الزهايمر : طبيب العيون قد يشخص ألزهايمر مبكرا
فحص العين السريع قد يسمح ذات يوم بالتحقق من صحة دماغك.
"شعرت بالصدمة، ولم أستوعب أن أمي بشخصيتها القيادية القوية يمكن أن تصاب بالمرض، خاصةً عندما دخل مرحلته الثانية، لقد كنت في حالة إنكار لما يحدث"، هكذا تعبر "أمنية" -39 سنة، مصرية تعيش في الإمارات- عن صدمتها بعد تلقِّيها خبر إصابة والدتها بألزهايمر.
تحكي "أمنية" عن بدايات مرض والدتها، البالغة من العمر 81 سنة، والتي وصلت من خلال عملها إلى منصب وكيل أول وزارة الثقافة المصرية، فتقول: "بدأت الأعراض تظهر على والدتي في 2015، لكنها كانت أعراضًا خفيفة، مجرد نسيان عادي. بدأت الأعراض بنسيان المفاتيح، والأوراق الشخصية الخاصة بها، مع نسيان بعض التفاصيل التي كنت أقصها عليها، فظننت أن الأمر ذو علاقة بالتقدم في السن".
لاحظت "أمنية" أن أمها عندما كانت تتسوق كانت تذهب إلى المكان ذاته، وتشتري الأشياء نفسها كل يوم، وهنا شكت في أن هناك مشكلة تعتري صحة والدتها، "ازداد نسيانها، وبدأت في سرد قصص خيالية تحدث لها، ونظرًا إلى أنني لم أكن على دراية بطبيعة المرض بعد، كنت أرى أن هذه القصص تحمل بعضًا من الحقيقة، وقسطًا من الخيال".
تطورت الحالة بسرعة كبيرة، كما تقول أمنية: "لم تتعرف عليّ والدتي، وكانت تشتكي لأخواتها من أن هناك امرأة بالمنزل تريد أذيتها"، كما فقدت والدتها القدرة على التعرف إلى كثير من الأشياء، مثل النقود، وبطاقتها الشخصية، والهاتف المحمول.
هل يمكن تشخيص ألزهايمر مبكرًا؟
والدة "أمنية" واحدة من 400 ألف مريض بألزهايمر في مصر، وواحدة من نحو 50 مليون شخص من كبار السن يعانون من الخرف في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير مؤسسة Alzheimer's Disease International، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 131.5 مليون حالة بحلول عام 2050. وحتى الآن، لا توجد علاجات قابلة للتطبيق أو أدوات غير جراحية للتشخيص المبكر لألزهايمر، الذي يُعد أكثر أنواع الخرف شيوعًا.
وهناك العديد من أسباب الإصابة بالخرف، كداء باركنسون (الشلل الرعاش) وغيره من الأمراض المرتبطة بفقدان الذاكرة. وعلى الرغم من شيوع استخدام الاسمين (ألزهايمر، والخرف) بالتبادل في مواضع كثيرة، فإنهما علميًّا مختلفان تمامًا؛ فليس كل شخص مصاب بالخرف يعاني من ألزهايمر.
ومع الزيادة المستمرة في أعداد الإصابة بهذا المرض يبقى السؤال: هل يمكن اكتشاف الإصابة بألزهايمر في وقت مبكر. تُظهر نتائج عدد من الدراسات العلمية إمكانيةً مستقبليةً لتشخيص ألزهايمر عبر فحص شبكية العين في وقت مبكر على الإصابة بالمرض.
واحدة من هذه الدراسات دراسة أُجريت في مركز العيون بجامعة ديوك بالولايات المتحدة، ونُشرت العام الماضي بدورية Ophthalmology Retina، التي تصدرها الأكاديمية الأمريكية لطب العيون، أظهرت نتائجها أن فقدان الأوعية الدموية في شبكية العين يطرح إمكانية التشخيص المبكر لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر AD .
