«خديم الملك»... صفحات جديدة من الكواليس السياسية
بدأب وإصرار، يواصل محمد الصديق معنينو، وكيل وزارة الإعلام المغربية الأسبق، والوجه لإعلامي المعروف، إصدار سلسلة «أيام زمان» التي يستحضر فيها وقائع وأحداثا عاشها المغرب، وكان هو شاهدا على مختلف فصولها، انطلاقا من المناصب التي تولاها في الإذاعة والتلفزيون والوزارة وغيرها.
في الجزء الخامس، الصادر حديثا، تحت عنوان «خديم الملك»، ويعني به الراحل إدريس البصري، وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، والذي أسندت إليه كذلك حقيبة الإعلام، في فترة من الفترات، يستعرض معنينو صفحات جديدة من مذكراته الشخصية حول الكواليس السياسية.
في تقديمه للإصدار الجديد يكتب معنينو أن هذا الجزء يغطي مجموعة من الأحداث والوقائع التي عاشتها المملكة المغربية، ما بين سنة 1990 وسنة 1995، والتي تميزت بتغيير عميق على المستوى السياسي والهيكلي والتنظيمي، ما جعلها غنية بالتحولات التي طبعت تاريخ المغرب الحديث.
فخلال هذه الفترة، كما يتابع، تم وقف إطلاق النار بالصحراء، بعد إقامة الجدران الأمنية في إطار استراتيجية حربية مغربية جديدة في مواجهة الجزائر.
وخلال هذه الفترة، أيضا، أعلن الملك الحسن الثاني عن إحداث «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» وصادق على كافة توصياته.
وكان المغرب قد تعرض لانتقادات لاذعة في موضوع حقوق الإنسان من طرف عدد من المنظمات الدولية.
خلال هذه الفترة كذلك، تم تعديل الدستور وعدد من النصوص القانونية والتنظيمية، وتنظيم انتخابات تشريعية، وإغلاق السجون غير النظامية، وإطلاق سراح عدد من السجناء السياسيين.
- رجل سياسة ودهاء ومكر
في الجزء الخامس من سلسلة «أيام زمان»، كرس معنينو أغلب صفحاته لإدريس البصري، محاولاً الإلمام بجميع ملامحه ومكوناته، التي أوصلته إلى أعلى درجات المسؤولية، وزيرا للداخلية، وفي فترة لاحقة أضيفت له وزارة الإعلام أيضا، حيث كان له حضور مؤثر في الحياة السياسية خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. «كان البصري رجل حركة، قوي الذاكرة، في عروقه دم يغلي باستمرار، وكان دائم التوتر، وقد انعكس ذلك في نهاية المطاف على صحته وأدائه، وكان على اقتناع بأن عمله ضروري وأساسي لتدبير شؤون البلاد». بهذه الكلمات يصف معنينو البصري، كرجل سلطة، مستعد لدفع أي ثمن للحفاظ عليها، باعتبارها «أكسجينه» الضروري، لها الأولوية على العائلة والأصدقاء والمساعدين، «هي الأولى قبل أي مصلحة أخرى».
بدأ البصري حياته شرطيا متواضعا، ثم صعد سلم الارتقاء بفضل مؤهلاته المهنية، و«حظ رافقه طيلة حياته»، وكان «الطابع الأمني» هو هاجسه الأساسي، ومنطلق رؤيته للوقائع. كان ذلك هو أسلوبه في التعاطي مع الأحداث، وذلك بـ«استعمال العصا للقضاء على المخالفين... إنه أسلوب استعمله في السياسة كما تستعمله الشرطة في الإجرام».
يواصل معنينو رسم ملامح البصري، فيقول عنه إنه كان «رجل سياسة ودهاء ومكر»، وكانت شخصيته «معقدة»، ما بين الشعور بالعزة والشهامة كونه بدوياً من سهول الشاوية، المعروفة بالخصب، وما بين الشعور بالنقص تجاه «المدينيين»، وخاصة أبناء بورجوازية المدن العتيقة مثل فاس، ولذلك كان اختياره لأغلب السياسيين والبرلمانيين والمسؤولين والوزراء والولاة العاملين بجانبه من ذوي الجذور البدوية.
يحكي معنينو أيضا، كيف استطاع البصري أن يحول وزارة الداخلية في عهده إلى «أم الوزارات»، حتى باتت هي المهيمنة على كل القطاعات، وكل الاختصاصات، «لها القدرة على معالجة مشاكل الصحة والتعليم، وملفات الاقتصاد والمالية، وقضايا الهجرة والبطالة، وتراكمات الثلوج والفيضانات، إلى جانب الأمن في مفهومه الواسع».
ولأن وزارة الداخلية كانت فقيرة على مستوى التأطير، فقد سارع إلى تقويتها باستقطاب عدد كبير من الدكاترة والجامعيين وحاملي الشهادات العليا في مختلف المجالات، وأغلبهم من أبناء العائلات الضعيفة والأصول البدوية، وكون «جيشا» من حملة الشهادات، ضم إليهم قدامى المعارضة من اليساريين، أو «المتياسرين»، «وفي فترة من الفترة شعر بالقوة، وربما ظن أن له رسالة سماوية»، على حد تعبير مؤلف الكتاب.
ورغم الحضور الطاغي للبصري في مختلف وسائل الإعلام، وتحمله لحقيبة الإعلام، فقد كانت لغته ضعيفة، وفق ما جاء في الكتاب، فهو «لا يحسن الخطابة باللغة العربية، ولا يتقن اللغة الفرنسية».