"مذكرات شاب عربي صرف" لمحمود جابر..الكتابة عن الهامشي واللامدون
"مذكرات شاب عربي صرف" هي مجموعة من المقالات والحكايات بإمضاء الكاتب محمود جابر التي دوّنها بتفاصيل الحياة اليومية العابرة لأخذ العبر.
هذه المذكرات لا تتحدث عن معارك ومؤامرات سياسية وبطولات، بل ترصد العادي والهامشي واللّامدون في الكتب الفارهة، بل تلتفت إلى أن "الحياة قصيرة لنضيعها بتقليد الآخرين أو بالحزن أو باليأس أو بالكره.." كما يقول الكاتب على الغلاف الأخير للكتاب.
ولذا فإن المؤلف يهدي الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان للعابرين الذين ساهموا في صنع ذاكرته ممن قابلهم في الحارة والشارع والمواصلات العامة "السرفيس"، والمولات والدوائر الحكومية وصالات السينما، ولا ينسى من مرّ بهم مصادفة في مراكز الشرطة أو الحدائق العامة والمستشفيات.
كما يجزل المؤلف الشكر في كتابه الواقع في 137 صفحة من القطع المتوسط لكل من تواصل معه عبر شبكة التواصل الاجتماعي- ولو كان ذلك عن طريق رسالة وصلت بالخطأ- ولمن شاهدهم على شاشة التلفاز أو قرأ لهم أو عنهم؛ الذين حتمًا تركوا شيئًا من أفكارهم وآرائهم في الكتاب.
هذه المذكرات كما يقول المؤلف تنتقد أهم الأحداث في المجتمع بشكل عام، وتربط قديمه بجديده، وتقارن بينه وثقافات أخرى، وتبين تطوره أو تأخره حسب تواتر التاريخ المكتوب أو المحكي أو المشهود.
ويهدف الكتاب لتعميق قيم الخير، والتذكير بها، كما يسعى إلى التنديد بأعمال الشر وأفعالها وآثارها، متوخيًا من ذلك تعميق القيم والعادات والأصيلة التي تنفع الناس وتبث الأمل في نفوسهم.
ومن هنا يمكن فهم إصرار الكاتب على توصيف "صرف" للشاب العربي، وهو يعني لغويًا الخالص والنقي، يعني أصلي/ أصيل.
إلى ذلك يشتمل الكتاب على عدد من العناوين والموضوعات التي لا يخلو بعضها من القراءة العميقة لبعض الظواهر الاجتماعية، وأخرى تتأمل الحياة والمحيط وتقرأ وجوه الناس، وغيرها لا تخلو من مواقف طريفة بما تحمل من خفة ظل.
وعلى ما يشتمل الكتاب من التقاطات نبيهة وذكية، فقد كتب بلغة سلسلة شائقة تحمل المتعة والفائدة، فهي تقع بين الحكاية والمقالة وتستعير من فنونها ما يضيف للآخر من جمال وبلاغة البساطة.
الكاتب محمود جابر لا يدون بالقلم وهو يسطر تلك المشاهد، بل يُشعر القارئ أنه يحمل كاميرا متحركة تجول الشوارع والزقاق والأسواق والمكاتب..، ويصور الناس بالصوت والصورة بعفوية انشغالهم بالحياة، وبمهارة الراصد والصياد الحاذق الذي يقتنص المفارق واللامألوف في اللحظة، ويعيد مونتاج المشهد بكيفية فنية ذات قيمة نبيلة.
ومن تلك العناوين: "شمسي بحجم حبة العدس"، "حب منفتح"، "يوم من أيام البطالة"، "تطريز الأماني".
ومن الموضوعات والعناوين أيضًا: "لص أم جان"، "على أعتاب الثلاثين"، "نبوءة رأس القرنبيط"، "خلط أوراق"، "وسائل التاريخ الاجتماعي"، "أفق خارج المألوف".
ومن مناخات الكتاب نقرأ عن "وسائل التاريخ الاجتماعي"، التي يأخذنا فيها الكاتب عبر رحلة بين الماضي والحاضر، ومنها:
"في قرارة أنفسنا نحن متعلقون جدًا بالتاريخ، أنه واحد من أجمل الموسيقيين الملحميين، يضرب على وتر العاطفة لدينا فيطربنا، غير أننا في الحقيقة متعلقون بتطرفه عند سماع موسيقاه، إذ لا شخصيات عادية فيه، فهذا العاشق المتيّم، وذاك القاتل السفاح، وآخر عبقري مجنون.. إننا متعلّقون بتطرّف التاريخ جدًا، ولهذا السبب نتوق لدخوله بأية طريقة".