استخدم الفريق تقنية التصوير المقطعي الوعائي للتماسك البصري OCTA لفحص 70 عينًا من 39 فردًا مصابًا بمرض ألزهايمر، و72 عينًا من 37 مشاركًا يعانون من الضعف الإدراكي MCI، الذي غالبًا ما يكون مقدمة لمرض ألزهايمر، و254 عينًا من 133 مشاركًا من الأصحاء. ضمَّن الباحثون أيضًا معدل العمر والجنس في تحليلهم، وكذلك اعتمدوا على التشخيص السريري لمرض ألزهايمر من قِبَل طبيب أعصاب خبير يتَّبع المعايير السريرية القياسية.
وجد باحثو الدراسة أن شبكة الأوعية الدموية في العين كانت أقل لدى الأشخاص المصابين بألزهايمر، مقارنةً بالأشخاص الأصحاء، الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل MCI، إذ أظهرت نتائج المسح أن الأفراد المصابين بمرض ألزهايمر أظهروا فقدانًا في الأوعية الدموية الصغيرة في الشبكية -أو ما يُعرف بانخفاض كثافة الأوعية الدموية في الضفيرة الشعرية السطحية VD وكثافة عملية التروية PD عند مقارنتها بالأشخاص الأصحاء، كما كانت طبقة الخلايا الشبكية الداخلية العقدية البقعية GC-IPL في شبكية العين لدى مرضى ألزهايمر أرق بكثير مما هي لدى الأشخاص الأصحاء.
ووفق تصريحات صحيفة أدلت بها شارون فيكرت، أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة ديوك، والباحثة الرئيسة بالدراسة: "نحن نقيس الأوعية الدموية التي لا يمكن رؤيتها في أثناء الفحص المنتظم للعين، ونفعل ذلك باستخدام تقنية جديدة غير باضعة، تلتقط صورًا عالية الدقة للأوعية الدموية الصغيرة جدًّا في شبكية العين في بضع دقائق فقط"، مشيرةً إلى أنه "من المحتمل أن تعكس هذه التغيرات في كثافة الأوعية الدموية في الشبكية ما يحدث في الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، ربما قبل أن نتمكن من اكتشاف أي تغييرات تتعلق بالإدراك".
ويمكن لـOCTA تصوير التغيُّرات في الشعيرات الدموية الصغيرة، التي لا تكون مرئيةً في التصوير بالرنين المغناطيسي أو فحوصات الأوعية الدموية الدماغية التي يمكن أن تُظهر فقط التغيرات في الأوعية الدموية الأكبر حجمًا. فشبكية العين هي امتداد للدماغ، ويمكن أن تعكس التغيرات في كثافة الأوعية الدموية في الشبكية ما يحدث في الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، ربما قبل أن يتمكن الأطباء من اكتشاف أي تغيرات في الإدراك.
وتُعد التحاليل الحالية لتشخيص ألزهايمر باهظة الثمن، كما أن العلاجات لا تبدأ إلا بعد ظهور الأعراض، والأهم من ذلك أنها قد لا تكون فعالةً في إبطاء تطور المرض. لذا، أطلقت جامعة رود أيلاند بالتعاون مع نظام بايكير الصحي في فلوريدا، وبرنامج الذاكرة والشيخوخة في مستشفى بتلر التابع لكلية وارن ألبرت للطب بجامعة براون، في يناير الماضي، تجربةً سريرية بعنوان "أطلس تصوير الشبكية في دراسة ألزهايمر" لمدة خمس سنوات، بتمويل قدره 5 ملايين دولار أمريكي؛ للكشف عن التغيرات الهيكلية في شبكية العين، التي يمكن أن تساعد الأطباء في اكتشاف مرض ألزهايمر قبل عقدين أو أكثر من ظهور الأعراض. وفي المقابل سيكون فحص الشبكية غير مكلف نسبيًّا، ويمكن لأطباء العيون إجراؤه خلال فحوصات العين الروتينية.
