"غرفة يعقوب" لفرجينيا وولف: حين بدأ تيار الوعي كتب
تفتح رواية فرجينيا وولف (1882-1941) "غرفة يعقوب"، التي صدرت عام 1922، على أصوات تصل من شاطئ البحر، والصورة لأرملة تدعى بيتي فلاندرز، أمّ لثلاثة أولاد، تكتب رسالة إلى صديقتها القديمة؛ أحد أبناءها يدعى جاكوب ولاحظت بيتي أن جاكوب (يعقوب) أخذ جمجمة ماعز وجدها على الشاطئ إلى السرير معه. كانت تلك صورة غريبة إلى حدّ ما، الصبي الصغير وجمجمة حيوان ميت يرقدان معًا، كما لو كانت وولف تستخدم الجمجمة كرمز لحضور الموت في حياة يعقوب منذ سنواته الأولى.
حين صدرت هذه الرواية، شكّلت صدمة للوسط الأدبي، رغم أنها ليست أفضل أعمالها، ولكنها كانت تعتمد على مجموعة من الأشخاص يصفون بطل الرواية يعقوب، فقد مات في ريعان شبابه جندياً في إحدى معارك الحرب العالمية الأولى، لذلك نسمع ذكرى عن يعقوب دون أن يكون يعقوب فاعلاً حاضراً في العمل، بل يحضر بوصفه الماضي، وكان هذا بالنسبة للكتابة الروائية فعلاً فنياً تجديدياً. الرواية صدرت مؤخراً عن دار "العين" في القاهرة، بترجمة سناء عبد العزيز، وتعدّ من أوائل الروايات التي تجسّد بدايات تيار الوعي.
الصورة
تدور أحداث الرواية بين لندن وباريس وروما وأثينا، وتتناول ثيمات مختلفة، ولكن يحتلّ الحزن والوحدة مكانًا مهمًا في الرواية، فكلّ شخصية تقريبًا لديها سبب للشعور بالحصار والحزن والوحدة. على سبيل المثال يتعين على بيتي والدة يعقوب أن تتعلّم كيف تعيش بدون زوجها ومساعدته وحمايته. بالطبع لديها أصدقاء يزورونها من حين لآخر لإلهاءها عن الأفكار المرة. الكابتن بارفوت هو واحد منهم. لكن الكابتن لديها أيضًا زوجة مقعدة تعرف أين يذهب زوجها ولا يمكنها فعل شيء لمنع زوجها من الذهاب إلى هناك. اتضح أنها كانت وحيدة مثل بيتي. جارة بيتي، السيدة جارفيس، تحلم بترك زوجها لكنها تعلم أن مغادرتها يمكن أن تدمر حياته المهنية، لذلك تبقى معه رغم تعاستها.
وعلى العكس من وحدة هذه النساء، نجد وحدة يعقوب، الذي كان كلّ همه أن يتعلّم ويسافر، وحين يسافر إلى اليونان وحده، ليقول لنا "كم هو ممتع أن تكون وحيداً"، وكأن الوحدة كما يعيشها الرجل باختياره لا تماثل وحدة نساء تفرضها شروط المجتمع أو الحظ العاثر. من جهة أخرى يمثّل يعقوب في الرواية جيلاًَ ضائعاً يحلم بالمعرفة والسفر لكن أشياء فظيعة لا تتعلّق به توقف حياته مثل الحروب وفظائعها.
كانت تلك صورة غريبة إلى حد ما، الصبي الصغير وجمجمة حيوان ميت يرقدان معًا
ومن أجواء الرواية كما ترجمتها عبد العزيز، "غرفة يعقوب تحتوي على طاولة مستديرة وكرسيين منخفضين، وثمة أعلام صفراء في برطمان على رف المدفأة، صورة لأمه، بطاقات من جمعيات بأهِلة صغيرة مرتفعة، وشعارات النبالة، والأحرف الأولى؛ مفكرات وغليون، على الطاولة، وُضعت ورقة مخططة بهامش أحمر – لا بد أنه مقال- "هل يتألف التاريخ من سير العظماء؟" كان هناك ما يكفي من الكتب؛ عدد قليل جداً بالفرنسية، ولكن من ناحية أخرى فأي إنسان يعطي أهمية لشيء ما، يقرأ ما يستهويه فقط، بحسب ما يأخذه مزاجه، بحماسة حمقاء. سِير الدوق ولنجتون، مثلاً، إسبينوزا؛ أعمال ديكنز، ملكة الجنيات، قاموس يوناني ببتلات الخشخاش مضغوطة إلى حرير بين الصفحات، جميع الشعراء الإليزابيثيين. كان خُفُه رثَّا بشكل لا يصدق، مثل القوارب المحترقة على حافة الماء".
المصدر:العربي الجيد