكن الكاتبة قالت إن العنف الجنسي استمر في استهداف النساء الألمانيات فترة طويلة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأكدت أن "قوات الاحتلال واصلت ارتكاب جرائم جنسية في ألمانيا لسنوات"، مضيفة أن الأمر كان يعتمد على القادة العسكريين المسؤولين عن فرض الانضباط العسكري.
بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، أصبحت مسؤولية الجرائم الجنسية في ألمانيا خلال فترة وقوعها تحت احتلال الحلفاء تُلقى عادة على عاتق الروس، مع إغفال جرائم الجنود الغربيين.
يلقي كتاب غيبهاردت ضوءًا على الجانب المظلم من احتلال ألمانيا بعد اجتياح القوات النازية للاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية والوسطى والغربية، وما ارتُكب من فظائع بحق شعوبها خلال الاحتلال النازي لها.
هذا التقرير نقلًا عن "سبوتنيك نيوز".