علاقة ليست بالجديدة
العلاقة بين أمراض العين وألزهايمر ليست جديدة؛ ففي دراسة سابقة أجرتها جامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، بدأت منذ عام 1994، ونُشرت نتائجها في دورية Alzheimer’s & Dementia في أغسطس عام 2018، جرت متابعة أكثر من 5400 مشارك، أعمارهم تزيد على 65 عامًا، وكانوا غير مصابين بالخرف عند التسجيل. وجد الباحثون أن المشاركين الذين يعانون من التنكُّس البقعيّ المرتبط بالجيل أكثر عرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر بنسبة 20%، مقارنةً بالأشخاص الذين لم يكن لديهم مرض بالعين.
تقول مها شاهين، أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة المنصورة: "إن بعض أجهزة تشخيص العيون تُستخدم في تشخيص ألزهايمر من جانبنا في جامعة المنصورة، أجرينا دراسة بحثية عن استخدام تقنية OCTA في تشخيص الشلل الرعاش، ونُجري الآن دراسة بحثية حول استخدام تقنية OCTA في تشخيص الشيزوفرينيا".
وتضيف: هناك صلة بين ضعف القدرات الذهنية وسُمك الألياف العصبية في الشبكية. ومن الناحية العلمية، هذه ليست الدراسة الأولى التي تناولت هذا الموضوع، وإذ إن الشبكية تُعَد نافذةً على المخ ونستطيع أن نفحصها بسهولة، لجأت دراسات كثيرة إلى استخدام علامات فى الشبكية للكشف عن أمراض، مثل التهاب الأعصاب المتناثر، والشلل الرعاش، وألزهايمر، والشيزوفرينيا، خاصةً أنه لا يوجد اختبار موضوعي يقيس بعضًا من هذه الأمراض، مثل ألزهايمر والشيزوفرينيا.
وتفيد بأن هذا هو الأساس الذي اعتمدت عليه هذه الدراسات، خاصةً مع الأجيال الجديدة من تقنية التصوير المقطعي الوعائي للتماسك البصري، فقد أتاح تطوُّر هذه الأجهزة فحص طبقةٍ تلو الأخرى من الطبقات الشبكية العشر، واستخدام التغييرات فيها كعلامات لأمراض المخ المرتبطة بالتدهور في القدرات الذهنية.
ويقول محمد عيسى، مدرس مساعد في قسم المخ والأعصاب بجامعة الإسكندرية: "إن الدراسة لا تؤسس لفكرة جديدة، فالمريض الذي يعاني من ارتفاع في ضغط المخ نتيجةً لورم مثلًا أو خراج، يحدث ارتشاح في شبكية العين لديه، وهو ما يمكن كشفه من خلال الفحص الروتيني الذي يُجريه طبيب الرمد. كما يمكن الكشف عن وجود ضمور في العصب البصري لدى مرضى التصلب المتناثر عن طريق فحص قاع العين".
وتعلق "شاهين" على دراسة جامعة واشنطن فتقول: "ليست كل أمراض الشبكية دالةً على احتمالات الإصابة بألزهايمر. لذلك لا يمكننا أن نعمم كل التغيرات التى تحدث فى الشبكية بمرض واحد فقط، حتى لو لاحظنا ارتباطه بزيادة احتمالات الإصابة بألزهايمر".
وهو ما تتفق معه شارون فيكرت، التي توضح أن ضَعف شبكات الأوعية الدموية في العين يمكن أن يُعزى إلى أسباب أخرى غير ألزهايمر، لذا كان الفريق البحثي حريصًا للغاية على استبعاد الأمراض المحتملة، مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم غير المنضبط، والمياه الزرقاء، والخرف اللاإرادي. وتشير في تصريحات لـ"للعلم" إلى أنه يجب تصوير المزيد من المرضى للتحقق من صحة النتائج التي توصلوا إليها. وتضيف أنه لا يمكن تعميم نتائج الدراسة في الوقت الحالي، فهي دراسة مستعرضة، لذا لا يمكن للفريق البحثي تحديد ما إذا كانت نتائجهم سببًا أو نتيجةً لمرض ألزهايمر.
وتؤكد أنه على الرغم من أن هذه لم تكن المرة الأولى لتطبيق تقنية OCTA في هذا الإطار، لكن لا يزال مجتمع دراستهم هو الأكبر مقارنةً ببقية الدراسات الأخرى، كما أن هذه التقنية أصبحت متاحةً على نطاق أوسع، وصارت تدريجيًّا جزءًا من العناية الروتينية بالعين، مشددةً على أنه يجب فرز تأثير الأمراض المعروفة -مثل أمراض السكري والجلوكوما- على نتائج تقنية OCTA. كما يحتاج الفريق البحثي أيضًا إلى تقييم هذه التقنية في مجموعات من المرضى أكثر تنوعًا.
محاولات جيدة على الطريق
ويرى "عيسى" أن الدراسة تشكل محاولة جيدة لإيجاد ربط بين ألزهايمر ومشكلات العين؛ لأن فحص ألزهايمر ليس موضوعيًّا للغاية، بل يعتمد على أسئلة يوجهها الطبيب إلى أهل المريض، وقياسات نفسية، وقياسات تعتمد على الذكاء، والإدراك، واتخاذ القرار، وليست تحاليل مخبرية أو معملية، أو لها علاقة بالتصوير، لذا تعتبر الدراسة خطوة لتشخيص ألزهايمر.
لكن من النقاط التي تحتاج إلى تفسير -مثلما يشير "عيسى"- تلك المتعلقة بالسؤال: كيف يمكن ألا توجد تغيرات في شبكية العين لدى مرضى MCI أو مرحلة ما قبل ألزهايمر التي يحدث فيها تأثر في الذاكرة والإدراك، وهي مرحلة إنذارية للمريض بالإصابة بمرض ألزهايمر في خلال مدة قد تصل إلى خمس سنوات؟ فلو كانت الدراسة قد وجدت فرقًا لكان هذا يعطيها قوة تنبُّئية بخطر الإصابة بألزهايمر، يمكن من خلالها أن نتخذ إجراءات لمنع تدهور حالة المريض.
ويضيف: "لم تحدد الدراسة إن كنا نستطيع أن نقول بأن كل مرضى ألزهايمر يعانون من مشكلات محددة في الشبكية، أو أن كل مَن لديه مشكلات في الشبكية سوف يصاب بألزهايمر، وهو أمر بحاجة إلى العديد من الدراسات؛ لأن هناك العديد من الأمراض الأخرى التي تؤدي إلى مشكلات في الشبكية. لذا ما نستطيع قوله هو أن الدراسة تقدم وسيلةً مساعدة وسهلة في التشخيص".
ويرى عيسى أن التطور الطبي يمضي على قدم وساق في باقي المجالات، خاصةً في المخ والأعصاب، لكنه يمضي ببطء في مجال الشيخوخة؛ فعلى سبيل المثال، كان آخر دواء جرت الموافقة عليه من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA منذ 20 سنة تقريبًا، لذلك نحن بحاجة إلى أبحاث كثيرة جدًّا في هذا الموضوع؛ لأن ألزهايمر يصيب نسبةً كبيرةً جدًّا من كبار السن تصل إلى 50% ممن يتخطى عمرهم 80 سنة، وهو من الأمراض المكلفة جدًّا،سواء للدولة أو للفرد.
ومن جانبها، توضح "فيكرت" أن الدراسة لا توفر أداةً للتشخيص المبكر، لكن ربما في يوم من الأيام يمكن استخدامها لهذا الغرض، بعد مزيد من الدراسة والتحقق.
ــــــــــــــ
*هذا التقرير مُنتج في إطار مشروع الصحافة العلمية "العلم حكاية"، الذي ينظمه معهد جوته، والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)،
"شعرت بالصدمة، ولم أستوعب أن أمي بشخصيتها القيادية القوية يمكن أن تصاب بالمرض، خاصةً عندما دخل مرحلته الثانية، لقد كنت في حالة إنكار لما يحدث"، هكذا تعبر "أمنية" -39 سنة، مصرية تعيش في الإمارات- عن صدمتها بعد تلقِّيها خبر إصابة والدتها بألزهايمر.
تحكي "أمنية" عن بدايات مرض والدتها، البالغة من العمر 81 سنة، والتي وصلت من خلال عملها إلى منصب وكيل أول وزارة الثقافة المصرية، فتقول: "بدأت الأعراض تظهر على والدتي في 2015، لكنها كانت أعراضًا خفيفة، مجرد نسيان عادي. بدأت الأعراض بنسيان المفاتيح، والأوراق الشخصية الخاصة بها، مع نسيان بعض التفاصيل التي كنت أقصها عليها، فظننت أن الأمر ذو علاقة بالتقدم في السن".
لاحظت "أمنية" أن أمها عندما كانت تتسوق كانت تذهب إلى المكان ذاته، وتشتري الأشياء نفسها كل يوم، وهنا شكت في أن هناك مشكلة تعتري صحة والدتها، "ازداد نسيانها، وبدأت في سرد قصص خيالية تحدث لها، ونظرًا إلى أنني لم أكن على دراية بطبيعة المرض بعد، كنت أرى أن هذه القصص تحمل بعضًا من الحقيقة، وقسطًا من الخيال".
تطورت الحالة بسرعة كبيرة، كما تقول أمنية: "لم تتعرف عليّ والدتي، وكانت تشتكي لأخواتها من أن هناك امرأة بالمنزل تريد أذيتها"، كما فقدت والدتها القدرة على التعرف إلى كثير من الأشياء، مثل النقود، وبطاقتها الشخصية، والهاتف المحمول.
هل يمكن تشخيص ألزهايمر مبكرًا؟
والدة "أمنية" واحدة من 400 ألف مريض بألزهايمر في مصر، وواحدة من نحو 50 مليون شخص من كبار السن يعانون من الخرف في جميع أنحاء العالم، وفقًا لتقرير مؤسسة Alzheimer's Disease International، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 131.5 مليون حالة بحلول عام 2050. وحتى الآن، لا توجد علاجات قابلة للتطبيق أو أدوات غير جراحية للتشخيص المبكر لألزهايمر، الذي يُعد أكثر أنواع الخرف شيوعًا.
وهناك العديد من أسباب الإصابة بالخرف، كداء باركنسون (الشلل الرعاش) وغيره من الأمراض المرتبطة بفقدان الذاكرة. وعلى الرغم من شيوع استخدام الاسمين (ألزهايمر، والخرف) بالتبادل في مواضع كثيرة، فإنهما علميًّا مختلفان تمامًا؛ فليس كل شخص مصاب بالخرف يعاني من ألزهايمر.
ومع الزيادة المستمرة في أعداد الإصابة بهذا المرض يبقى السؤال: هل يمكن اكتشاف الإصابة بألزهايمر في وقت مبكر. تُظهر نتائج عدد من الدراسات العلمية إمكانيةً مستقبليةً لتشخيص ألزهايمر عبر فحص شبكية العين في وقت مبكر على الإصابة بالمرض.
واحدة من هذه الدراسات دراسة أُجريت في مركز العيون بجامعة ديوك بالولايات المتحدة، ونُشرت العام الماضي بدورية Ophthalmology Retina، التي تصدرها الأكاديمية الأمريكية لطب العيون، أظهرت نتائجها أن فقدان الأوعية الدموية في شبكية العين يطرح إمكانية التشخيص المبكر لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر AD .
استخدم الفريق تقنية التصوير المقطعي الوعائي للتماسك البصري OCTA لفحص 70 عينًا من 39 فردًا مصابًا بمرض ألزهايمر، و72 عينًا من 37 مشاركًا يعانون من الضعف الإدراكي MCI، الذي غالبًا ما يكون مقدمة لمرض ألزهايمر، و254 عينًا من 133 مشاركًا من الأصحاء. ضمَّن الباحثون أيضًا معدل العمر والجنس في تحليلهم، وكذلك اعتمدوا على التشخيص السريري لمرض ألزهايمر من قِبَل طبيب أعصاب خبير يتَّبع المعايير السريرية القياسية.
وجد باحثو الدراسة أن شبكة الأوعية الدموية في العين كانت أقل لدى الأشخاص المصابين بألزهايمر، مقارنةً بالأشخاص الأصحاء، الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل MCI، إذ أظهرت نتائج المسح أن الأفراد المصابين بمرض ألزهايمر أظهروا فقدانًا في الأوعية الدموية الصغيرة في الشبكية -أو ما يُعرف بانخفاض كثافة الأوعية الدموية في الضفيرة الشعرية السطحية VD وكثافة عملية التروية PD عند مقارنتها بالأشخاص الأصحاء، كما كانت طبقة الخلايا الشبكية الداخلية العقدية البقعية GC-IPL في شبكية العين لدى مرضى ألزهايمر أرق بكثير مما هي لدى الأشخاص الأصحاء.
ووفق تصريحات صحيفة أدلت بها شارون فيكرت، أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة ديوك، والباحثة الرئيسة بالدراسة: "نحن نقيس الأوعية الدموية التي لا يمكن رؤيتها في أثناء الفحص المنتظم للعين، ونفعل ذلك باستخدام تقنية جديدة غير باضعة، تلتقط صورًا عالية الدقة للأوعية الدموية الصغيرة جدًّا في شبكية العين في بضع دقائق فقط"، مشيرةً إلى أنه "من المحتمل أن تعكس هذه التغيرات في كثافة الأوعية الدموية في الشبكية ما يحدث في الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، ربما قبل أن نتمكن من اكتشاف أي تغييرات تتعلق بالإدراك".
ويمكن لـOCTA تصوير التغيُّرات في الشعيرات الدموية الصغيرة، التي لا تكون مرئيةً في التصوير بالرنين المغناطيسي أو فحوصات الأوعية الدموية الدماغية التي يمكن أن تُظهر فقط التغيرات في الأوعية الدموية الأكبر حجمًا. فشبكية العين هي امتداد للدماغ، ويمكن أن تعكس التغيرات في كثافة الأوعية الدموية في الشبكية ما يحدث في الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ، ربما قبل أن يتمكن الأطباء من اكتشاف أي تغيرات في الإدراك.
وتُعد التحاليل الحالية لتشخيص ألزهايمر باهظة الثمن، كما أن العلاجات لا تبدأ إلا بعد ظهور الأعراض، والأهم من ذلك أنها قد لا تكون فعالةً في إبطاء تطور المرض. لذا، أطلقت جامعة رود أيلاند بالتعاون مع نظام بايكير الصحي في فلوريدا، وبرنامج الذاكرة والشيخوخة في مستشفى بتلر التابع لكلية وارن ألبرت للطب بجامعة براون، في يناير الماضي، تجربةً سريرية بعنوان "أطلس تصوير الشبكية في دراسة ألزهايمر" لمدة خمس سنوات، بتمويل قدره 5 ملايين دولار أمريكي؛ للكشف عن التغيرات الهيكلية في شبكية العين، التي يمكن أن تساعد الأطباء في اكتشاف مرض ألزهايمر قبل عقدين أو أكثر من ظهور الأعراض. وفي المقابل سيكون فحص الشبكية غير مكلف نسبيًّا، ويمكن لأطباء العيون إجراؤه خلال فحوصات العين الروتينية.
علاقة ليست بالجديدة
العلاقة بين أمراض العين وألزهايمر ليست جديدة؛ ففي دراسة سابقة أجرتها جامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية، بدأت منذ عام 1994، ونُشرت نتائجها في دورية Alzheimer’s & Dementia في أغسطس عام 2018، جرت متابعة أكثر من 5400 مشارك، أعمارهم تزيد على 65 عامًا، وكانوا غير مصابين بالخرف عند التسجيل. وجد الباحثون أن المشاركين الذين يعانون من التنكُّس البقعيّ المرتبط بالجيل أكثر عرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر بنسبة 20%، مقارنةً بالأشخاص الذين لم يكن لديهم مرض بالعين.
تقول مها شاهين، أستاذ طب وجراحة العيون بجامعة المنصورة: "إن بعض أجهزة تشخيص العيون تُستخدم في تشخيص ألزهايمر من جانبنا في جامعة المنصورة، أجرينا دراسة بحثية عن استخدام تقنية OCTA في تشخيص الشلل الرعاش، ونُجري الآن دراسة بحثية حول استخدام تقنية OCTA في تشخيص الشيزوفرينيا".
وتضيف: هناك صلة بين ضعف القدرات الذهنية وسُمك الألياف العصبية في الشبكية. ومن الناحية العلمية، هذه ليست الدراسة الأولى التي تناولت هذا الموضوع، وإذ إن الشبكية تُعَد نافذةً على المخ ونستطيع أن نفحصها بسهولة، لجأت دراسات كثيرة إلى استخدام علامات فى الشبكية للكشف عن أمراض، مثل التهاب الأعصاب المتناثر، والشلل الرعاش، وألزهايمر، والشيزوفرينيا، خاصةً أنه لا يوجد اختبار موضوعي يقيس بعضًا من هذه الأمراض، مثل ألزهايمر والشيزوفرينيا.
وتفيد بأن هذا هو الأساس الذي اعتمدت عليه هذه الدراسات، خاصةً مع الأجيال الجديدة من تقنية التصوير المقطعي الوعائي للتماسك البصري، فقد أتاح تطوُّر هذه الأجهزة فحص طبقةٍ تلو الأخرى من الطبقات الشبكية العشر، واستخدام التغييرات فيها كعلامات لأمراض المخ المرتبطة بالتدهور في القدرات الذهنية.
ويقول محمد عيسى، مدرس مساعد في قسم المخ والأعصاب بجامعة الإسكندرية: "إن الدراسة لا تؤسس لفكرة جديدة، فالمريض الذي يعاني من ارتفاع في ضغط المخ نتيجةً لورم مثلًا أو خراج، يحدث ارتشاح في شبكية العين لديه، وهو ما يمكن كشفه من خلال الفحص الروتيني الذي يُجريه طبيب الرمد. كما يمكن الكشف عن وجود ضمور في العصب البصري لدى مرضى التصلب المتناثر عن طريق فحص قاع العين".
وتعلق "شاهين" على دراسة جامعة واشنطن فتقول: "ليست كل أمراض الشبكية دالةً على احتمالات الإصابة بألزهايمر. لذلك لا يمكننا أن نعمم كل التغيرات التى تحدث فى الشبكية بمرض واحد فقط، حتى لو لاحظنا ارتباطه بزيادة احتمالات الإصابة بألزهايمر".
وهو ما تتفق معه شارون فيكرت، التي توضح أن ضَعف شبكات الأوعية الدموية في العين يمكن أن يُعزى إلى أسباب أخرى غير ألزهايمر، لذا كان الفريق البحثي حريصًا للغاية على استبعاد الأمراض المحتملة، مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم غير المنضبط، والمياه الزرقاء، والخرف اللاإرادي. وتشير في تصريحات لـ"للعلم" إلى أنه يجب تصوير المزيد من المرضى للتحقق من صحة النتائج التي توصلوا إليها. وتضيف أنه لا يمكن تعميم نتائج الدراسة في الوقت الحالي، فهي دراسة مستعرضة، لذا لا يمكن للفريق البحثي تحديد ما إذا كانت نتائجهم سببًا أو نتيجةً لمرض ألزهايمر.
وتؤكد أنه على الرغم من أن هذه لم تكن المرة الأولى لتطبيق تقنية OCTA في هذا الإطار، لكن لا يزال مجتمع دراستهم هو الأكبر مقارنةً ببقية الدراسات الأخرى، كما أن هذه التقنية أصبحت متاحةً على نطاق أوسع، وصارت تدريجيًّا جزءًا من العناية الروتينية بالعين، مشددةً على أنه يجب فرز تأثير الأمراض المعروفة -مثل أمراض السكري والجلوكوما- على نتائج تقنية OCTA. كما يحتاج الفريق البحثي أيضًا إلى تقييم هذه التقنية في مجموعات من المرضى أكثر تنوعًا.
محاولات جيدة على الطريق
ويرى "عيسى" أن الدراسة تشكل محاولة جيدة لإيجاد ربط بين ألزهايمر ومشكلات العين؛ لأن فحص ألزهايمر ليس موضوعيًّا للغاية، بل يعتمد على أسئلة يوجهها الطبيب إلى أهل المريض، وقياسات نفسية، وقياسات تعتمد على الذكاء، والإدراك، واتخاذ القرار، وليست تحاليل مخبرية أو معملية، أو لها علاقة بالتصوير، لذا تعتبر الدراسة خطوة لتشخيص ألزهايمر.
لكن من النقاط التي تحتاج إلى تفسير -مثلما يشير "عيسى"- تلك المتعلقة بالسؤال: كيف يمكن ألا توجد تغيرات في شبكية العين لدى مرضى MCI أو مرحلة ما قبل ألزهايمر التي يحدث فيها تأثر في الذاكرة والإدراك، وهي مرحلة إنذارية للمريض بالإصابة بمرض ألزهايمر في خلال مدة قد تصل إلى خمس سنوات؟ فلو كانت الدراسة قد وجدت فرقًا لكان هذا يعطيها قوة تنبُّئية بخطر الإصابة بألزهايمر، يمكن من خلالها أن نتخذ إجراءات لمنع تدهور حالة المريض.
ويضيف: "لم تحدد الدراسة إن كنا نستطيع أن نقول بأن كل مرضى ألزهايمر يعانون من مشكلات محددة في الشبكية، أو أن كل مَن لديه مشكلات في الشبكية سوف يصاب بألزهايمر، وهو أمر بحاجة إلى العديد من الدراسات؛ لأن هناك العديد من الأمراض الأخرى التي تؤدي إلى مشكلات في الشبكية. لذا ما نستطيع قوله هو أن الدراسة تقدم وسيلةً مساعدة وسهلة في التشخيص".
ويرى عيسى أن التطور الطبي يمضي على قدم وساق في باقي المجالات، خاصةً في المخ والأعصاب، لكنه يمضي ببطء في مجال الشيخوخة؛ فعلى سبيل المثال، كان آخر دواء جرت الموافقة عليه من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA منذ 20 سنة تقريبًا، لذلك نحن بحاجة إلى أبحاث كثيرة جدًّا في هذا الموضوع؛ لأن ألزهايمر يصيب نسبةً كبيرةً جدًّا من كبار السن تصل إلى 50% ممن يتخطى عمرهم 80 سنة، وهو من الأمراض المكلفة جدًّا،سواء للدولة أو للفرد.
ومن جانبها، توضح "فيكرت" أن الدراسة لا توفر أداةً للتشخيص المبكر، لكن ربما في يوم من الأيام يمكن استخدامها لهذا الغرض، بعد مزيد من الدراسة والتحقق.
ــــــــــــــ
*هذا التقرير مُنتج في إطار مشروع الصحافة العلمية "العلم حكاية"، الذي ينظمه معهد جوته، والهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)،
المصدر : للعلم